لعل دموع سماء الماطرة، شاركت دموع أهالي السويداء الحزينة، وهي تشيع شيخها الجليل "أحمد سلمان الهجري" شيخ العقل الأول لطائفة المسلمين الموحدين في سورية، الذي فارق الحياة أثر حادث أليم على طريق قرية "مردك" وقلدت شقيقه الشيخ "حكمت الهجري" خلفاً عنه.
جرت العادة الاجتماعية منذ قرون أن يجري تقليد شيخ العقل خلفاً عنه بعد وفاته من الأقرب إليه، إذ تم بعد التشاور بين الجهات الاختيارية ومشيخة العقل تقليد شقيق المرحوم الشيخ "أحمد الهجري" الشيخ "حكمت" خلفاً عنه في تسلم مشيخة العقل.
لقد رحلت أيها الشيخ العظيم في لحظة تحتاجك فيها سورية حيث يسعى أعداؤها لتقسيمها ونحن نريدها أرضا واحدة بذل أجدادنا فيها دماءهم واليوم نحن نبذل دماءنا لتبقى نموذجا للعالم العربي والإسلامي والإنساني داعين دول العالم إلى مشاهدة الوحدة الوطنية التي تجمع كل أبناء سورية والذين عبروا عن أخوتهم ووحدتهم ولحمتهم وحبهم لبعضهم في محافظة السويداء اليوم ، أيها الراحل الحبيب جئنا لنعزي أنفسنا باستشهادك لأنك أبيت أن تموت على فراشك كما يموت البعير، إنما خرجت لتخدم أهلك ووطنك وأبناءك وإذا بالحق يختارك وأنت تعمل في خدمة الإنسان التي فيها رضوان الله عز وجل، أن سورية ستبقى تمثل الأمة العربية بأبنائها وتوحد العقائد برسالتها الخالدة، نم قرير العين أيها الشيخ الراحل وستبقى محافظة السويداء وأبناؤها في سويداء قلب سورية فكما كنت تحب أن تكون رمزا للوطن وها هي جنازتك رمز للوطن من كل أبنائه الذين جاؤوا ليقولوا لك لقد غرست في القلوب آثارا فالمال والملك يفنى ولكن العلم والإيمان والحب لا يفنى أبدا
حول علاقة مشيخة العقل ومناقب الراحل وتقليد الاستلام أوضح سماحة الشيخ "حمود الحناوي" شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين لموقع eSwueda بتاريخ 27/3/2012 وتابع بالقول: «نودع اليوم ركنا من أركان التقى وعلما من أعلام التوحيد والعرفان واليقين، فسبحان من جعل الأقدار تحت إرادته، أن أهل الهبة والعفاف في درجات اعتصامهم يأخذون بالعروة الوثقى ويتمسكون بحبل متين فهنيئاً لمن أحسن عبوره وصلحت أموره ونحن في سفارة المرحوم الشيخ الجليل "أحمد الهجري" على محراب الحق والحقيقة نقف مشيعين بقلب مفعم بالحزن والألم، لقد قضى الشيخ في تسليم الروح الطاهرة، لباريها جراء حادث سير أليم، ماذا نقول لمن ترجل عن صهوة الأرث ورحل عنا في زمن الصعب، إذ ما احوجنا إليه لكنه سيبقى في ذاكرتنا كما بقي السلف الصالح الطاهر فقد عرفناه سليل الاطهار والمشايخ الأبرار بحسن المناقب والفضائل، والرجال وعايشناه بصدق وقوة يقينك.فكان خير جليس ونعم الأنيس، أنه في زهاء قرنين من الزمن تعارف الموحدون بإسناد مسؤولية مشيخة العقل الثلاثية في ثوابت متساوية لتقوم بأعباء المرجعية الدينية والشخصية الاعتبارية مترابطة مع هموم الوطن والمجتمع واحتراما لمكانة الدار وتقديرا للسلف الصالح موضحا أن المسؤولية تدعو شيوخ العقل باسم طائفة المسلمين الموحدين وبعد إجماع الرأي إلى تنصيب الشيخ "حكمت سلمان الهجري" خلفا لشقيقه ولأخلاقه الرفيعة وسمعته الحسنة وبيته العريق كما أن الثقة والأمانة موضوعة عند أهل الصالحين».
