"البشعة" هي عادة وتقليد من عادات أبناء حوران الموروثة والمتداولة في القضاء العشائري، مارستها العشائر العربية ومناطق حوران لفترات طويلة، واعتبرت في فترة من فترات الزمن إحدى الوسائل التي يتم بموجبها إبراء الذمم والتبرئة من التهم.

وغالباً ما يتم الفصل في المنازعات بالمناطق القبلية عن طريق "البشعة" التي تعد من أهم الأعراف العشائرية القبلية التي لها في كثير من الأحيان قوة القانون.

"البشعة" هي طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدى أبناء حوران قديماً، يلجأ أبناء العشائر إلى "البشعة" في جمع اختلافاتهم الحقوقية والجزائية، وذلك لإظهار الجرم المنكور. ولا يستطيع أي كان أن يكون مبشعاً، بل هنالك عائلات مخصوصة، وإذا توفي "المبشع" يخلفه أكبر رجل من عائلته، حتى إذا لم يكن هذا هو الأفضل، حيث يصل إلى منصبه بحكم الوراثة والعادة

يقول الباحث في التراث "تيسير الفقيه" لموقع eDaraa عن "البشعة": «هي تأتي من باب الفصل في المنازعات بين الناس عند بعض العشائر والقبائل، حين يعجز دور القضاء بالفصل بين المتخاصمين حسب الأعراف القبلية المتبعة، حيث يأتي المتخاصمون للقاضي أو العارفة ويبدي كل منهم حجته، ثم يتم حسم الخلاف بينهم بالطرق التقليدية المعروفة، ولكن في حين عدم التمكن من الفصل بينهم يضطرون أخيراً إلى "البشعة"، وهي عبارة عن قطعة حديد تسخن على النار، حيث يقوم "المبشع" بتسخين يد محماس القهوة أو غيره، حتى يصبح لونه أحمر كالجمر، ثم توضع على لسان المتهم فيلعقها المتهم فإن كان صادقاً فلا تضره شيئاً، وإن كان كاذباً فهي تلتصق بلسانه.

الباحث تيسير الفقيه

وهي عادة بدوية كانت منتشرة في جميع مناطق "حوران" خاصة عند الشيوخ الذين يقيمون بعض النزاعات أو ما يسمون بالحكام، وليس جميع الناس متخصصين بالبشعة والذين كانوا ينفذونها من شيوخ البدو الذين انتقلوا إلى مرحلة الاستقرار، ولهم دراية ومعرفة بالقضاء العشائري».

"البشعة" هي طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدى أبناء حوران قديماً وهنا يقول الحاج "عيسى المحمد" أحد الشيوخ والمعمرين في المحافظة: «"البشعة" هي طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدى أبناء حوران قديماً، يلجأ أبناء العشائر إلى "البشعة" في جمع اختلافاتهم الحقوقية والجزائية، وذلك لإظهار الجرم المنكور. ولا يستطيع أي كان أن يكون مبشعاً، بل هنالك عائلات مخصوصة، وإذا توفي "المبشع" يخلفه أكبر رجل من عائلته، حتى إذا لم يكن هذا هو الأفضل، حيث يصل إلى منصبه بحكم الوراثة والعادة».

جلسات القضاء العشائري

بينما يقول السيد "هشام حرفوش" أحد المهتمين بالتراث عن "البشعة": «"البشعة" الهدف منها التحقق من دعوى المتخاصمين بعدم توافر الدلائل والشهود، وهي طريقة لكشف الكذب فقط، حيث يستطيع القائم بهذا العمل معرفة ملامح وجه المتهم أثناء تسخين قطعة الحديد، حين يقوم "المبشع" بتقليب قطعة الحديد أمام نظر المتهم لتصبح حمراء، وينظر إلى وجهه ويقلبها مرة أخرى، وهو يتحدث معه طالباً منه إظهار الحقيقة، مبيناً له أن الكاذب ستحرق النار لسانه، وهنا يلعب العامل النفسي دوره حيث يعترف المتهم قبل البدء بها بتهمته، وهنا تحل القضية عن طريق "البشعة" التي لم تمارس حقيقة.

