حوَّل شغفه بالمطالعة والقراءة إلى نضالٍ دراسيٍّ، فكريٍّ وعقائديٍّ، حتى ترجمه في العمل النضالي وفي شتى ميادين الفكر والأدب وفي التعليم والصحافة، والتخصص بعد ذلك في النقد والبحث الأدبي والفكري والفلسفي، معتمداً ومنطلقاً من مخزونٍ ثقافيٍ كبير.

إرهاصات الفكر

وُلد "عطية مسُّوح" عام 1945 في رحاب بلدة "حبنمرة" الواقعة في ريف محافظة "حمص" الشمالي الغربي، وفيها درس المرحلة الابتدائية، ليكمل الإعدادية في بلدة "مرمريتا" المجاورة لبلدته، وبحكم عمل والده في مدينة "بانياس" الساحلية، فقد كانت دراسة المرحلة الثانوية فيها، لينتقل بعدها إلى المرحلة الأهم في حياته -حسب قَوله- ألا وهي الدراسة في جامعة "دمشق" حيث ترجم حبِّه للغة العربية وأدابها من خلال الانكباب على المطالعة مذ كان طالباً في المرحلة الإعدادية، فاتجه صوب المنحى الأدبي فيها، وبعد ذلك بدأ الاهتمام بالمنحى الفكري، حتى وصلت قراءاته إلى ما يزيد على مئتي كتاب من مختلف أجناس الأدب، من شعرٍ وروايةٍ ومجموعات قصصية، ليس ذلك فحسب، فقد درس "علم الاجتماع"، فيما كان يطلق عليه آنذاك "المعهد العالي للخدمة الاجتماعية"، وفي سنة 1969 كان تخرُّجه من الكليتين، لينطلق بعدها إلى مرحلة جديدة، من مسيرة حياته العملية.

هذا التأثر والأوضاع السياسية التي كانت سائدة في ذلك الحين، دفعاني للتطوع في العمل النضالي مباشرة بعد تخرجي من الجامعة، فقد انتسبت إلى "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وقد كانت محطة هامة في حياتي، لألتحق بعدها بالخدمة الإلزامية سنة 1970 وتكون المحطة الهامة الثانية من خلال مشاركتي في "حرب تشرين التحريرية" التي جرت كما هو معلوم في عام 1973

المفكر والمناضل

تأثَّر "عطية مسُّوح" بامتدادات الفكر اليساري منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ما دفعه للانتساب إلى صفوف "الحزب الشيوعي السوري" أواخر عام 1961، وما زال عضواً فيه حتى الآن، ويضيف: «هذا التأثر والأوضاع السياسية التي كانت سائدة في ذلك الحين، دفعاني للتطوع في العمل النضالي مباشرة بعد تخرجي من الجامعة، فقد انتسبت إلى "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وقد كانت محطة هامة في حياتي، لألتحق بعدها بالخدمة الإلزامية سنة 1970 وتكون المحطة الهامة الثانية من خلال مشاركتي في "حرب تشرين التحريرية" التي جرت كما هو معلوم في عام 1973».

حياته العملية..

يتابع ضيف مدوّنة وطن "eSyria" حديثه عن مرحلة العمل اللاحقة فيقول: «عملت في مهنة التدريس أولاً في بعض ثانويات مدينة "حمص" ومعاهدها، إلى جانب ذلك التحقت بمهنة الصحافة التي كانت ترجمةً لشغفي بالكتابة وخاصة للقصائد والقصص القصيرة، وظهر ذلك خلال دراستي الثانوية-، ثم أخذ ذلك الشغف منحىً آخر بعد التخرج من الجامعة صوب كتابة المقالات والدراسات النقدية والفكرية المستمرة حتى يومنا هذا، تطوَّر عملي الصحفي من مرحلة الكتابة والنشر، إلى مرحلة العمل المهني الإداري، ففي عام 1987 أصبحت عضواً في هيئة تحرير مجلة "دراسات اشتراكية" ورئيساً لتحريرها بعد ذلك بخمسة أعوامٍ وحتى سنة 2001، تعمَّقت خبرتي وزادت لاحقاً من خلال العمل في جريدة "النور" كأحد أعضاء هيئة تحريرها».

مخزون أدبي وفكري

يحافظ "عطية مسُّوح" على عادة المطالعة التي لازمته منذ فترة صباه وشبابه حتى يومنا هذا، حيث يقضي 3 ساعات في اليوم لأجل ذلك، كما جاء على لسانه حيث يقول: «هذا الأمر جعل مصادر ثقافتي متنوعة الأجناس والاتجاهات، من الكتب الأدبية والفكرية والفلسفية والاجتماعية، شاملةً نتاجات التيارات المختلفة، بدءاً من كتب النهضويين العرب من التيار الحداثي الليبرالي، والتيار القومي بشقيه (القومي العربي- القومي الاجتماعي) مروراً بكتب الماركسيين العرب، إضافة لمؤلفات كثير من الفلاسفة والمفكرين الغربيين من غير الماركسيين حتى، لكن يبقى الشعر العربي هو أحبُّ صنوف الأدب بالنسبة لي، لذا، ما زلت مواظباً على قراءته بشكلٍ يومي، وقد سخرت هذا المخزون الثقافي والأدبي في عملي التعليمي والصحفي وفي كمِّ المؤلفات التي أنتجتها في مسيرة حياتي، إضافةً إلى أنَّه جعلني بعيداً عن حالة الجمود وأحادية الرؤية في كثير من القضايا، خاصةً الفكرية والسياسية منها».

