أكثر من مئة عام مرت على دخول الكهرباء إلى المؤسسات والمنازل في "دمشق" التي بدأ تأسيس أول مشروع لتدشين الكهرباء "الترامواي" فيها زمن العثمانيين، لتتواصل بعدها مسيرة إنارة المباني والمؤسسات في المدينة من أكبرها إلى أصغرها مع ضم آلاف مؤلفة من المنازل، واليوم لا تزال كهرباء "دمشق" تمارس دورها بالرغم من مرور عشر سنوات من الحرب التي تركت آثارها السلبية على واقع الشبكة الكهربائية بعدما أصاب الضرر أغلب المشاريع والمنشآت الكهربائية التي تكبدت خسائر باهظة.

أيام زمان

قبل استخدام الكاز والكهرباء وإنشاء البلديات في شتى أحياء "دمشق" وأزقتها، كانت الأضواء عبارة عن قناديل منارة بشكل خافت في الحارات وكانت المصابيح مصنوعة من المشمع والنحاس تضاء في الليل، ليأتي بعدها سراج الفخار الذي يملَأُ زيتاً، ثم استخدم الناس فيما بعد زيت الكاز للإنارة في المنازل والشوارع، وبحسب المؤرخ والخطاط والشاعر "أحمد المفتي" في حديثه لمدوّنة وطن فإنه في مطلع القرن العشرين أحرزت "دمشق" تقدماً في وسائل التنوير كان لا بدّ منه وكان عامود المرجة وبرأسه جامع "يلدز" تمتد عليه أسلاك الكهرباء والبرق والهاتف، وكان جامع بني أمية الكبير أول الأماكن التي تمت إنارتها بالكهرباء في المدينة، مضيفاً إنّ أغنياء دمشق تمكنوا في البداية من إيصال الكهرباء إلى منازلهم، وفي عام 1889 تمّ الاتفاق بين وزارة الأشغال العثمانية والشركة البلجيكية لإحداث أهم وأول المشاريع التي مهدت لدخول الكهرباء وهو حوافل "الترامواي" لكن لم ير النور إلا في عام 1905.

في كل الاتجاهات

ويضيف المؤرخ "المفتي" أنه أنيرت البلديات والشوارع والسرايا والمخافر والدوائر الرسمية والمستشفيات ثم مدت للبيوت برأس مال الشركة البلجيكية البالغ ستة ملايين فرنك، ثم مدت خطوط الترام وأسلاك كهرباء ضمن عدة اتجاهات الخط الأول بدأ من ساحة المرجة إلى منتهى محلة الميدان كخط مزدوج، أما الثاني كان أيضاً من الساحة نفسها إلى حي المهاجرين بالصالحية مزدوج حتى الجسر الأبيض والباقي منه حتى المهاجرين خط منفرد، أما الثالث بدأ من الجسر الأبيض فالصالحية وينتهي عند جامع محيي الدين أيضاً مزدوج، وكان عرض الخطوط حينها متراً وخمسة سنتمترات، وبالفعل انتهت الشركة من مد الخطوط في شباط عام 1907 وبدأت تسير الحوافل على الخطوط الممدودة وأنيرت المدينة بشهر نيسان من السنة نفسها (1).

قرن على الكهرباء

انتظام الشبكة

أنوار دمشق

وتابع "المفتي": بفضل نهر بردى ظلت "دمشق" تنار بمصابيح الكهرباء بعدها جاءت الحرب وقطعت المواصلات بين الغرب والشرق وأصبحت أكثر المدن العثمانية آنذاك مظلمة، ومع انتهاء مجموعة الامتيازات الشاملة الضرائب والرسوم وغيرها من الامتيازات، بات يحق للدولة شراء الامتياز واستلام جميع ما أنشأته الشركة اعتباراً من عام 1965 وعليه أصبح للشركة الحق بإنشاء معامل مولدة للكهرباء واستثمار ما أنشئ على نهر بردى وتوزيع القوة المستحصلة توزيعاً عاماً ولجميع الأعمال وبتقديم القوة الكهربائية كقوة محركة لوسائط النقل العامة في كل وجه من وسط مدينة "دمشق" وتحسين النور العام وتغيير درجة التوتر في بعض أحيائها لتوزيع الكهرباء بصور منتظمة (2).

مكانة دمشق

بدوره يقول "محمد منصور"، المهتم والقارئ لتاريخ "سورية" الحديث والمعاصر، إنه وبسبب المكانة الدينية والتاريخية والتجارية لدمشق بالنسبة للعثمانيين تم تدشين ثلاثة مشاريع ضخمة مطلع القرن العشرين في بلاد الشام على العموم وفي دمشق على وجه الخصوص، وهي افتتاح الخط الحديدي الحجازي الذي يربط اسطنبول مع "مكة المكرمة"، ودخول الكهرباء لأول مرة في أرجاء "دمشق"، وإنشاء خطوط وتشغيل حوافل الترام، والتي وصلت عام 1908 للغوطة الشرقية، وكان توليد الكهرباء يتم عن طريق الفحم والبخار ثم انتقل للفيول أيام الانتداب الفرنسي، لافتاً إلى أن الأمير سعيد الجزائري أطلق عام 1918 حملةً وطنيةً لمقاطعة شركة كهرباء "دمشق البلجيكية" عندما رفعت تعرفة ركوب الترام، ليشتعل الغضب في نفوس الدمشقيين وخصوصاً الشباب منهم والنقابات الذين قاطعوا الشركة بشكل نهائي مع رفضهم دفع التعرفة وعودتهم لاستخدام مصابيح الكاز مجدداً ضمن عصيان مدني ممنهج ضد حكومة الانتداب الفرنسي، واستمر الإضراب طوال صيف 1931 ونجح في إجبار الشركة على التراجع وخفض تعرفة الكهرباء والركوب في الترامواي بقرش سوري واحد من جديد (3).

قصة غليوم

"مأمون زرلي" مختص بالشؤون السياحية في "دمشق" القديمة تحديداً يرى أن قصة دخول الكهرباء إلى "دمشق" بدأت بمجيء "غليوم" الثاني إمبراطور "ألمانيا" إليها عام 1898 عندما لاحظ أن الشام تنار بالشموع ليلاً، لتدور بعدها مناقشات لضرورة جر الكهرباء للمدينة وأهمية ذلك بعملية ربط الأحياء بالكهرباء مع بعضها البعض، وهو ما أثمر عن تقديم أفضل المناقصات عند اختيار الشركة البلجيكية التي صمم مهندسوها على إنشاء مواقع للكهرباء بدءاً من التكية ونهر بردى وبتركيب مولدتين 120 فولت كانتا كافيتين وقتها لتزويد الجامع "الأموي" وبعض المنازل بالكهرباد عام 1906، أما "الترامواي" حسب "زرلي" ظهر للعيان بعد سنوات قليلة واختارت شركة الكهرباء مبنى مقابل سينما الكندي حالياً ومقهى الهافانا كإدارة رئيسية لكهرباء المنطقة الجنوبية، أما الخدمة فتم اختيار مركز لصيانة حوافل الترام في القابون وبعد "دمشق" تم تنوير مدينة "حلب" وإنشاء خطوط الترامواي فيها.

المصادر:

_كتاب خطط الشام للعلامة محمد كرد علي (1)،(2)

_كتاب تاريخ دمشق المنسي للدكتور سامي مروان المبيض (3)