عاش زمناً قصيراً ولكنه كان زمناً كافياً ليترك بصمته الخالدة في مسيرة الشعر السوري الحديث، ولتبقى هذه البصمة علامة يهتدي بها شعراء سورية إلى هذا اليوم وإلى الغد وبعده أيضاً.

يوم توفي "رياض الصالح الحسين" في مشفى "المواساة" بدمشق إثر مرض عضال كان قد بلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، بدأها في درعا حيث ولد عام 1954 في شهر آذار لأب موظف جاء من "مارع" شمالي حلب متنقلاً بين المحافظات السورية، وصولاً إلى حلب ودمشق.

ربما كان شعر رياض الصالح الحسين تعبير الطفولة عن ذاتها وهي تواجه العالم بالدهشة وباللغة الخاصة، وربما كان هذا الشعر كما يجرد الزمان والمكان، ويكتفي بالرابط الشعوري جامعاً للقصيدة، ويحاول بالحب الانتصار على مساوئ العالم، ويرفع الوقائع اليومية إلى المفهومات، ويقع في التكرار أو مجانية القول أحياناً بسبب محدودية موضوعاته؛ بيد أن الوجع واللوثة هما أيضاً إرث رياض الصالح الحسين وصفعته...

الكاتب والصديق والروائي السوري "نذير جعفر" في حديثه عنه لمدونة وطن eSyria بتاريخ 19/3/2013 قال: «في حياة رياض محطتان رئيستان الأولى ابتدأت من حلب، حيث تنقل عاملاً مياوماً ما بين مصنع النسيج ومؤسسة الأمالي الجامعية حيث استطاع تثقيف نفسه بنفسه بعدما ترك المدرسة إثر مرضه بأن دخل الأجواء الأدبية وعقد علاقات وثيقة مع عدد من الشعراء والمثقفين الكبار، كما أن دخول (الآنسة س) إلى حياته في تلك الفترة بدأ يلوّن عالمه الشعري بظلالها الشجية، ويترك وشمها في روحه وقصائده.

غلاف ديوانه "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس"

كنا معاً، رياض وأنا، نعمل في تلك الفترة في مؤسسة الأمالي الجامعية، ونقضي معظم أوقاتنا ما بين (مقهى القصر) والندوات الفكرية والمهرجانات الشعرية، وقراءة الكتب، والسفر في أيام العطل. ولعلي أستطيع أن أذكر أن قراءاته الشعرية كانت في معظمها لرامبو وبودلير وسان جون بيرس ووالت ويتمان وروفائيل ألبرتي وأراغون، إلى جانب كل من نزيه أبو عفش ومحمد الماغوط وعلي الجندي ومحمد عمران وأدونيس ومحمود درويش وأمل دنقل بشكل خاص. وكان يحفظ نشيد الانشاد، وبعض السور المكية عن ظهر قلب».

ويتابع قائلاً: «لم يكن رياض (أبكماً) وكان مثل هذا الوصف أشد ما يثير في نفسه الألم، فقد كان يتحدّث ويغنّي وإن بلكنة مميزة ونبرة خاصة، كما كان أشد ما يحزنه عندما يصفه أحدهم بأنه (أصم) لأنه كان يقرأ شفاه من يصادقهم ولا يحتاج إلى الكتابة على الورق إلا في المراحل الأولى.

"رياض الصالح الحسين" مع اصدقاء

كتب رياض كل قصائد ديوانه الأول (خراب الدورة الدموية) في حلب، وكان ينشر في عدد من المنابر الثقافية بعض المتابعات والزوايا والحوارات، منها جريدة (جيل الثورة). وفي العام 1977 قرّر الانتقال إلى دمشق وهنا المحطة الثانية الأهم في حياته، حيث عمل في مركز الدراسات الفلسطينيـة، ومصححاً في وزارة الثقافة، وبدأ مرحلة جديدة من العطاء الشعري، وقد كانت مرحلة دمشق أغنى وأرحب في حياته، ففيها نضج وعيه الفكري والسياسي، وتعرف إلى عدد كبير من الوسط الثقافي، وبدأ ينشر قصائده وقصصه للأطفال وزواياه في عدد من المجلات والصحف وخاصة في (تشرين) و(أسامة) كما انتسب إلى اتحاد الكتاب العرب وبدأ يشعر بأنه أصبح شاعراً مهماً».