مؤلفاته

كان نشاط "عطية مسُّوح" -وما يزال- حاضراً في مختلف الأنشطة التي شهدتها المراكز الثقافية، ومختلف النشاطات الأخرى التي يقيمها "اتحاد الكتَّاب العرب"، حتى فاق عدد المحاضرات التي ألقاها في تلك الأنشطة المتنوعة الـ300 محاضرة، وكان له حضور ومشاركة في عدد من الندوات الفكرية في دولٍ عربية عدَّة، قدَّم خلالها أبحاثاً خاصةً به.

وبالحديث عن مؤلفاته يكمل "عطية مسُّوح" كلامه قائلاً: «من أهمها –بالنسبة لي– الذي أثار جدلاً في الأوساط الأدبية والثقافية مؤلَّف "من فلسفة للتغيير، إلى فلسفةٍ للتبرير" حيث صدرت عدَّة كُتبٍ للردِّ على ما جاء فيه، إضافةً لأكثر من 20 مقالةً نشرت في "سورية" وخارجها، أيضاً هناك مؤلَّفي الذي يحمل عنوان "أخطاء لغوية ومعرفية في كتب تدريس اللغة العربية" وكتاب "التيار الليبرالي في فكر النهضة العربية"، أمَّا في مجال الفكر السياسي فقد وضعتُ كتباً عديدة هامة منها مثلاً: "الماركسية وأسئلة العصر" و"تجدد ماركس"، إلى جانب ذلك هناك مؤلفات تناولت بعض القضايا الفكرية والثقافية مثل كتابي "مقاربات في الفكر والثقافة" وكتابٌ آخر بعنوان "المشروع النهضوي لخالد محمد خالد" وهو الشخصية الفكرية النهضوية التي لم تأخذ حقَّها الوافي بالكتابة عنها من قبل أيِّ أحد سابقاً، وإن تحدثنا عن مجال النقد الأدبي كان لي كتابان هما "منارات شعرية" و"إيليا أبو ماضي.. الروح الفلسفية في شعره"، ومعظم نتاجاتي كانت من إصدار "دار الينابيع" في مدينة "دمشق" وبعضها من إصدارات "دار نون" في مدينة "حلب"، وكتابٌ واحدٌ صدر عن "الهيئة العامة السورية للكتاب"».

الشاعر والأديب

يقول المهندس والشاعر "محمود نقشو" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria": «ترجع معرفتي به إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان العالم يشهد كثيراً من التحولات الكبرى، خاصة مع تفكك "الاتحاد السوفيتي" السابق.. هنا، تكمن أهمية هذا الباحث باستشرافه لما حدث، وتنظيره الفكري والسياسي لتلك الفكرة الخطيرة، بما امتلك من صفاء الرؤية، وجرأة المعالجة، ووضع الحلول، بعد تفرغِّه من عمله التعليمي والصحفي خرج إلى الجمهور باحثاً حصيفاً، ممتلكاً لأدوات البحث والدراسة، من خلال عمق الرؤيا التي يمتلكها، فرأيناه ناقداً، ودارساً، ومحللاً سياسياً من الصفِّ الأول بين كبار الكتَّاب والباحثين العرب».

بدوره يقول الشاعر "حسن بعيتي" في شهادته عن صديقه "عطية مسُّوح": «ناقدٌ مثله جديرٌ بأن يقال عنه بأنَّه يزيد من جمال الشعر جمالاً، فهو لا يغتاله (كما يقول مجمود درويش) بل يحييه أو يزيده حياةً، ما يميزه المحافظة على العفوية في كتاباته النقدية، وهذا ما يزيدها جمالاً بعيداً عن الفلسفات المصطنعة واللغة المتكلفة التي تهدف إلى الاستعراض وإيهام القارئ بوجود قيمة مدَّعاة لا وجود لها عند العارفين، إنَّه يظلُّ بسيطاً رغم عمقه وعميقاً في بساطته، وهو بقدِّم في كتاباته الفكرية الفائدة الميسَّرة للقارئ، أراه شاعراً في نقده للشعر».

نذكر نهايةً بأنَّ "عطية مسُّوح" متزوج وله ولدان ابنٌ وابنة، وقد تم التواصل معه غبر خدمة "الماسنجر" كما سائر الضيوف، بسبب إقامتهم في مناطق مختلفة.