منذ حوالي 59 عاماً تأسّست مجلة "المعرفة" الثقافية المتنوّعة الصادرة عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية لتتميز وتضيف مذاقاً خاصاً في عالم الصحافة المقروءة وذلك منذ صدور عددها الأول في شهر آذار من 1962.

وصفٌ مختصر

يقول الكاتب "ناظم مهنا" رئيس تحرير المجلة لمدوّنة وطن: «مجلة المعرفة أقدم مجلة عربية في استمرار صدورها دون توقف، يتراوح عدد صفحاتها بين 280 و 340 صفحةً وهي بحجم كتاب من القطع الكبير، المجلة غير ملونة، فقط الغلاف الخارجي والداخلي، ومنذ تأسيسها تكوّنت من الأبواب الثابتة التالية: قسم الدراسات والبحوث، يليه قسم النصوص الإبداعية من شعر وسرد، ثم آفاق المعرفة من قضايا ومواضيع ثقافية ومعرفية من شتى أصناف الثقافة والمعرفة الأدبية والتاريخية والعلمية، وقراءات في كتب ثم المتابعات والأخبار الثقافية الجديدة».

استطاعت المجلة أن تفتح أفق القراءة لدي نحو موضوعات لم أكن معتاداً القراءة فيها، كما أنني تعرفتُ بواسطتها إلى عدد كبير من الكتاب السوريين والعرب، إضافة إلى منحي القدرة على متابعة مناخات سردية غير مألوفة لروائيين من مختلف أصقاع العالم

ويتابع: «أضفنا في كل عدد كتاباً داخلياً ،هو عادة قصة طويلة أو رواية قصيرة عالمية نختارها وفق معايير الأدب الرفيع، يراعى في الاختيار التشويق والأسلوب الفني أو بمعنى آخر يراعى القارئ العام، وهي بتنوعها تقيم فيها المواد التي تعد للنشر، والمجلة غير محكمة وغير تخصصية، وفيها أحياناً محاور وملفات راهنة».

رئيس تحريرها الكاتب ناظم مهنا

تفاعل وحيوية

الشاعر قحطان بيرقدار

منذ تأسيس المجلة -والقول لمهنا- تعاقب على إدارتها قامات فكرية معروفة نذكر منهم الأديب "فؤاد الشايب" و"صفوان القدسي" والدكتور "محي الدين صبحي"، والشاعر "محمد عمران" و"عبد الكريم ناصيف" وغيرهم من الشخصيات الثقافية المرموقة، وكتب في المجلة عبر تاريخها الطويل بحسب "مهنا" أهم الكتاب السوريين وغير السوريين، ونشر فيها كبار المفكرين والمبدعين العرب، وتمّت أرشفة وتوثيق الأعداد إلكترونياً على قرص جرى توزيعه مجاناً مع المجلة التي تستمر في الإصدار الورقي والإلكتروني لكل عدد، كما يمكن للمهتمين متابعتها على موقع الهيئة "العامة السورية للكتاب" وعلى موقع الوزارة أيضاً.

وفيما يتعلق بموضوعاتها يتابع قائلاً: «تعنى المجلة بالقراء عموماً بكل مستوياتهم الثقافية والعمرية من خلال تنوع محتواها، أما عن أهم المواضيع التي تنشر فهي كثيرة ولا يمكن حصرها ويمكننا أن نشير إلى المحاور التي أثرناها في المجلة في العامين الماضيين وبعضها عن "الإرهاب والميديا الجديدة" وآخر محور صدر في كانون الأول للعام المنصرم عن "الثقافة والأدب في المغرب العربي"، إضافةً إلى إصدار عدد خاص تجاوباً مع الاحتفال العالمي بذكرى العالم "ابن النفيس" برعاية "اليونيسكو" ووزارة الثقافة».

