درس الفن التشكيلي وتخصص في فن النحت حيث اهتم بالتزيين الزخرفي، فكان له الكثير من الأعمال الفنية والنحتية؛
إنه الدكتور "محمد ميرة" أستاذ النحت في كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" في منزله بتاريخ 5 حزيران 2014، إذ تحدث لنا عن بداياته قائلاً: «ولدت في قرية "الصبورة" عام 1950 ضمن عائلة تحترف الزراعة؛ فكنت أتمم واجباتي ثم ألتفت للرسم بالألوان المائية، وكان والدي آنذاك هو المشجع الوحيد لي من كل من أعرفهم، في عام 1962 انتقلت للسكن في منطقة "قطنا" لأكمل دراستي الإعدادية، وهناك تلقيت التشجيع من مدرسي التربية الفنية وذهبت أولى لوحاتي إلى "دمشق" لتُعرض ضمن ملتقيات طلابية، كما دأبت على المشاركة في المعارض التي كانت تقيمها فعاليات "قطنا"، وفي المرحلة الثانوية انتقلت إلى "دمشق" لمتابعة دراستي الثانوية ما أتاح لي الاطلاع على الجو الفني السائد آنذاك، وما إن نلت الشهادة الثانوية في العام 1972 حتى انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة مدركاً أن خطوةً كهذه ستجلب لي مزيداً من الشقاء في مجتمعي، وأنها ستعدّ بمنزلة إعلان حرب بيني وبين بيئتي الاجتماعية البسيطة».
يمكن لمتابع تجارب الفنان "محمد ميرة" النحتية ودون عناء ملاحظة التطور التصاعدي والوحدة الفكرية والتقنية التي تجمع أعماله وترتقي بها لدرجة متقدمة؛ وخاصة استخدامه للمعادن (الحديد) في معظم هذه الأعمال، فقد تمكن الفنان من تطويع المواد الصلبة -المنفرة- وجعلها في تشكيلات رائعة ومميزة تضج بالجمال وبالحس الإنساني، والمدهش قدرته على خلق أعمال فنية محببة من مواد غير جميلة ومدى الجهد المبذول كما يبدو واضحاً نضوج رؤاه الفنية الذي تجلى في كل ما قدمه
في هذه المرحلة لم يكن "ميرة" يعلم عن النحت إلا القليل؛ فدرس الفن التشكيلي بشكله العام واستمر في الرسم إلى أن اختص في النحت مع دخوله سنة دراسته الثالثة في الكلية، يكمل بالقول: «درست النحت أكاديمياً مدة سنتين وتخرجت عام 1978 لأصبح معيداً في الكلية لمدة عام قبل أن أحصل على بعثة للدراسة في فرنسا عام 1980؛ لأحصد شهادة الدكتوراه من جامعة "أورليان" وشهادة تخصص في النحت من مدرسة "البوزار" للفنون، ومن المدرسة الزخرفية حصلت أيضاً على شهادة في التزيين الزخرفي، وأثناء وجودي هناك شاركت عام 1984 في معرض باريس الدولي باثني عشر عملاً نحتياً تنوعوا بين البوليستر والجبصين والمعدن، كما شاركت عام 1985 في معرض جماعي أقامه المركز الثقافي السوري في باريس قبل أن أعود إلى "دمشق" مدرساً في كلية الفنون، ومن بعدها رئيساً لقسم النحت بين عامي 1986-1990، فوكيلاً للكلية لشؤون الطلاب بين عامي 1990-1993».
وقد نذر الدكتور "ميرة" فنه لإغناء الجانب الجمالي في الشارع السوري؛ فكان له الكثير من الأعمال الفنية والنحتية التي يحدثنا عنها متابعاً: «إن هاجسي الفني يقودني إلى تبسيط المعنى الفني لدى المتلقي العادي وجعله يستشعر الجمال بأبهى صوره، فأنا بدأت طريق الفن من المدرسة "الواقعية"، ولم أنتقل إلى "التعبيرية" إلا مؤخراً، وعليه أحببت أن استثمر موهبتي في تجميل ببعض الساحات والمؤسسات ومداخل المدن فبدأت في "دمشق" بتزيين مجمع "8 آذار" في منطقة "الزبلطاني"، إضافة إلى مداخل بلدات "قطنا، داريا، التل، ومعربا" ومدخل مدرسة الشرطة في "القابون"، ومن ثم زيّنت ساحة "الشيخ ضاهر" في محافظة "اللاذقية" استعداداً لاستقبال دورة الألعاب المتوسطية وصولاً إلى "السويداء"، حيث أنجزت عدة تماثيل وكتابات وأعمالاً نحتية لمداخل المراكز الثقافية هناك، كما تمت دعوتي إلى إسبانيا للمشاركة في إعادة إحياء إحدى القرى عن طريق الفن؛ ففي إحدى القرى الإسبانية يوجد منجم للفضة ولم يبق أحد من أهالي القرية ليعمل على استخراجها لأن أهلها هجروها إلى المدن، فعمدت الحكومة إلى تجميل المنطقة تشجيعاً للسياحة وعودة الأهالي واستدعت نحاتين من مختلف أنحاء العالم، وكانت مشاركتي عبارة عن عمل نحتي على صخرة تزن 20 طناً نقشت عليه يدوياً أبرز معالم الحضارة الإسبانية، وتلقيت جائزة عليه».
