مهنة التطعيم بالصدف من الفنون العريقة التي اشتهرت بها مدينة "دمشق" وتعكس جوانب من تراثها العريق، والمعروف أن كل من يقصد "دمشق" لا بدّ أن يحمل معه تذكاراً لتحفة فنية مطعّمة بالصدف، لتظل الحرفة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين باقية وتتجدد، تتوارثها الأجيال من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد وإلى كل شغوف يحب هذا الفن.

الرغبة أولاً

ومن داخل ورشة لتطعيم الخشب بالصدف، في أحد البيوت الدمشقية القديمة، يتحدث الحرفي "نبيل دقاق" كيف يعمل الشباب جنباً إلى جنب مع شيوخ الكار، يتعلمون أصول الحرفة وفنونها، ويقول: «تعلم أي حرفة يتطلب الرغبة في التعلم أولاً وحبّ هذه الحرفة، وعدا عن ذلك لن تبدع فيها أو تصل إلى مرحلة الاحتراف، لذا فإن تعلم تطعيم الخشب بالصدف يُفضّل أن يبدأ بعمر صغير، لأنه من الحرف التي يصعب تعلمها في سن متأخرة، فهي تحتاج إلى صبر وتحمل ونفس طويل لتعطي القطعة حقها في كل مرحلة من مراحل العمل، ويجب أن يمتلك المتعلم ذوقاً فنياً رفيعاً واهتماماً بالرسم، لأن أساس الحرفة يعتمد على الفن والرسم، وبانعدام الحسّ الفني لا يمكن الاستمرار في تعلم الحرفة التي تعدُّ لوحة فنية متكاملة».

مرّت الحرفة بمراحل ازدهار وتراجع، ولكن التراجع يكون بانخفاض الطلب على نوع محدد من أنواع النقوش فلدينا النقش العربي والنقش الفاطمي والصدف العربي، والنقش المشجر، فتجد في فترة ما يزداد الطلب على نقش محدد دون غيره، وفي أوقات أخرى يتراجع ليزداد الطلب على نوع آخر، حاله يشابه موضة الملابس

مراحل العمل

تحتاج الحرفة إلى دقة وتركيز في العمل، فهي تمر بالعديد من المراحل التي يتحدث عنها "دقاق" بالقول: «يعدُّ خشب الجوز البلدي النوع المفضل لدى حرفيي المهنة، فهو أكثر جودة ومتانة وجمالية من خشب الزان الذي يحتاج إلى دهان وصبغ ليصبح لونه قريباً إلى لون الخشب الجوزي، فبعد أن يقوم النجار بتفصيل القطعة حسب الشكل المطلوب يبدأ بعدها عملنا في الرسم على الخشب وإلصاق النقشات، ونقش الخشب لإنزال القصدير الفضي اللون الذي حلّ محل الفضة بسبب غلاء ثمنه في الفراغات المنقوشة، لتأتي مرحلة حفر أماكن الصدف ويليها "التصديف" أي ملء الحفر بالصدف الذي قمنا بتعريضه للجلخ ليتناسب مع شكل النقش المرسوم، ومن ثم يبدأ التشطيب النهائي، وهو عبارة عن حفّ الخشب المطعّم ليصبح أملسَ وناعماً، ونقوم أخيراً بتلميعه لتصبح القطعة الفنية المطعمة بالخشب جاهزة».

أعمال حرفية تحاكي التراث

تحديثات

إبداع لا ينتهي

ورغم أن الحرفة تعود لمئات السنين إلا أن التحديثات التي طرأت عليها قليلة، وحسب "دقاق": «فإن التطوير الذي طرأ على الحرفة اقتصر على الآلات التي جعلت العمل أسهل، فأصبحت آلة الجلخ تقوم بتنعيم الصدف بدلاً من المبرد، وآلة الصاروخ تقوم بعملية حفّ الخشب لتنعيمه بدلاً من المبرد أيضاً، إلا أن بقية المراحل من الرسم والنحت والحفر وتنزيل القصدير ظل يدوياً، أما بالنسبة للمواد فبقي الخشب محافظاً على نوعه كونه يستطيع الحفاظ على متانته لفترة زمنية طويلة، إلا أنه تم الاستعاضة عن الفضة التي أصبحت باهظة الثمن بالقصدير الفضي اللون الذي رغم غلاء سعره يبقى أرخص من الفضة»، ويشير إلى قيام بعض المهندسين اللبنانيين بالدمج بين الغربي والشرقي كالزخرفة اليابانية والصينية وإطلاق اسم "الموديرن" عليها ما ساهم في استمرارية الحرفة دون الابتعاد عن الطابع الشامي الخاص بها.

مشاكل وتحديات

وكما في كل حرفة، تمرُّ بمراحل نمو وازدهار ومراحل قلّة في الطلب، يتحدث الحرفي عن هذه المراحل بالقول: «مرّت الحرفة بمراحل ازدهار وتراجع، ولكن التراجع يكون بانخفاض الطلب على نوع محدد من أنواع النقوش فلدينا النقش العربي والنقش الفاطمي والصدف العربي، والنقش المشجر، فتجد في فترة ما يزداد الطلب على نقش محدد دون غيره، وفي أوقات أخرى يتراجع ليزداد الطلب على نوع آخر، حاله يشابه موضة الملابس».

تراث الشرق الجميل

أما عن أهم المشكلات التي تواجه الحرفة يرى "دقاق" أنها تتمثل في صعوبة تأمين المواد اللازمة للعمل، فهناك نوعين من الصدف، النهري الذي يتم إحضاره من "دير الزور" من ضفاف نهر "الفرات"، والصدف البحري الذي يتم استيراده من "الفلبين" من مزارع اللؤلؤ هناك، فالصدف الموجود على الشواطئ السورية هشّ وسريع الكسر وبالتالي لا يمكن الاستفادة منه في العمل، أما من ناحية التسويق ضمن البلاد يشير الحرفي إلى أن نسبة البيع المحلي لا تتعدى 1% بسبب غلاء ثمن القطع التي يتم تصنيعها، وانخفاض القدرة الشرائية لدى الناس، وبالتالي فإن تصدير الأعمال إلى خارج البلاد وخاصة دول الخليج هو مجال التسويق المفتوح لنا لتحقيق الإيرادات من العمل.