من الطقوس الغنائية التي عرفها أبناء "الجولان" طقس "الدِّراس" (دَرْسِ سنابل القمح) الذي يأتي بعد عملية الحصاد، لما لحبة القمح من أهمية كبيرة في توفير الغذاء لهم، فعرفوا عبر الزمن المديد مجموعة من الأغاني رافقت كل عملية من عمليات "الدراس"، وشكلت بمجملها تلك الطقوس.
السيد "حسين العبد" من أبناء "الجولان" تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12/11/2013 عن بعض تلك الطقوس، فقال: «عندما كنا نجمع القمح بعد الحصاد على شكل بيادر ونقوم بفصل الحبوب عن السنابل بواسطة لوح "الدراس" أي "النورج" المصنوع من الخشب الذي تجره الخيول والبغال ومن ثم يذرى وينقى من القش بواسطة الغرابيل اليدوية، كانت تترافق هذه الأعمال بمجموعة من الأغاني والمواويل الشعبية والرقص مع العمل حتى لا نشعر بالملل والتعب، ومن أشهر أغاني موسم "الدراس" أغنية الشاب الذي يغني وهو يحض فرسه على السرعة في العمل لأنه ينتظر "الغلة" ليقدمها مهراً لعروسه:
حظي "الشاعوب" باحترام شديد عند الفلاح والمثل عنده "دق الشاعوب حمل قاعود" (دق: ضرب وأدخل الشاعوب في القش، والدقة هي المقدار الذي يحمله الشاعوب)، وقد تقلب الطرحة بواسطة "شاعوبين" إذ يتقابل اثنان وكل منهما يغرز شاعوبه في القش ليحصرا حزمة كبيرة من القش ويقلباها وتسمى هذه الحزمة "الدقة"، لذلك قالوا "دق الدقة حمل شقة" وهم يمتدحون الشباب في العمل بغنائهم: "ضرب الشايب ما هو ضرب / ضرب العزب يفتح درب".. ويرمون الطرحة (يقلبونها) وهم يغنون: "يا معلمتي يا أم إدريس / بعد علينا هالكديس يا معلمتي يا فرحــــــــــــه / بعد علينا هالطرحه
"غنيلي يا بيضة / يا عروق الحمّيضة
يا زبدة طريـــــــــة / نــــــــــوكلها نهيــــة
ونسف يا طبقنا / تانلــــــــــــحق رفقنا
رفــــــقنا صبحية / واردة على الميّـــــــة
مــــــــــــعاها شبين / من شباب حـــــــسين
واحد اســــمه سلامة / على خده علامة
والعلامـة الصندوق / والصندوق ما له مفتاح
والمــــفتاح عند الحداد / والحداد بده بيضة
والبيضة تحت الجاجة / والجاجة بدها قمحة
والقمحة تحت الداروس / والداروس بدّه عروس
والعروس عند أبوهــــــــــــا / وأبوها بدّه الناقــــــــــة...."
الأستاذ "عبد الله ذياب الحسن" الباحث في التراث الشعبي "الجولاني" تحدث بالقول: «عرف الإنسان الغناء قبل اكتشاف اللغة لأنه كان يعيش في نفسه ووجدانه فيصدر الغناء في جمل من الهمهمات الموسيقية، حيث إن الغناء والموسيقا يشحنان الجسم بالحيوية والنشاط إذ يذهبان عنه الملل ويخففان من الإرهاق والتعب، فعندما ينهي الفلاح نقل الحصاد إلى البيدر يحضر فرساً أو بقرة وحماراً لجر لوح "الدراس" المصنوع من الخشب الصلب والمثبتة على صفحته السفلية أحجار صغيرة خشنة ويبدأ العامل بـ"الدارس" وهو يغني:
"يا حمرا يا هليليبة / درّاسك غدا ذيبا
والله ما يغدي ويروح / إلا عالجبل مطروح
دور ... دان / يا حمرة يا خليلة
دور ... دان / يا حمرة يا خليلة
ادرس عالحمرا ولا تهكل هم
واعلفها كرسنه وشعير وشن
القرن يا بو ربيع / القرن حسو رفيع
يا حمرة يا لوّاحة / لونك لون التفاحة
يا حمرة لوحيلي لوح / أربعة ما جروا اللوح
واني جريتو وحدي / وحدي وحدي واني أحدي
المعلم روّح عالدار / يحمس قهوة على النار".
