الترجمة الأدبية هي أحد أنواع الترجمة التي تتمحور حول نقل النصوص الأدبية من لغة إلى لغة أخرى مع الحفاظ على المعنى الجمالي والفني، وللتجربة السورية باع طويل في هذا المجال الذي أثرى المكتبة الأدبية بالعديد من المؤلفات، وذلك رغم كل صعوبات ومعوقات العمل التي حالت دون إمكانية القيام بهذه المهمة على وجهها الأكمل.

تجربة متميزة

للحديث عن التجربة السورية في مجال الترجمة الأدبية التقينا د. "أحمد عبد الكريم الشعبان" محاضر في جامعة "دمشق" وهو مراقب في قسم الإعلام الخارجي ومذيع في النشرة الإسبانية في قسم الإذاعات الأجنبية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ويقول: «الترجمة الأدبية هي نقل المحتوى الأدبي الإنساني وتجارب الأدباء من كل الأجناس الأدبية إلى اللغة العربية، وما يعادل 60% أو يزيد من ترجماتنا في العقود الأخيرة هي أدبية أو تتجه نحو الإنتاج الأدبي وهذا أمر غير كاف».

الترجمة الأدبية هي نقل المحتوى الأدبي الإنساني وتجارب الأدباء من كل الأجناس الأدبية إلى اللغة العربية، وما يعادل 60% أو يزيد من ترجماتنا في العقود الأخيرة هي أدبية أو تتجه نحو الإنتاج الأدبي وهذا أمر غير كاف

ويوضح أن التجربة السورية من أكثر التجارب تميزاً فيما يخص الترجمة الأدبية لأنها مستمرة، لكن عدة عوامل أثرت في العقد الأخير عليها، ومنها العقوبات والوضع الاقتصادي الذي أدى إلى انخفاض أجور المترجمين، مشيراً إلى تجربة موقع وكالة "سانا" الإلكتروني الذي ينشر بسبع لغات، وتجربة نشرات اللغات الأجنبية في الإذاعة والتلفزيون العربي السوري التي لا تتعدى كونها تجربة إعلامية إخبارية.

د. "أحمد الشعبان"

دراسة مقترحة

المترجم "شادي حمود"

ويتابع "الشعبان" حديثه قائلاً: «أشارك هذا العام في المشروع الوطني للترجمة بما يخص اللغة الإسبانية بترجمة ثلاثية "فالكو" ("إيفا"، "فالكو" و"تخريب") للكاتب "أرتورو بيريز ريفيرته" وهو عمل أدبي مهم، وكتاب آخر بعنوان "سأعطيك كل هذا" كما سبق وترجمت قصة "الحذاء الأحمر"، ونحن في صدد تحكيم كتاب "الربيب"».

ويتساءل "الشعبان": لماذا نسعى دوماً إلى ترجمة آداب الآخرين إلى اللغة العربية، لماذا لا يكون هناك تجربة عكسية، ويبين أنه في دراسة أنجزها بعنوان (العقبات التي تعترض عمل الترجمة في المؤسسات العامة والخاصة "سورية" نموذجاً) مطروحة في الندوة الوطنية للترجمة عام 2021، تحدث فيها عن الترجمة الوطنية من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى وأن هناك أعمالاً معدودة في هذا المجال.

ويشرح "الشعبان" أسباب التقصير الكبير في الترجمة الأدبية مبيناً أنها تعود لخسارة أعلام المترجمين في "سورية" بسبب الموت أو بلوغهم سن التقاعد، وسفر بعض الكوادر، ولوجود فراغ زمني بين قدامى المترجمين والجدد فيما يخص الترجمة الأدبية التي تهم المتلقي العربي بشكل خاص، مقترحاً ضرورة ترميم الكادر من خلال تأهيل خريجي الأقسام الأجنبية التي تدرس في كلية الآداب، تحديداً الإنكليزية والفرنسية والإسبانية، والمعاهد التي تدرس اللغات، لذلك يقترح "الشعبان" أن تقدم وزارة الثقافة مقترحاً إلى وزارة التعليم العالي بأن يتم الاصطلاح على مشروع تخرج في هذه الكليات والمعاهد ضمن معيارية النشر الرسمية في أي دار نشر، من حيث السياق وسلامة اللغة، يدرسه طالب أو مجموعة من الطلاب منذ بداية العام الأخير وأن يعطى الطالب والمحاضر المشرف على المشروع ميزات إضافية وبالتالي سيكون لدينا مئات الأعمال ويتم سد النقص الحاصل من حيث الكم في الترجمة.