«حافظت على الأبواب الثابتة المتعارف عليها كإرث ثقافي مع التوسع بهذه الأبواب، كما تمت إضافة أبواب جديدة غير ثابتة مثل: مادة "الرأي"، ومادة من "أرشيف الثقافة العربية" و"آفاق الكتابة"، ويوجد في المجلة هامش للكتّاب والمبدعين الشباب دون تمييز بينهم وبين الكتّاب الذين سبقوهم ويراعى دائماً مستوى المادة، والدعوة للنشر وفق شروط النشر مفتوحة للجميع، وهذه تقاليد رسّختها الوزارة والهيئة "العامة السورية للكتاب" وتقاليد وأعراف المجلة أيضاً، ولا نخفي نزوعنا إلى الراهن الثقافي، الأفق المفتوح والعقل الحديث، وهذا ما منح المجلة حيوية وتفاعلاً أكبر مع الكتاب والقراء».

كما تستعين المجلة بلوحات من الفن التشكيلي السوري في تصميم الغلاف كنوع من التحية للفنانين التشكيليين، والهدف من ذلك بصري بالدرجة الأولى لتجميل الشكل الخارجي أو البعد البصري الذي يمنحها جمالية ما، مع إدخال بعض التعديلات في إخراج الصفحات الداخلية للتناغم مع الروح الحديثة التي تبثّها المجلة.

وجبة ثقافية دسمة

من قراء ومتابعي المجلة تواصلنا مع الشاعر "عباس حيروقة" الذي يقول: «اهتمّتْ المجلة بالفكر وعملت على التأسيس لمنظومة فكرية منذ منتصف الثمانينيات بكل أعدادها وحاولت أن أُأرشف لها معظم الأعداد، كنت آنذاك في محافظة "حلب" لأكثر من عشرين عاماً وكانت تعدُّ الوجبة الثقافية الهامة الشهرية التي واظبت على اقتنائها مع مجلات أخرى، مضيفاً: إن المجلة من حيث المضمون متنوعة بين الفكر والنقد والأدب (شعر وقصة)، وتتأتى أهميتها أيضاً من رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على إدارتها وكانت لهم علامات فارقة في تصدير فكر وثقافة سورية خاصة وعريقة مثل الأديب "زكريا تامر"، "عادل العوا"، "عبد الكريم ناصيف"، كما تتناول الرؤى والنظريات الفكرية والنقدية، إضافةً إلى متابعات في آخر إصدارات يقوم بها عدد من الكتاب، هي مجلة شاملة منوّعة تحظى باهتمام العديد من الكتاب والأدباء، كنت أحلم أن أنشر فيها إلى أن تبلورت تجربتي لدرجة ما، عملت على مراسلتها وبدأت أنشر فيها بعض الدراسات الفكرية والنقدية إضافة إلى الشعر».

ويتابع: «من يتصفح الأعداد القديمة للمجلة ويقارنها مع ما ينشر اليوم يرى أنها كانت في السبعينيات والثمانينيات أكثر نضوجاً من التسعينيات وما بعدها، الأسماء النقدية التي عملت على النشر فيها تشكّل علامات فارقة في المشهد الثقافي السوري والعربي نستذكر منها "نعيم اليافي"، "عبد النبي صطيف"، "عمر الدقاق"، "سعد الدين كليب"، باختصار هي من الدوريات الهامة التي تحظى باهتمام الكتاب والنقاد والناشئة من رواد العلم والدراسات العليا لأنها تعنى بالفكر والتاريخ العربي والثقافي».

خيرة الكتاب

بدوره "قحطان بيرقدار" مدير منشورات الطفل في الهيئة "العامة السورية للكتاب" ورئيس تحرير مجلة "أسامة" شاعر سوري وعضو في اتحاد "الكتاب العرب" يحدثنا عن تجربته معها قائلاً: «أتابع مجلة "المعرفة" منذ بداية مشواري الأدبي، وكنت أقتني أعدادها باستمرار، وهي تترك أثراً مهماً في قارئها كونها تتضمن أبواباً ثقافية ومعرفية وفكرية وأدبية عديدة ومميزة، إضافة إلى الدراسات والبحوث المنوعة والنصوص الأدبية التي تُنشر فيها.

منذ نحو عشر سنوات، نشرت مجلة المعرفة ملفاً عن شعر الشباب السوري في العدد 575 في شهر آب عام 2011، ضم قصائد لعدد من الشعراء الشباب السوريين، وشرّفني أن كان لي في هذا الملف قصيدتان هما: "كلام الصمت"، "وجه لأنثى من زمان الوصل"، وفي السنوات الأخيرة نشرتُ فيها بعض المقالات التي تتعلق بالطفل وأدبه وثقافته منها: "بين ثقافة الطفل وطفل الثقافة"، الأطفال والشعر: إشارات لا بدّ منها -القصة الموجهة إلى الطفل: إشارات لا بدّ منها"».

