يكتب الشاعر السوري "مازن الخطيب" الشعر منذ ربع قرن، هاجسه الشعري يسكن خارج المألوف، شغبه وجنونه يقودان القصيدة من مخاضها إلى رحابة الورق.
مدونة وطن eSyria التقت الشاعر بتاريخ 4/1/2013 وكان الحوار التالي:
** استفاد بعض جيلنا من فسحة حرية الستينيات فكانت هذه الفسحة مدخلاً لتكريس أسماء شعرية في الصف الأول، ولعب الإعلام دوره في تعميم هذه الأسماء، أما شعرياً فقد ورث هذا الجيل الاهتمام بالآخرين وحب الجمال والتعامل مع العالم من منطلق الدهشة ولو أنه ارتكز على القضايا القومية الكبرى مما أثر على سويته الشعرية.
** الشعر حالة فردانية، ولكن لا يلام المبدع عندما يحاول الوصول إلى المنابر الثقافية، وهذه الأخيرة مرتبطة بطقوس خارج كينونة الشعر، هل بإمكان المؤسسات أن تتقبل جنون شاعر ما على منبر...؟ الأدب المقدم على المنابر كما أراه ليس أدباً صادقاً فهو يراعي الجمهور والطقس العام، الشاعر عندما يقدم مجموعة شعرية مع دعاية مناسبة يمكن أن يصل في زمن الفضاءات المفتوحة إلى جمهور أكبر من جمهور المنابر الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال عائلة الشاعر وأصدقاءه وقلة من المهتمين.
** هؤلاء قلة كرسها الإعلام إلى حد كبير وكرستها القضايا السياسية بالدرجة الأولى، وبالتأكيد المرحلة الزمنية التي مر بها هؤلاء رغم أن هناك أسماء لا تقل موهبة وحساسية عنهم.
** ليس لدي مشروع، أنا نبات بري، الشاعر ليس الحالة الحالمة الممكن تعريفها من خلال الوحي والإلهام، عندما أقرر كتابة الشعر أكتبه بدافع قد يكون الفرح أو الحزن، وعند الحزن لو كان علي دفن الميت فإني سوف أؤجل الدفن لحين كتابة النص ويمكن أن يمر شهور دون أن أكتب، عندما أحزن أشعر بأنني ولدت من جديد، الحزن بناء، والحزن أجمل من عناصر إنسانية أخرى، لا أقصد هنا الاتكاء على الماضي بل المضي قدما ًفي فهم فلسفة الحياة ذاتها.
** احتراماً للغة يجب أن نطلع على هذا الإرث، ولكن هذه اللغة تمتلئ بمفردات الموت والأطلال والعبث والفجيعة والتغني بكل منتجات الماضي مهما كانت، هي لغة تحب الموت كثيراً، والدليل خسائرنا المتوالية منذ قرون، ونحتاج بالتالي إلى إعادة ترتيب لغوية، وهذه تقع على عاتق كل من ينطق بها، من هنا ذهبت بعيداً عن الوزن وصرت أحاول أن أتحرر من الوزن خلال سنوات طويلة، المسألة هنا هي مسألة احترام للذات برأيي مسألة صدق مع الروح.
** دون صدق لا يوجد ولن يبقى نص خالد، الكذب في الشعر يخلق عوالم واهية متوهمة جماليتها فارغة، بلا صدق لا يمكن أن يكون مثلاً الطبيب ناجحاً، هذه القيمة هي قيمة القيم في اشتغالاتي، ما يخلد الشعر هو القيم المشتركة بين البشر لا الأيديولوجيا ولا الانتماء، الأيديولوجيا تخلد القبيلة فقط.
** الحق على أبي الذي علمنا هذه القيم الجميلة، فالبيت الذي نشأت فيه ساهم بزرع هذه القيمة إلى الحدود القصوى، كان الصدق القيمة اليومية للحياة وعلى ضوء هذه القيمة عشنا سنوات ولا نزال نمارسها في الحياة. الهامشي من حياتنا هو كل ما يجعل الحياة أجمل، حين كتبت عن "القرباطية" الجميلة كنت أحاول أن أقايض حريتها وجمالها بانتمائي اللغوي والحضاري، أعتز بهويتي ولكن التواصل الإنساني يعلو فوق الأمكنة والأفراد ليصل إلى الجوهر الداخلي في البشر، ومن هنا يخلد الشعر الإنساني المؤسس للمتشابه أكثر من ذاك المرتكز على المختلف، أقايض مكوناتي مع رقصة القرباطي الذي قدمها لي دون أن يسلب مني أي عنصر من مكونات هويتي.
** بالتأكيد لا يمكن للشعر أن يؤسس جمهورية، ولكن يمكنه المطالبة بالعدالة والمساواة والمواطنة، الشعر يحترم الآخر بالتالي يمكنه أن يشير إلى هذا الخطأ ولكنه ليس هيئة قانونية ولا سيفاً للعدالة.
** الموسيقا التي اعتمدها غير مقصودة، يمكن لبيت شعري أن يهزك فتردده وعندما تدقق فيه تجد أن صانعه كان صادقاً على الأكيد، أعرف من خلال حدسي بوجود هذا الرتم، هذه لحظة حقيقة لروحي وأنا أحب أن أخدم روحي، تتسرب الموسيقا كما الصدق، الإصرار على احترام اللحظة الحقيقية، الحقيقة هي احترام اللحظة الراهنة وإذا خفت من المستقبل لن أكتب شعراً جميلاً، الخوف لا يقدم نصاً جميلاً، الصدق ليس مسألة نسبية أبداً.
** لا أريد مصادرة المتلقي، أريده فقط أن يقرأ ويستمتع بما يقرأ، عندما تكتب وتنتهي من المقطع الشعري تكون مهمتك قد انتهت لا يجوز تعريف المقطع، العنوان دخيل على النص الشعري، لنترك القارئ يختار عناوينه بنفسه إن كان هذا ضرورياً والقارئ يبحث عن متعة لروحه كالشاعر تماماً.
الناقد والشاعر "عماد جنيدي" قال في شعر "مازن الخطيب" إنه "يتحدى العتم المعرفي والواقعي وكل أنواع العتم والتسطح التي تتوهم بذاتها الوهج والتحقق والسطوع" أما الكاتب والصحفي "علي الحسن" من جريدة الوطن فقد قال فيه "يهدر قابيل وهابيل وبالعكس ومازال يوهمنا أن العالم أزرق"، أما الشاعرة "رولا الحس"ن فقد قالت فيه "إن شعره يستحق كل التقدير والاحترام لأنه يعرف ما هو الشعر ويبدعه".
يذكر أن الشاعر "مازن الخطيب" من مواليد قرية جيبول عام 1963، صدر له "أعلق على اللوحة حائطي" ويصدر له خلال أيام مجموعتين الأولى بعنوان "الرهان من يصل ثالثاً". والثانية "لست المكان المفضل ليجلس على رأسي المقعد".