ومن بين المشيعين الشاعر والأديب "غانم بو حمود" عضو اتحاد الكتاب العرب الذي أوضح معرفته بالمرحوم الشيخ "أحمد الهجري" بقوله: «منذ أكثر من عامين وأنا أمني الروح والنفس والذاكرة بزيارة ثانية للشيخ "أحمد الهجري"، وربما بأكثر من زيارة بعد أن أخذنا بذراعيه الكريمتين ليضمنا إلى صدره الواسع أنا وصديقي الصحفي ويجلسنا في مضافته العامرة في قريته "قنوات" محتفياً بنا أيما احتفاء، وقد عبق المكان بحديثه الودي الذي أنسانا تعب الطريق، وبرؤيته الوطنية الصادقة تلك التي شحذت هممنا، وأثرت معارفنا خلال زيارة قصيرة لم تتجاوز الساعة الواحدة من دون أن يشعرنا أن هناك من ينتظر قدومه، وأي حضور يمكن له أن يبلسم الجراح، أو يرتقها، يشعل ماء الفرح، ويمسح الدمعة عن الخد، كحضور الشيخ الجليل "أحمد الهجري" لذلك فضلت أن أصيخ السمع إلى جواهر حديثه المطرز بمشاهد العفة، والبطولة، والكرم، والإباء، ناظراً، إلى عينيه المزروعتين بغابات من السنديان والنور والسلام، "كنت أمعن النظر إليهما، وكانتا تتسعان، فتسبح في مائهما القدسي روحي، وقد عز عليها الخروج من بحرين زاخرين يلآلئ الحكمة، وياقوت السمو، ومرجان الخصوبة، وقتئذ حضرني قول للشاعر الهندي "طاغور": "أغصان الشجرة جذورها، جذور الشجرة أغصانها"، لقد في عيني الشيخ الجليل "أحمد الهجري" سورية، بحرها، أنهارها، جبلها، وديانها، قراها، مدنها، شعبها، علمها، نشيدها الوطني، أمجادها، تاريخها الممتد إلى أعماق التاريخ، والقادم في أعماقه، طبعاً كنت أود ألا يوقظني صديقي الصحفي من حلم كنت في مشهده مفتح العينين، والبصيرة، لكن الوقت الذي كنت دائماً أقول عنه : "الوقت مشتعل وماء النهر نار، من أين تبتدئ الجزيرة يا رصيف الانتظار؟ وهمٌ يهيم بوهمه، والناس في شغل على قمم الغياب، يتسابقون إلى الرماد !"، ذلك الوقت الذي مر سريعاً فلم يجعلني أملأ سلتي الذي لم يزل جزء كبير منها محشواً بالفراغ، هو نفسه الوقت الذي كان عنيفاً، ومتعسفاً في استخدام قوته إذ خطف من بين أفئدتنا الشيخ الجليل "أحمد الهجري"، فرحمني من زيارة أخرى أرى فيها أشجاره الحبلى بالنور والسلام، لكن الزمن الذي ضن عليَّ ثانية برؤياه، فإنه كريم علي بتمثل أقواله وأفعاله، والسير على خطواته المباركة، ومسيرة رجل صالح فاضل "حاضر في الدم والذاكرة والضمير كحضور ذلك الجبل الأشم الذي كان منه أغصاناً، كما كان إليه جذوراً"، رحم الله الشيخ الجليل "أحمد الهجري" وعزائي للعرب المعنى، والضمير، والوجدان، والنصر لسورية».
