شاعر بإحساس راقٍ، رسم بالكلمات أفكاره الفلسفية، وأكسبها حلّة صوفية مميزة، وحاول في قصائده دمج عوالم شعرية لا تندمج، ويطمح إلى توظيف القلق المبدع في ثنايا ديوانه الأول.

وللحديث عن عوالمه الشعرية التقت مدونة وطن eSyria بتاريخ 6/4/2013 الشاعر "محمد مصطفى" وأجرت معه الحوار التالي:

يقطف "محمد" من حدائق الشعر منمنمات الزهر البري ويدخلنا بعوالم الأريج واللون، قصائده رحلة في دروب الليلك، رحلة عطر تترك أثراً في دروب الوجدان

  • الشعر ملكة إلهية، كيف اهتديت إليها وخططت أولى أشعارك؟
  • ** من الصعب أن نضع قائمة بالأسباب والأحداث التي جعلتنا ما نحن عليه الآن، وإن امتلاك ملكة إلهية يجعل وضع تاريخ لولادتها أصعب ما في سيرتها، فقد تكون البدايات مع الشعر القديم، مع حفظه قسراً في الصغر، وطوعاً في مراحل متقدمة، مع سحر موسيقاه، ونقاء صوره، ولكن دراستي للأدب العربي في الجامعة، ثم متابعتي للدراسات العليا في مجال نظرية الأدب حولت نظرتي للشعر من حامل للمشاعر والعلاقات مع الطبيعة، والأحداث، إلى حامل للأفكار الفلسفية والرؤى والتاريخ، فأقول:

    في انتظاري وفي تأبّد سجني

    تتسلى أصابعي بالتمنّي

    تتسلى تصوغ للضوء حضناً

    وتغني لرقصها فيغني

    فكأني أصابعي الألفُ حتى

    لا أرى مني غيرها، غير أني:

    "محمد مصطفى"

    لاعبٌ لعبة التوهم باسمي

    ديوان عوالم

    ممسك رغبة التحدث عني

    صغت هذا على التعثر وجهاً

    بجنون وحرقة وتأني

    فأتاني الذي اتفقت عليه

    رافضاً لي كأنه لم يكنّي.

  • لماذا أطلقت على ديوانك الأول اسم "عوالم"؟
  • ** لا يمكن أن أنكر شعرية هذه المفردة، وحبي لها مفردةً، ولكن ما دفعني إلى هذه التسمية أسباب فكرية أعمق، وقد يمكن تلخيصها في أن في هذه المجموعة الشعرية محاولة لدمج عوالم مختلفة لا تندمج عادة، فمنها عوالم شكلية إذ تجمع هذه المجموعة بين قصيدة النثر الحديثة، وقصيدة التفعيلة، والأوزان التقليدية، وفي الجوانب الفكرية فهي تجمع عوالم أسطورية وفلسفية تتحرك من الصوفية إلى المادية إلى المثالية.

  • لماذا سادت الصبغة "الصوفية" على مناخ ديوانك؟
  • ** لتسودَ صبغة محددة على شعر ما، في زمن ما، فإنّ عوامل عديدة تتفاعل، ربما كان من أهمها الموروث الثقافي، والتربوي والديني، وقد يكون في أعمقها التحيز المعرفي لحالة فكرية محددة، ربما كانت الصوفية باتساع مفهومها مكاناً مناسباً لعرض المؤثرات السابقة جميعاً، ومكاناً قريباً إلى حالة روحية تمتلكني فقلت:

    أقتبس من الأرض زهرة

    ومن الشمس شعاعاً

    وأستلذ بهما

    يمارسان الحب على كفي

    الزهرة لا تنحني

    الزهرة تتلوى

    الماء العالي يدغدغها.

  • للمرأة ومفرداتها حيّز كبير في قصائدك، ما دور المرأة في حياة الشاعر "محمد مصطفى"؟
  • ** ليس للمرأة في حياتي أي دور وظيفي، المرأة حالة مرنة محببة ألبسها أفكاري وأجد فيها حاملاً تاريخياً يستوعب الرمزية والغنائية، ويمكن أن أقول إن رمز المرأة ضمن السياق الاجتماعي والثقافي الذي ننتمي إليه يقوم بدور ثوري أكثر بكثير من الأفكار المباشرة والمجردة، فقلت:

    كلّ ماءٍ جسدْ

    إذن فالسماءُ التي تمطرُ الآن

    هي أصل المشكلة

    والسّماء التي تمطر الآن؛

    قوسٌ تطلق الأجساد فوقي

    لن أنتظرَكِ تحتها

    فقد تسقط علي إحداهنّ.

  • في قصيدتك "كذب الهي" أعطيت الذات الإلهية صفة ليست من صفاتها وضمنت القصيدة جملاً مستقاة من قرآننا الكريم، وبدأت بوصف امرأتك بأوصاف حسية مجردة سامية كقولك "مشكاة نور، كذب إلهي، إشاعة، نتف من الضحكات، رنة نسمة" وعدت لتصفها بأنها جسد، بما تعلل هذا التناقص؟
  • ** تفكيك القصيدة بهذا الشكل مفيد من الجانب التحليلي، ولكني لا أتقن التعامل مع أسلوبي تحليلياً، لذلك أقول إن جمع هذه التناقضات التي ذكرتها لا يخرج عن مشروع هذه المجموعة في جمع "عوالم" مختلفة، وأنا أذكر- إذ أذكر قصيدتي هذه- بيت الشاعر الكبير "بدوي الجبل" إذ قال: يا ساكب الشعر خمراً من شعر ربك خدي، فإن كان للرب شعر فربما له كذب، وأعذب شعره كأعذب الشعر أكذبه، ويصح أن تكون محبوبتي من كذبه.

