أداة زراعيّة عمرها تتجاوز عشرات السنين، واستعملت في الماضي البعيد لتذرية محاصيل الحبوب لتخليصها من التبن، ضمن طقوس وأجواء جميلة كان يرسمها الفلاح لينسى بها التعب وساعات النهار الطويلة التي كان يلازم فيها "المذراة".

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 25/10/2013 التقت أحد أقدم الفلاحين من ريف "الجوادية" التي تبتعد عن مدينة "القامشلي" مسافة 60 كم وهو الحاج "صالح الحاج محمود" فقال عن ممارسته لعمل "المذراة" لسنوات طويلة: «مارس أبناء الريف كلهم العمل الزراعي، وللماضي البعيد حكاياه الجميلة والمتميزة، فمع افتقار المنطقة للآلات الزراعية والحصادات، كان العمل يقتصر وقتها على جهد الفلاح وخبرته ومساعدة أفراد العائلة له، ولعل عملية تصفية وفرز الحبوب من التبن ورغم مشقتها كان لها طقوسها الجميلة برفقة الأداة التي كانت تسمّى "المذراة"».

مارس أبناء الريف كلهم العمل الزراعي، وللماضي البعيد حكاياه الجميلة والمتميزة، فمع افتقار المنطقة للآلات الزراعية والحصادات، كان العمل يقتصر وقتها على جهد الفلاح وخبرته ومساعدة أفراد العائلة له، ولعل عملية تصفية وفرز الحبوب من التبن ورغم مشقتها كان لها طقوسها الجميلة برفقة الأداة التي كانت تسمّى "المذراة"

والحاج "صالح" عرّف بحديثه عن "المذراة" وتحدّث عن بعض طقوسها فقال: «هي عبارة عن مقبض خشبي وعصا خشبية طولها حوالي متر ونصف المتر، في أعلاها أربعة إلى سبعة أصابع حديدية أو خشبية رفيعة وحادة الرأس يبلغ طول كل واحدة منها ما يقارب 30 سم، وتكون الأسنان مائلة بشكل جزئي ولا تكون مستقيمة، وبقبضة اليدين نرفع المذراة للأعلى حاملة معها التبن المخلوط بالحبوب، وندفعها بقوة لترشق حملها بعكس اتجاه الريح، فيتساقط الحب في مكانه، ويتطاير التبن لمكان آخر لخفته بمساعدة هبوب الرياح، وخلال تلك الأجواء يجتمع أغلبية أفراد القرية للتعاون والمساندة، وأثناء العمل الطويل كان كل شخص يقدم ما لديه من قصة أو حكاية كوميدية أو قطعة شعرية، والأغلبية كانوا يستمتعون بالمواويل والعتابا على نغمة هبوب الرياح وهي تنثر الحب والتبن».

الباحث جوزيف

أمّا الحاجة "حميدة سليم" فكان لها حديث عن معاصرتها لبعض من تلك الأجواء فقالت عنها: «عمري أكثر من 75 عاماً، وعشت لسنوات مع الأجواء الجميلة التي كانت ترافق العمل بالمذراة، وكانت تقام حول الفلاح الذي يعمل حلقات من النسوة وكبار السن تحديداً يتبادلون العمل أحياناً ويسردون الأحاديث الشيقة أحياناً أخرى، ومرّات عديدة الغناء والمواويل هي العنوان للتنافس بينهم، والنسوة يقدمن الطعام والشاي والتناوب على جلب الماء البارد، وكل ما يحتاجه الفلاح من أدوات ومواد تجلب له الراحة والهدوء، وتساعده على عمله».

أمّا الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" فتحدّث عن تلك الأداة بالقول التالي: «مارسها واستخدمها الفلاح كثيراً، وكانت تقوم مقام الحصادة الحالية من ناحية فرز الحب عن التبن، فبعد أن كان يقوم الفلاح بدرس المحصول ينتظر الفترة الزمنية التي تحصل فيها هبوب الرياح وهي في فصل الخريف، وذلك ليفصل الحب عن القش المدروس أو كما هو معروف عند أبناء المنطقة "التبن"، ومن هنا لابدّ أن نعترف أنّ ذكاء طيباً مارسه الفلاح في ممارسة هذه الصناعة في الماضي، وقد ظلّ معها لسنوات طويلة ينجز العمل بطريقة بدائية ولكنها حضارية، طبعاً نوعية الخشب التي كانت تصنع منه "المذراة" كان من الخشب الصلب بحيث لا يتعرض للكسر بسهولة، وعلى الرغم من أنها تبدو للناظر بسيطة وسهلة التصنيع إلا أنها كانت تأخذ وقتاً وجهداً حتّى يصنعها النجار».

المذراة ضمن معارض تراثية

ومما أضافه الباحث التاريخي حول المذراة: «كثيرة هي الطقوس الجميلة والجلسات الاجتماعية والأحاديث الخالدة التي رافقت الفلاح أثناء عمله بالمذراة، والشيء اللافت أنّ كل فلاح له مذراته التي لا يستبدلها إلا إذا انكسرت، والمختص بالتذرية كان يحدد لحظة البدء بالعمل وفقاً للطقس واتجاه الريح وغير ذلك، وكذلك جميع أبناء القرية كانوا يتعاونون على إنجاز العمل، ففي كل يوم كانوا ينجزونه لأسرة ما، وكان الجميع عائلة واحدة، وبقي أن نقول بأنّ تلك الأداة قدّمت وخدمت الكثيرين ولسنوات ويكفيها أنها كانت تحل محل الآلات الميكانيكية الحديثة والحصادات، والآن يتزين بها بعض المعارض التراثية والتاريخية التي تقام بين الحين والآخر في المحافظة، وبعض الأسر بالمنطقة تحتفظ "بالمذراة" في منزلها وكأنها قطعة منها».