وهو يغني لفرسه التي توحي له بكل ما هو محبب إلى قلبه فركوب الفرس عز، وسيرها خيلاء، وصهيلها مناجاة، بل أكثر من ذلك:
"يا يمه ربّي مهيرتي / تكبر وأصير خيالها".
ويستمر بالحداء لساعات طويلة وهو يتغزل بفرسه.
"واشري لها سرج جديد / ريش النعام حزامها"
وأيضاً:
"يا ظريف الطول عالبيدر طلع / كسر من صدري سطعشر ضلع
وبالله يا كوبان وعني وانـــــقلع / تعال يابن العم تا نقضي مريدانا" (1)
إنه يحلم بلقاء الحبيبة المشغولة عنه بنقل الماء من العين وهو مشغول عنها بالعمل».
وتابع حديثه: «أذكر هذه المناظرة بين حبة القمح وحبة الذرة البيضاء الدخينة ومن المعروف أن "دراس" الذرة يتسبب بمتاعب للدابة والعامل فغبار الذرة يتسبب بداء الجرب للفرس والعطش الشديد، فكانوا يدرسون ويغنون للفرس التي تجر اللوح:
"حرفك يا حمرا حرفك / والعطش مرمر قلبك"
ولهذا نرى المفاضلة بين القمح والذرة على لسان المغني من الأمور الطريفة حيث يقول القمح:
"أني القمح يرمح رمح / أغذي الضيف من غير غماس"
فتقول الذرة:
"أني الذرة الذراية / وأم رماح العالية
يجرني بالقصبة / ويرميني عالمصطبة"
وكلما احتاج البيدر إلى تقليب القش استعملوا آلة "الشاعوب" (مجموعة من الأصابع المعدنية أو الخشبية ولها ساعد خشبي بطول الرجل)، وتسمى العملية "قلب الطرحة" (والطرحة: ما يفرش من القش على أرض البيدر لدرسه)».
وأضاف: «حظي "الشاعوب" باحترام شديد عند الفلاح والمثل عنده "دق الشاعوب حمل قاعود" (دق: ضرب وأدخل الشاعوب في القش، والدقة هي المقدار الذي يحمله الشاعوب)، وقد تقلب الطرحة بواسطة "شاعوبين" إذ يتقابل اثنان وكل منهما يغرز شاعوبه في القش ليحصرا حزمة كبيرة من القش ويقلباها وتسمى هذه الحزمة "الدقة"، لذلك قالوا "دق الدقة حمل شقة" وهم يمتدحون الشباب في العمل بغنائهم:
"ضرب الشايب ما هو ضرب / ضرب العزب يفتح درب"..
ويرمون الطرحة (يقلبونها) وهم يغنون:
"يا معلمتي يا أم إدريس / بعد علينا هالكديس
يا معلمتي يا فرحــــــــــــه / بعد علينا هالطرحه».
وفي ما يتعلق بالأمثال الشعبية لموسم "الدراس" في "الجولان" قال "الحسن": «بعد نقل القش من الحقل إلى البيدر تبدأ عملية "الدراس" بواسطة دابة أو دابتين لجر اللوح، ومن أمثال "الدراس":
"بعد الدراس ذري وعبي الكياس": دعوة إلى تذرية البيدر بعد "الدراس" وعدم الانتظار قبل نهاية الصيف أو سقوط الأمطار قبل أوانها لأن الأمطار تسقط أحياناً قبل نهاية الصيف.
"عالبيدر يا مديّن" (ديان): أي عادة ما يكون تسديد الديون من غلة البيدر وفي هذا إشارة إلى الدائن بأن ينتظر حتى نهاية البيدر.
"كل البيادر للتاجر": أي إن الفلاحين يعملون لتسديد ديونهم للتاجر من إنتاج بيادرهم.
"الدراس سفر مخفي": أي إن "الدراس" تمشي به الدابة على البيدر طوال النهار ومايزال مكانه وأنه يسافر في الخفاء.
"الدراس حبل الفرس وبطالب بالمهرة": أي إن "الدراس" دائماً يطالب بمزيد من الأجر ويضرب هذا المثل للشخص الذي لا يتقن عمله ويطالب بمزيد من الأجر.
"كثير عالدراس رغيفين خبز وكوز مي بعدين يشوف حاله حصان" أو "يفكر حاله حصان": أي لا يجوز إعطاء الشخص أكثر مما يستحق فيطمع».
(1) الكوبان: الراعي.
ملاحظة: الصورة الرئيسية من الإنترنت.