ويتابع: «إن ما ميّزها عبر تاريخها الطويل، هو أنه نشرَ فيها خيرة الكُتّاب والأدباء والمفكرين والمثقفين السوريين والعرب من مختلف الأجيال، وهي مُتابَعة سورياً وعربياً منذ بدايات صدورها، ولا تزال، فهي تقدّم موادّ غنية وجديدة ومتنوعة تهمُّ كل مثقف سوري وعربي، وحالياً يرأس تحريرها منذ سنوات الأديب "ناظم مهنا" الذي يبذل جهوداً مميزة هو وفريق التحرير في سبيل تطويرها والمحافظة على مكانتها العريقة».

شكلاً ومضموناً

د. "طارق المقبل" الذي يعمل مدققاً لغوياً، وأميناً للتحرير في المجلة منذ عام 2017 يقول: «تابعت المجلة بصورة غير منتظمة منذ أكثر من عشر سنوات وكان رئيس تحريرها آنذاك د. "علي القيم" وبدأت بمتابعتها بصورة شهرية منتظمة منذ عام 2016 إلى اليوم، وتشرفت بأن أكون جزءاً من طاقمها، تطورت المجلة تطوراً كبيراً منذ الستينيات، عمرها الآن 59 عاماً، وهو عمر مديد في عالم المجلات، ولا سيما أنها لم تنقطع عن الصدور منذ عددها الأول، ولهذا استطاعت أن تواكب تطور الحركتَين الاجتماعية والثقافية في "سورية" وفي الفضائين العربي والعالمي، وقد شمل تطورها الشكل والمضمون».

ويتابع: «من حيث المضامين أصبحت المجلة أكثر انفتاحاً وعناية بالمستجدات المعرفية، في مجالات العلوم كلها، ومنها: النقدية، الأدبية، النفسية، الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى رفع مستوى شروط الاختيار لكل مادة من مواد المجلة، فمع تطور المعارف وسهولة الوصول إليها، تصبح الأولوية بالتأكيد للمواد التي تقدم قيمة مضافة إلى الفضاء المعرفي الذي تبحث فيه، وهذا الأمر سهَّل عملية فرز المواد والموضوعات وأفسح المجال لإضافة أقسام جديدة، مثل الأقسام المتعلقة بالمتابعات الثقافية والإصدارات الجديدة، أو إرفاق كتيب، أو قصة، أو رواية بكل عدد من أعدادها.

ومن حيث الشكل أصبحت أكثر عناية بتحسين النسق العام لشكل الغلاف، وشكل الخطوط المستعملة فيها وحجمها، والحرص على إرفاقها بالصور التوضيحية اللازمة، والرسوم التعبيرية لإكساب النصوص القيمة المضافة من فن الرسم إلى جانب ما تمتلكه من جماليات فن الكلمة».

تجمع مجلة المعرفة بحسب د. "المقبل" بين مزيَّتَي الأصالة والحداثة، لذا فوجودها في حدّ ذاته يضيف مذاقه الخاص إلى عالم الصحافة المقروءة، فهي توازن بين رصانة المضمون من جهة، وانفتاحه من جهة أخرى، دون إفراط أو تفريط، ولذلك فإن كثيراً من النخب الثقافية العربية والسورية ترسل إليها نتاجاتها سواء على مستوى الدراسات والأبحاث والقراءات، أم على مستوى الإبداع الأدبي في الشعر والقصة، ما يجعلها جديرة بالمتابعة من القرّاء على اختلاف اهتماماتهم، ومن المختصين على اختلاف اختصاصاتهم.

وفيما يتعلق بالإضافة التي حققتها له يقول: «استطاعت المجلة أن تفتح أفق القراءة لدي نحو موضوعات لم أكن معتاداً القراءة فيها، كما أنني تعرفتُ بواسطتها إلى عدد كبير من الكتاب السوريين والعرب، إضافة إلى منحي القدرة على متابعة مناخات سردية غير مألوفة لروائيين من مختلف أصقاع العالم».