ويتفق بالعادة الفريقان المتخاصمان على تعيين الزمان والمكان للبشعة، وفي الوقت المقرر وفي المكان الذي اتفقا عليه يجتمعان، ومن هناك يسيران إلى "البشعة". والذي يخالف أحد هذين الشرطين يخسر دعواه، ويستثنى من ذلك من كان معذوراً، والعذر المقبول هو مرض شديد، أو وفاة قريب، وإما أمر طارئ مهم».

السيد هشام حرفوش

و"البشعة" من عادات أبناء "حوران" الموروثة وتقول الحاجة "سكرة العواد": «"البشعة" استخدمت قديماً عند العديد من العشائر والقبائل العربية في حوران والجولان وجبل العرب، ودليلهم فيها إن الرجل الصدوق يكون واثقاً من نفسه، بحيث لا يجف ريقه ويكون لسانه مبتلاً، فلا تؤثر فيه حرارة المعدن ويعلن "المبشع" حينها براءته، وإما الكاذب فيكون مضطرباً لدرجة أن ريقه يجف مما يسهل التصاق قطعة الحديد بلسانه، وهنا تثبت التهمة عليه، أي تلبيس الشخص تهمة، ثم إزالتها عنه بالتبشيع، و"البشعة" كما هو متعارف من عادات العرب وأبناء حوران الموروثة».

وعن طريقة استخدام "البشعة" وكيفية اللحس يقول الشيخ "محمد الخالدي": «في البداية قبل استخدام البشعة والقيام بها، على المتهم قبل أن يبشع، أن يمد لسانه للحاضرين كي يريهم أنه حر، وليتمكنوا من التميز بين الحالتين قبل البشعة وبعدها. ويقوم في بداية تحضير وعمل البشعة يشعل المبشع النار، ثم يضع فيها محماس البن حتى تحمر وتصبح حمراء من شدة الجمر والحرارة، يخرج المحماس من الناس ثم يفرك به ذراعه ثلاث مرات ليرى الناس أن النار لا تضر الأبرياء، يخرج المحماس وهو حامي إلى الرجل الذي يريده أن يبشع ويكون جالساً خلف المبشع، ثم يقول له أبشع، يلحس المتهم بعد ذلك المحماس وهو بيد المبشع ثلاث مرات، بعد ذلك يترك المبشع المحماس ويناول الرجل الذي بشع قليلاً من الماء، فيتناوله هذا ويتمضمض به ثم يبصقه، يخرج المتهم بأمر المبشع لسانه فيراه "السامعه" والحاضرون. فإذا ظهر على لسانه بقع تدل على أنه احترق أو ظهر أثر للنار فيه قالوا عنه أنه "موغوف" وإلا فهو بريء».

وعن كيفية طلب "البشعة" واختيار وتعيين المبشع يقول الشيخ "خلف السبروجي البجاري": «قبل السفر إلى "البشعة" يعين المدعي والمدعى عليه سامعه، وذلك بالاتفاق. ووظيفة السامعة أن يشهد أمام "المبشع" بالطريقة التي اتفق عليها الفريقان لأجل حل اختلافهما، والأسباب التي حدت بهما إلى "البشعة"، وأن يشهد أيضاً بالنتيجة التي آلت إليها البشعة.

والمدعي هو الذي يختار "المبشع"، وليس المدعى عليه. ذلك لأنه هو الرجل الذي يجب أن يطمئن وله الخيار في أن يصر على حقه هذا أو يعدل عنه، والمدعي هو الذي يطلب "بشعة" المدعى عليه في أغلب الحالات. وقد يرفض المدعى عليه أن يبشع فيحكم عليه القضاة بالبشعة. وفي بعض الأحيان يكون الطالب للبشعة هو المدعى عليه تخلصاً من التهمة الموجهة إليه، ويجوز لأي كائن من الناس أو من أقرباء الفريقين أن يحضر "البشعة"، وفي البداية والوصول إلى "المبشع" يروي الفريقان قصتهما أمام "المبشع" قبل الشروع بالبشعة. ويذكر أن السبب الذي وصل بهما إلى "البشعة". وينصح "المبشع" الفريقان المتخاصمين بالصلح، ويوجه الكلام للرجل المتهم بالأخص، ويطلب منه أن يعترف بالحقيقة، فإذا تمكن من إصلاح ما بينهما كان بها وإلا فإنه يقوم بتنفيذ "البشعة"».