تسلل المسرح إلى قلبه في العام /1955/ عندما أسند إليه أحد معلمي المرحلة الابتدائية دوراً في إحدى التمثيليات المدرسية التي لم تعرض، ومنذ ذلك الوقت كان بينه وبين المسرح (نظرة وابتسامة فموعد فلقاء أبدي).

توفي أثناء مشاركته في فيلم "شيء ما يحترق"، بعد أن أمضى أكثر من /33/ عاماً في عالم الفن.

عاشق المسرح، رحل فجأة، وبرحيله فقدنا إنساناً عظيماً وفناناً كبيراً

وقد شكل رحيله عن عمر مبكر صدمةً كبيرةً للوسط الفني، ما دفع نقيب الفنانين آنذاك "صباح فخري" إلى القول: «"نبيه نعمان" فنان كبير رحل باكراً، بعد أن كرس حياته لخدمة الفن والفنانين».

مع الفنان "دريد لحام"

أما الفنانة "منى واصف" فقد رثته قائلة: «عاشق المسرح، رحل فجأة، وبرحيله فقدنا إنساناً عظيماً وفناناً كبيراً».

الفنان "نبيه نعمان" هو ابن "اللاذقية" المبتسم، ولد في العام /1945/ وفي مطلع الستينيات انضم إلى فرقة "أصدقاء المركز الثقافي العربي" في "اللاذقية"، ومنها انطلق إلى عالم المسرح قبل أن يتنقل بين العديد من الفرق في "اللاذقية" و"حمص"، وقد وصف المسرح في أحد لقاءاته بأنه الحياة الثانية بالنسبة إلى الفنان، وقال: «الإنسان الفنان بوسعه أن يحاكي أي شخصية يتمناها في الحياة ولو للحظة مع شعوره بمتعة حقيقية من خلال إقناع الجمهور بأنه هو هذه الشخصية، والمسرح حضن معطاء يحتضن الفنان ويغذيه بالفكر والحكمة».

يتقدم زملاءه

وأضاف مقترحاً لجذب الجمهور إلى المسرح: «إذا أردنا إقامة أي مسرحية فعلينا أن نطوف كممثلين بعض الشوارع الرئيسية في "اللاذقية" بزي العرض على الأقدام وصولاً إلى مكان العرض حتى نجذب الجمهور».

وقف "نعمان" أمام عدسة الكاميرا للمرة الأولى في فيلم "بقايا صور" للمخرج "نبيل المالح" وقد قال في أحد لقاءاته الصحفية مع جريدة "الثورة" عن تلك المشاركة ووقوفه الأول أمام الكاميرا: «لقد كنت خائفاً جداً في البداية وازداد خوفي بل تضاعف قبل البدء بالتصوير وتمنيت حينها أن تصور مشاهد لغيري قبل مشاهدي وهذا ما حصل فعلاً، ما أتاح لي فرصة مراقبة أداء الممثلين بدقة وخاصة "أديب قدورة، ونائلة الأطرش" ثم جاء دوري لكي أقف أمام الكاميرا وبدأ التصوير وفي اللحظات الأولى انتابتني قشعريرة وازدادت نبضات قلبي لدرجة أنه امتلكني شعور بأن المخرج سيطلب مني إعادة المشهد عشرات المرات وربما طلب مني الخروج من الدور، وبعد أن اجتزت اللحظات الأولى نسيت الخوف ووجدت نفسي أعيش الدور بكل جوارحي وأتمنى ألا ينتهي المشهد».

الفنان الراحل نبيه نعمان

وعن الفرق بين التمثيل السينمائي والمسرحي كان يرى "نعمان" أن السينما تتميز بالعفوية الزائدة التي لابد للممثل أن يتقنها ويتعود عليها إلا أن التمثيل على خشبة المسرح تميز بمواجهة الممثل وتماسه بشكل مباشر مع الجمهور، وهذه المواجهة تؤجج في الممثل شعوره لحظة بعد لحظة وتولد طاقة تجعله يضيء بحرارة كالشمس.

هذا الشعور هو الذي يرضي الغرور الداخلي المكبوت في "لا شعور" الفنان الحقيقي وهو الذي يدفعه إلى العيش في حالة عشق مع المسرح وعندها يستوطن الفن في أعماق الممثل فيقال عنه إنه فنان».