وقد دأب الدكتور "ميرة" على قول الجمال بألفاظ واضحة مبتعداً عن بث المشاعر السلبية في قلب المتلقي فكانت له رؤية فنية خاصة؛ أوجزها مختتماً: «كانت ميولي بدايةً نحو المدرسة الواقعية البسيطة لأنتقل بعد عودتي من فرنسا إلى المدرستين التعبيرية والتجريدية في آن معاً، ورغم اطلاعي على السوريالية وتعمقي في مضامينها إلا أنها لم تستهوني لأغوص فيها فالحزن والتشاؤم يعتبران عنوانين واضحين لهذه المدرسة؛ وأنا بطبعي متفائل وأرى نصف الكأس المملوء سواء في حياتي أو أعمالي الفنية، وقد انعكس ذلك على مجمل أعمالي سواء اللوحات الفنية أو الأعمال النحتية والتي أميل إليها بشكل أكبر، وخصوصاً نحت المعدن لكونه مطواعاً في العمل ويحمل الكثير من المعاني عدا كونه قابلاً للإصلاح في حال الكسر أو سوء الصنع بخلاف النحت على الرخام أو الخشب».
وللوقوف على آراء زملائه التقينا الفنان التشكيلي "طلال العبدالله" الذي قال: « يمكن لمتابع تجارب الفنان "محمد ميرة" النحتية ودون عناء ملاحظة التطور التصاعدي والوحدة الفكرية والتقنية التي تجمع أعماله وترتقي بها لدرجة متقدمة؛ وخاصة استخدامه للمعادن (الحديد) في معظم هذه الأعمال، فقد تمكن الفنان من تطويع المواد الصلبة -المنفرة- وجعلها في تشكيلات رائعة ومميزة تضج بالجمال وبالحس الإنساني، والمدهش قدرته على خلق أعمال فنية محببة من مواد غير جميلة ومدى الجهد المبذول كما يبدو واضحاً نضوج رؤاه الفنية الذي تجلى في كل ما قدمه».
ومن طلابه الذين غدوا اليوم أصحاب بصمة في الحياة التشكيلية السورية كان لنا لقاء مع الفنان النحات "وجيه قضماني" الذي لم يستطع إخفاء شاعريته في حديثه عن أستاذه، يقول: «أعمال الفنان "محمد ميرة" روح هائمة فوق تشظي المعدن، بعد عودته من باريس أكد الدكتور "ميرة" على بصمة الروح الإنسانية بعمله الدؤوب والشاق لتطويع المعدن وأنسنته وعجنه بمشاعره وأحاسيسه من خلال تنفيذه لأعمال ما برحت تنهض بقساوة معدن مصوغ برقة فنان شاعر لتشق طراوة الفراغ، وقد كنت أحد طلابه في أروقة النحت بكلية الفنون الجميلة، أتابعه وزملائي وهو يجمع صفائح المعدن وبعض الشرائح والقضبان ليربطها بشرارة كهربائية فيبث فيها الروح ليجعلها منحوتة جميلة أوعملاً يتشكل بقساوة صراخ يعانق صمت الفراغ.
هو يبحث عن قيم تشكيلية نحتية جديدة مطوراً عمله ليعبر بالشكل اللائق عن رؤاه ومشاعره وأحلامه، ويدل على ذلك معرضه الأخير الذي أقيم في كلية الفنون الجميلة في تشرين الثاني 2013، والذي ضم مجموعة حديثة من أعماله التي حملت أسماء مختلفة تعكس معالجته لمواضيع حياتية اجتماعية وأخرى أبدية، نفذها بمادة المعدن بأنواعه المختلفة لأشكال إنسانية أو حيوانية معالجة بطريقة محورة تعبيرية، وأخرى بواقعية تعبيرية تؤكد تشظي المشهد وقدرة الفنان على تطويع الفراغ نفسه وليس الكتلة فقط، مما يعزز جمالية العمل ووضوح البوح، هذا التشظي والتآكل الحاصل من معالجة مادة صلبة يعكس قساوة الحالة الشعورية للموضوع المعالج، ما يثير عاطفة المتلقي فيجعله يدرك أقصى درجات الإحساس الإنساني، ويبقى للفنان "محمد ميرة" الحضور المميز على الساحة التشكيلية السورية والعربية، وهو واحد من أهم الفنانين الذين استخدموا خامة المعدن الصعبة لقول مواضيعهم بطريقة تعبيرية ترقى إلى أرواحنا المبعثرة الهائمة الباحثة عن فراغ من سلام وسكينة».
يذكر أن، الدكتور "محمد ميرة" من مواليد قرية "الصبورة" الدمشقية، عام 1950.