تبرز أهمية الملح في وادي الفرات لكثرة المعتقدات والطقوس التي تدور حوله بحيث يكون عنصراً مهماً فيها وتتضح تلك الأهمية أيضاً بتنوع الأمثال الشعبية الفراتية حول الملح فقد جعلوا الملح رمزاً للعهد والتحالف والبركة والخصب وعبروا عن ذلك في عاداتهم وطقوسهم وأمثالهم .

وللتعرف أكثر على العادات والتقاليد المرتبطة بالملح في محافظة "دير الزور" التقت مدونة وطن "esyria" في 29 تشرين الثاني 2013 السيدة "ليندا الأسطة" من حي الصناعة والتي أشارت بالقول : « هناك الكثير من العادات والمعتقدات والطقوس التي تمارس في محافظة "دير الزور" ويكون الملح عنصرا أساسياً ومهماً فيها، وهي عادات وتقاليد متوارثة، فعندما كان يسافر والدي لمنطقة معينة كانت والدتي ترش وراءه الملح ليكون سفره مباركاً، وأنا لازلت أمارس هذه العادة مع زوجي وأولادي، كما أننا نحرص على عدم سقوط الملح على الأرض لأنه يعد ذلك تهاوناً بحق الملح هذه المادة المباركة التي يجب صونها واستعمالها في حاجة الإنسان، وإذا وقع شيء من الملح من أيدينا أو من آنية بادرنا إلى التقاطه وجمعه ».

هناك الكثير من العادات والمعتقدات والطقوس التي تمارس في محافظة "دير الزور" ويكون الملح عنصرا أساسياً ومهماً فيها، وهي عادات وتقاليد متوارثة، فعندما كان يسافر والدي لمنطقة معينة كانت والدتي ترش وراءه الملح ليكون سفره مباركاً، وأنا لازلت أمارس هذه العادة مع زوجي وأولادي، كما أننا نحرص على عدم سقوط الملح على الأرض لأنه يعد ذلك تهاوناً بحق الملح هذه المادة المباركة التي يجب صونها واستعمالها في حاجة الإنسان، وإذا وقع شيء من الملح من أيدينا أو من آنية بادرنا إلى التقاطه وجمعه

وتضيف «للحفاظ على أطفالنا وحمايتهم من عين الحسد نستخدم الملح أيضاً حيث نضع تحت وسادة الطفل ملحاً في صرار، وبعض الأمهات عندنا تعلق صراراً صغيراً يحتوي ملحاً وخاصة من الملح الذي وقعت عليه قراءة قصة المولد النبوي بشكل حجاب بثياب الطفل، ونعلمهم ونشعرهم بأهمية الملح فعند وقوع الصغير على الأرض نقول له "تكبى الملح قم القطه"، لذلك ينشأ الطفل في بيئة تقدس الملح أي تعرف قيمته الكبرى وهذه العبارة من شأنها أن تثير انتباه الولد وحرصه فيسرع بالنهوض ليلتقط هذا الشيء الثمين كما يلتقط الناس النقود الذهبية أو الفضية عندما ينثرها احدهم على العروس وفي المناسبات، وعندما يمرض الطفل بسبب أصابته بعين الحسود من رجل أو امرأة تبادر أم الطفل أو إحدى قريباته إلى ممارسة "الملحةط لإزالة أثر العين ويكون ذلك بأخذ كمية قليلة من الملح بيدها مع بضع حبات "حرمل" ويكون "الحرمل" في البيوت في نشرات معلقة على جدران البيت أعدت لهذه الغاية وتضعها في النار وتبخر الطفل بدخانها ».

اسماعيل العثمان

أما الأستاذ "إسماعيل العثمان" يقول: « لأهمية الملح في محافظة "دير الزور" تضعه المرأة الديرية في سائر الأطعمة حتى في "المحلبية" وهي من الحليب والسكر والنشا وفي الكليجة وهي من العجين والسمن والسكر وذلك للبركة، وعندما يزور شخص أصدقاءه أو أقاربه بعد غيبة طويلة عنهم يعلنون عن ابتهاجهم بزيارته بقولهم "تا نحط في النار والملح" وذلك إما لأن الملح نادر وثمين فيكون وضع قليل منه كتضحية أو لأن الملح مبارك وأن قدوم الزائر مبارك أو لأن وضع الملح في النار يجعله يفرقع وتصدر عنه أصوات تعلن للآخرين مجيء الزائر وتشهدهم على هذه الزيارة وابتهاجهم بها».

وعن أهمية الملح في وادي الفرات يحدثنا الباحث "كمال الجاسر" بالقول : « للملح حرمة كبيرة لدى سكان شط الفرات وواديه فهم يعظمونه جرياً على عادة العرب القدماء وغير العرب من الأقوام القديمة ويرون فيه بركة ونعمة كبرى جديرة بالشكر والتقدير، فقد كانت العرب في الجاهلية تعظم أمر الملح والنار والرماد ومن معاني الملح عندهم "الحرمة" و"الذمام" لأن الممالحة توجد ذماماً بين المتمالحين وفي الحديث إن الصادق يعطي ثلاث خصال " الملحة والمهابة والمحبة"، والملحة بضم الميم وهي من مُلُحَتِ الماشية إذا ظهر فيها السمن من الربيع حيث يتنوع نبات المرعى ويحتوي على الحمض الذي تفيد الماشية فائدة كبرى، ويقال "ملح الله فيه" فهو "مملوح" فيه أي مبارك له في عيشه وماله، إذا دعي عليه قيل " لا ملح الله فيه ولا بارك فيه" » .

الباحث كمال الجاسر

ويتابع «وبالنظر لمكانة الملح وأنه بركة كان العرب يتماسحون بالأكف ويتحالفون على النار ويتعاقدون على الملح وأخذ العهد المؤكد واليمين المغموس لتأكيد المحالفة، و الملح من الأشياء المقدسة لا تتم المعاهدات ولا تبرم إلا مع وجود الملح وإن يتمالح الأطراف أي أن يلعقوا جميعاً من الملح الموجود فقد ربط بينهم، ويظهر أن الملح يرمز إلى الدم وينوب منابه للملوحة الموجودة في الدم، ومن مظاهر تعظيمهم للملح في وادي الفرات كثرة الأمثال الشعبية الفراتية التي تتحدث عن الملح ومنها "باني بيته على ملح" ويقال "أساس بيت فلان ملح" ويضرب للعمل الذي لا يبني على أساس متين، ومثل أخر "فلان ملح وذاب" للشخص الذي يكون بين جماعة فيختفي فجأة ، "بينهم خبز وملح" يضرب للجماعة تربط أفرادها روابط من المودة، "حط على جرحك ملح"، "ما ينام من بعينه ملح"، "زاد فلان ما فيه ملح"، وغيرها الكثير من الأمثال التي لها مدلولاتها عن أهمية الملح في حياة أهل المنطقة».