عرف عن "نعمان" خفة ظله فكثيراً ما أضحك الناس ونشر الابتسامة على وجوههم، وقد قال صديقه "سجيع قرقماز" لمدونة وطن "eSyria" في 14/10/2013 متحدثاً عن أحد مواقفه الطريفة: «إنه ضحكة، ودمعة، كان أجمل فناني "اللاذقية" وأبنائها، حضوراً وخلقاً، وتفانياً في العمل.

بدأ حياته المسرحية في "حمص"، ويبدو أنه قد استعار طرافة "الحماصنة" إضافةً إلى طرافته، ما خلق جواً كوميدياً رائعاً.

كان يختلق النكتة، ويلقيها على نفسه، ويسبق الآخرين بالتندر على سمةٍ محددةٍ فيه، إذا لم يسبقه أحد ٌإليها.

وهناك "نهفاتٌ كثيرة" قام بها أو نسبت إليه، وسأذكر واحدة ًفقط:

زار وفد ٌ صيني المركز الثقافي العربي في "اللاذقية"، وأقيم له حفلٌ فنيٌ كبير، وأثناء خروج الوفد من صالة المسرح، خرج "نبيه" مع أعضاء الوفد، وكان مسؤول الصوت "أبو عمر زهر الفول" بين المنتظرين لوداع الوفد، فقد كان "صاحب واجب" كما يقال، رفع "نبيه" يده مودعاً: "هاو شي هو"، على أنه يتكلم (الصينية)

- أبو عمر: ما كأنه نبيه؟

  • نبيه: واكي شو (بالصيني)

  • أبو عمر: العمى خربطنا، والله فكرتو نبيه نعمان".

  • نبيه" لم يترك الفرصة، بل سار بعيدا ًمع الوفد، ثم عاد إلى "أبي عمر"، نظر إليه "أبو عمر":

    "- ولك نبيه؟؟

  • نبيه: شو؟ ضاحكا ً(بالعربي) خربطت أبو عمر؟".
  • وضحك الجميع، فالبعض ظنه صينياً، وبعضهم لم يكن متأكدا ًبعد من أنه "نبيه نعمان"».

    وأضاف "قرقماز" متحدثاً عن الراحل "نبيه نعمان": «"نبيه" كان شريك الجميع في المسرح الحياتي الحقيقي والافتراضي في "اللاذقية"، وكان رفيقاً لطيفاً مؤنساً في حديثه وكلامه وجلساته التي كانت فسحة فرح وأمل بالنسبة إلينا، وقد افتقدناه كثيراً.

    يوم غادرنا- وكان في آخر أدواره الافتراضية في "دمشق"- استقبلنا جثمانه في إحدى غرف نقابة الفنانين في "اللاذقية"، كانت الساعة الثانية عشرة، أغلقت الباب، جلست في مواجهته وحيداً، كتبت مستوحيا ً"شيكسبير": غداً، وغداً، وغداً.. يزحف بطيئا ًمن يوم ٍإلى يوم، حتى آخر يوم في حياتنا، كل أيامنا السابقة تنير الطريق إلى الموت المغبر، بعيداً.. بعيداً.. أيتها الشمس الذاوية، ما الحياة إلا ظل ٌعابرٌ، ممثل ٌتافه، يتآكل على الخشبة، ثم يتلاشى... يتلاشى.

    أذكر دامت جلستنا حوالي الساعة، ودعته، تمنيت له السعادة في رحلته التي كانت قد بدأت طريقها راجعة».

    جدير بالذكر أن الفنان "نبيه نعمان" رحل في مطلع التسعينيات، وقد كان رئيساً لفرع نقابة الفنانين، وله العديد من المشاركات الفنية، في السينما شارك في أفلام: "ليالي ابن آوى، نجوم النهر، بقايا صور، سحاب، رسائل شفهية، شيء ما يحترق"، وفي التلفزيون: "المغنون، الدغري، الخشخاش، أبو دلامة، الفهيم، الصباط، الديك، وسهرتا الجزمة والاحتفال"، وفي المسرح: "أنسوا هيوسترات، نوباز، مدرسة موشي، البخيل" إضافة إلى عشرات المسرحيات الأخرى للكبار والصغار.

    المراجع جريدة "الوحدة" العدد /2508، 1395/ إضافة إلى جريدة "الثورة".