المعيارية

المترجم "الشعبان" عضو اللجنة الوطنية للترجمة لمدة سنتين متتاليتين، وشارك في تحكيم جائزة "سامي دروبي" العام الماضي يرى بأن اسم المترجم لا يقل أهمية عن اسم الكاتب بل هناك مسؤولية مضاعفة عليه أمام النص، إذ تقع عليه مسؤولية أخلاقية لينقله بأمانة دون حذف أو تغيير.

وعن آلية النشر يقول: «يتم تداول العناوين المقترحة قبل أن تخرج للقارىء من حيث الجدة والتأثير في المتلقي العربي وعدم تعارضها مع قضايانا الوطنية والقومية، حيث يخضع الكتاب لثلاثة قارئين ويجب أن يجمع قارئان بالحد الأدنى على أنه صالح للنشر.

ويضيف: «هناك معيارية عالية، فالترجمة ليست استبدال المفردة في لغة المصدر بمعناها في لغة الهدف بل هي عملية نقل سياق كامل يتطلب خبرة وثقافة مضاعفة بسياقات مختلفة ليستطيع المترجم أن يحيي السياق النفسي والفكري والأدبي الذي عاشه المؤلف نفسه».

تجربة مستمرة

للتعرف إلى المشروع الوطني للترجمة الذي انطلق في 2016 يقول "شادي حمود" مترجم في مديرية الترجمة بالهيئة العامة السورية للكتاب: «نحرص سنوياً على تكوين لجنة مؤلفة من أساتذة واختصاصيين في جميع اللغات (الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، التركية، الإسبانية، الروسية، الأرمنية، التشيكية، الفارسية) ويتم انتقاء مجموعة كتب من حيث الترجمة لموضوعات متنوعة أدبية، علوم إنسانية، فلسفية، وغيرها، ونحضر للخطة القادمة عام 2022 في بداية شهر تشرين الثاني حيث يتم تشكيل لجنة جديدة».

ويشير إلى أن الاستمرارية هي التي تعطي أهمية لمشروع الترجمة ولمهمة صناعة كتاب ورقي جيد من حيث الترجمة والأفكار والتركيز، معتبراً أن الجهود المبذولة فيما يخص التجربة السورية في الترجمة غير كافية لأن جهد المترجم أكبر من الأجر الذي يتقاضاه بكثير.

وبحسب "حمود" تسعى مديرية الترجمة لرفع أجور الترجمة ضمن خطة العام الحالي كي تتناسب مع أجور دور النشر الخاصة.

وفيما يخص معايير انتقاء الكتب الأدبية يتابع "حمود" صاحب مسرحية "الأم والطفل بخير" الفائزة بجائزة "سامي دروبي" للترجمة عام 2017 بقوله: «الجدة هي أول المعايير وأن يكون موضوع الرواية أو القصة متداولاً وحديث النشر وألا يكون مترجماً من قبل، ويفضل أن يكون حاصلاً على جائزة وعلى سوية جيدة مع الابتعاد عن الجوانب الدينية والسياسية، بالإضافة إلى توافقه مع ميل المترجم للموضوعات المطروحة حيث تأخذ الرواية حيزاً كبيراً من الخطة وكذلك العلوم الإنسانية والمسرح وضمن الخطة هناك مجموعة كتب شعرية، لكن مديرية الترجمة تحرص على الاستعانة بالشعراء المترجمين لأن ترجمة الشعر أصعب أنواع الترجمة».

أدب الأطفال

وبالحديث عن الترجمة الأدبية للأطفال ترى "كاتبة وجيه كاتبة"، مترجمة سورية وكاتبة قصص الأطفال ومحاضرة في المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية، أن ترجمة أدب الطفل تعد جسر تواصل بين أطفال العالم أجمع، ووسيلة للتعرف على ثقافات بعضهم بعضا واكتشاف عوالم جديدة، ما يمهد لبناء أشخاص يتقبلون ويحترمون اختلافات الآخرين ومعتقداتهم وأفكارهم.