يتحدث الشاعر السوري "منذر مصري" عن صديقه الأقرب فيقول: «ركب رياض ما أطلقت عليه الخلطة السحرية لأهم مؤثرات القصيدة السورية في السبعينيات من القرن الماضي، أولاً: الإغواء الذي لا يقاوم لأدوات محمد الماغوط الشعرية، المؤثر الطاغي على قصيدة النثر السورية. وثانياً: العفوية، الشديدة التي اتصفت بها قصيدة بندر عبد الحميد، والتي كنت أعتبرها استسهالاً، إلا أنه تبين لي، منذ زمن ليس ببعيد، خطئي في هذا، وثالثاً: الانفعال والاضطرام اللذان ميّزا شعر التفعيلة ونثر نزيه أبو عفش، من كان برأيي المثال الأعلى الشعري والإنساني لرياض الصالح الحسين، وإن لفترة من الزمن».

"رياض الصالح الحسين" في السبعينيات

وأضاف: «هذه التركيبة أوحت للكثيرين بقدرتها على تحويل أي كلام إلى شعر. كل هذا برأيي كان له الدور الأكبر في اعتبار قصيدة رياض بدورها المثال الأعلى لقصيدة النثر السورية وذلك لأنها تلاءمت، على نحو مباشر وغير مباشر، مع الجو الثقافي والسياسي السائد في سورية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم، وبالتحديد من أواسط عقد السبعينيات إلى نهاية عقد التسعينيات، حيث كان السوق الثقافي السوري مغلقاً في وجه التجارب الشعرية العربية الطليعية، أساليب ومضامين في آن! رافق هذا تململ سوري ظاهر على هذين المستويين بالذات، وخاصة بالنسبة للجيل الذي كان يقف عند عتبة تجاربه الإبداعية، وبصعوبة يسمح له بالدخول، الأمر الذي أدى إلى تفشّي هذه الوصفة وتعميمها مذ ذاك لليوم، حتى بات يمكننا القول إن قصيدة رياض ما زالت تكتب، وإن تجربته ما زالت تتابع وتتقدم، راسمة لليوم، إيجاباً وسلباً، أكثر ملامح القصيدة السورية انتشاراً ورسوخاً».

أما الشاعر والروائي السوري "أحمد يوسف داؤود" فيتحدث عن مشروع رياض الشعري قائلاً: «ربما كان شعر رياض الصالح الحسين تعبير الطفولة عن ذاتها وهي تواجه العالم بالدهشة وباللغة الخاصة، وربما كان هذا الشعر كما يجرد الزمان والمكان، ويكتفي بالرابط الشعوري جامعاً للقصيدة، ويحاول بالحب الانتصار على مساوئ العالم، ويرفع الوقائع اليومية إلى المفهومات، ويقع في التكرار أو مجانية القول أحياناً بسبب محدودية موضوعاته؛ بيد أن الوجع واللوثة هما أيضاً إرث رياض الصالح الحسين وصفعته...».

أصدر في حياته ثلاث مجموعات شعرية هي "خراب الدورة الدموية" عام 1979 و"أساطير يومية" عام 1980 وكلاهما عن وزارة الثقافة، الثالثة كانت "بسيط كالماء واضح كطلقة مسدس" عام 1981 عن دار الجرمق بدمشق أيضاً، أما المجموعة الأخيرة "وعل في الغابة" فطبعت بعد رحيله عام 1982 عن وزارة الثقافة أيضاً.

توفي رياض إثر مرض عضال يوم 21/11/1982 ودفن في قريته "مارع".