  • المحسنات اللغوية والتشابيه والصور الرائعة ورود عبق بها روض ديوانك، فما الدور الذي تلعبه لإغناء محتوى القصيدة؟
  • ** الفصل بين الشكل والمضمون رغم الحاجة إليه لأسباب منهجية هو فصل عبثي دائماً، فالقصيدة نسيج واحد تقول ما تريد قوله بكلها لا بأجزائها، والتصوير لعبة الشعر في إخراج صوته في الفضاء.

  • في قصيدتك "عوالم" اقتبست أبيات شعر "لأبي العلاء المعري" واخترت عنوان الديوان من هذين البيتين، ما القيمة التي أضافها هذا الاقتباس؟
  • ** أبو العلاء المعري، رحلة غنية بدمج الفلسفة بالشعر، وهو بهذا الدمج قدم مدرسة متكاملة في شعرية الفلسفة، هذه المدرسة ترفد المشروع الذي أضعه هدفاً لعملي الشعري الأول، فالالتباس الديني الفلسفي من جهة بالمادي والجسدي من جهة أخرى، يصنع قلقاً مبدعاً من مطامح هذه المجموعة أن ترسخه.

  • الى أين تود الوصول بشعرك؟
  • ** الشعر دنيا من الرؤى والأحلام وهو مكون جوهري في علاقتي مع العالم ومن خلاله أخلط بين الحقيقة والخيال بذلك فإن جديدي الدائم هو قصائد تعبر عن هذا المزج الخلاق.

    قال الشاعر "محمد علي" في صديقه "محمد مصطفى": «أهم ما يميّز "عوالم" "محمد مصطفى" اعتماد لغته الشعرية تقنية التكثيف القائمة على الاقتصاد اللغوي، فقد أسست تقنية التكثيف في قصائده للغةٍ تعتمد التلميح لا التصريح، وتتوسل الإشارة لا العبارة، وتعوّل على وعي القارئ في اكتناه العمق الدلالي لها، وهذا ما جعل من كل كلمة في هذه القصيدة خزاناً للمعاني لا ينفد، وجعل من السياق الداخلي لهذه الكلمات مرآة تعكس السياق الخارجي للشاعر وواقعه، فكان اختلاف زاوية الرؤية لهذه المرآة بين قارئ وآخر منفذاً للغنى الدلالي المتشكل من تقنية التكثيف، فضلاً عن الغموض الموحي الذي يكلل رؤى "محمد" ويرفدها بعناصر جمالية تحفّز القارئ على تقصيها من خلال انفتاح عملية القراءة على آفاق تأويلية رحبة، كل ذلك وأكثر جعل من "عوالم" "محمد" باقة من الأزهار التي تتجاوز بعبيرها قيود النص، وتدفعني إلى التفاعل مع مكوناتها إلى أقصى مدى جمالي ممكن».

    الشاعر "أبو الوفاء أحمد" قال: «هو صاحب تجربة شعرية حقيقية، وإحساس راقٍ، تستفزه الحياة، فيحاورها بالموسيقا لترقص، أو يرسمها بالألوان لتبتسم، أو يجادلها حتى ترضى، إنه شاعر شاب يبني عوالمه مفعماً بالأمل».

    أما الشاعرة "هيفاء فويتي" فقالت: «يقطف "محمد" من حدائق الشعر منمنمات الزهر البري ويدخلنا بعوالم الأريج واللون، قصائده رحلة في دروب الليلك، رحلة عطر تترك أثراً في دروب الوجدان».

    صديقه "علي سرحيل" قال: «"محمد" شاعر رائع ومتميز يعشق الشعر، الذي لا ينفصل عنه فتراه متجلياً في مجموعته التي ضمت /145/ قصيدة من خلال /4/ قصائد تعبر عن "محمد" الإنسان الذي يتسم بالعقلانية والواقعية، ولكنه كشاعر مصاب بالنزوح عن المنطق وعن العقل والوعي، وهو قادر على تجريد نفسه عن القصائد التي يكتبها بطريقة جميلة لا تخلو من أثر يتركه ويعبر عن شخصيته، وهو يعتبر من الثائرين عن الحياة وروتينها، ولذلك هو يسعى إلى التجديد من خلال عوالم شعره، وضمنه في قصائده بطريقة رائعة ومميزة».

    يذكر أن الشاعر "محمد مصطفى" يعمل حالياً على إعداد موضوع لرسالة الدكتوراه خاصته، ويأمل في أن يساهم بشكل نظري في صياغة مشروعه الأدبي والشعري، محاولاً من خلاله تقديم عرض نقدي لقضايا يراها تستحق الدراسة في الشعر الحديث.