وتضيف "كاتبة": «تزداد الصعوبة إذا تعلق الأمر بترجمة أدب الأطفال، فالمترجم هنا يجب أن يتوافر لديه حس أدبي بالأسلوب والصياغة والألفاظ التي تلائم سن الطفل القارئ، وأن يكون ذا خبرة وتجربة في الكتابة للأطفال، قادراً على نقل روح العمل الأدبي المترجم، وعلى تكييف النص بطريقة تجعل الطفل يتلذذ بسماعه وقراءته وهذا يتطلب مهارات خاصة، فقبل كل شيء عليه أن ينتقي العمل الذي يريد ترجمته بعناية، ثم انتقاء العبارات المبسطة والمصطلحات المناسبة، ومن هنا أجد صعوبة نوعاً ما في ظل غياب قواميس الكلمات الشائعة والمناسبة لكل فئة عمرية في لغة الأطفال».

وترى "كاتبة" أن أهم سمات المترجم الناجح هي الشغف بالترجمة وحب التعلم الدائم والاطلاع على آخر التقنيات في مجال الترجمة، وممارستها باستمرار، فهذا الشغف يمكّنه من امتلاك موهبة ومهارات فن الترجمة وفن الحفاظ على رونق النص والإحساس به، فضلاً عن ضرورة التحلي بالوعي الثقافي لتجنب سوء الفهم الذي يصادفه في كثير من الأحيان، فليس كل من أتقن لغة أجنبية أخرى أصبح مترجماً، بالإضافة إلى التحلي بالصبر، لأن ترجمة ومراجعة نص أو كتاب أو فيلم يتطلب وقتاً كبيراً وجهداً مضاعفاً.

جهود عشوائية

وحسب "كاتبة" لا تزال الترجمة في الغالب ترتكز على الجهود الفردية المبعثرة والعشوائية ولا تقوم اختياراتها على دراسات تعطى لدور النشر كإحصائيات ونسب احتياج المكتبة العربية لكتب الأطفال على اختلاف أنواعها، لا يوجد مخطط توجيهي أيضاً، الأمر الذي يؤدي إلى ترجمة العمل الواحد أكثر من مرة.

وحركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى في مجال كتب الأطفال تكاد تكون شبه معدومة للأسف، ولهذا السبب يُحرَم كتاب وشعراء أدب الأطفال العرب من فرصتهم في انتشار أعمالهم في أنحاء العالم.

والحل يكون كما ترى "كاتبة" بتخصيص كليات الترجمة مواد عن أصول ومعايير ترجمة كتب الأطفال لتدريب المترجمين وتأهيلهم في هذا المجال.

وتوضح "كاتبة" التي تملك عدة كتب وقصص ومقالات في إصدارات ومجلات الهيئة العامة السورية للكتاب بأنها تحرص على انتقاء الأعمال الممتعة التي تشبع فضول الأطفال الفكري وتقدم إجابات عن أسئلتهم، وتزودهم بالقيم الثقافية مع مواءمة الاجتماعية منها، كما تسعى لتقديم المحتوى بدقة، وانسيابية، وأمانة، مع إضفاء الطابع الإبداعي الأدبي، فالمسؤول الأول عن نجاح عملية الترجمة للطفل هو الأسلوب المحبب والقريب إلى عقله بالإضافة إلى آلية سرد جذابة تشد القارئ الصغير وتحثه على مواصلة القراءة وتحقيق المتعة والتسلية.

في رحاب الخطة

في كتيب الخطة التنفيذية للعام 2021 الذي اطلعت مدوّنة وطن على نسخة منه، نجد ضمن مراجعة عامة للخطة التنفيذية عام 2020 بأن هناك صعوبات حالت دون تنفيذها بالكامل ومنها صعوبة تأمين جميع الكتب الورقية التي تم اختيارها في الخطة بسبب العقوبات المفروضة، ونقص الموارد البشرية وندرتها في بعض اللغات، بالإضافة إلى جائحة كورونا وانعكاساتها على آلية العمل وطرقه حيث أصدرت الهيئة 30 عنواناً من الأعمال المدرجة ضمن خطة عام 2020.

يذكر أن اللقاءات تمت بتاريخ 25 أيلول 2021.