وبين المطران "سابا اسبر" مطران حوران وجبل العرب علاقته بالمرحوم الشيخ "أحمد لهجري" قائلاً: «إن الشيخ "أحمد الهجري" لم يكن مجرد رجل دين وإنما صاحب رسالة أيضا وأنوار الخالق التي انسكبت عليه جعلته داعية للمحبة والتآخي والسلام والحوار فكان اللقاء عنده السبيل إلى اكتشاف ما قد أسبغ الله من نعم على الآخر وكان الإنسان وما يحمله واحدا عند الشيخ المرحوم، لقد تميز بسمتين مازج الحكمة بالمحبة، برؤية عقلية نورانية، والعقل عنده مستقر في القلب، وهذا ما يجعله يتقارب مع البعيدين ، وصلاح المتخاصمين، فيما يتعلق بوطننا الغالي كانت قناعة الشيخ "الهجري" أن سورية أرضا وبشرا غنية بتنوعها ويجب أن يحافظ عليها الجميع حيث أكد مرارا وتكرارا أن ما من كنيسة في هذا الجبل يمكن أن يلحقها أي أذى في ظل محاولات بعض المغرضين لإشعال الفتن الطائفية، كان حضوره يشيع الحضور بتلين القساوة القلوب، لقد خطفك الله إليه يا أخي وبغفلة عن محبيك، لأنك كنت تتشوق إلى لقياه عز وجل، من كان على خفرك وحسك الروحي المرهف تجرحه خطايا هذا العالم، ويختبر مرارة الغربة فيه، فيغدو مشدوداً إلى السماء، كما كنت أنت شاء ربك أن يأخك إليه، بعد أن جاهد الجهاد الحسن، وأكملت السعي وخدمة رسالتك، ستبقى معنا بذكرك العطر وابتسامتك الطفولية سترافقنا إلى الوقت الذي يختاره الرب لنا حيث نذوق سوية الأمجاد التي قد أعدها للذين يحبونه،كنت الأمين بالقليل وسيغنيك الرب عن الكثير طوباك يا أخي اليوم سوف تدخل إلى فرح ربك أمين».
وبين سماحة الشيخ الدكتور "أحمد بدر الدين حسون" مفتي الجمهورية أن الشيخ "أحمد الهجري" رحل في لحظة تحتاج سورية إليه بقوله: «لقد رحلت أيها الشيخ العظيم في لحظة تحتاجك فيها سورية حيث يسعى أعداؤها لتقسيمها ونحن نريدها أرضا واحدة بذل أجدادنا فيها دماءهم واليوم نحن نبذل دماءنا لتبقى نموذجا للعالم العربي والإسلامي والإنساني داعين دول العالم إلى مشاهدة الوحدة الوطنية التي تجمع كل أبناء سورية والذين عبروا عن أخوتهم ووحدتهم ولحمتهم وحبهم لبعضهم في محافظة السويداء اليوم ، أيها الراحل الحبيب جئنا لنعزي أنفسنا باستشهادك لأنك أبيت أن تموت على فراشك كما يموت البعير، إنما خرجت لتخدم أهلك ووطنك وأبناءك وإذا بالحق يختارك وأنت تعمل في خدمة الإنسان التي فيها رضوان الله عز وجل، أن سورية ستبقى تمثل الأمة العربية بأبنائها وتوحد العقائد برسالتها الخالدة، نم قرير العين أيها الشيخ الراحل وستبقى محافظة السويداء وأبناؤها في سويداء قلب سورية فكما كنت تحب أن تكون رمزا للوطن وها هي جنازتك رمز للوطن من كل أبنائه الذين جاؤوا ليقولوا لك لقد غرست في القلوب آثارا فالمال والملك يفنى ولكن العلم والإيمان والحب لا يفنى أبدا».
وعبر نجل الراحل "حسين أحمد الهجري" بقوله: «بالرضا والتسليم لأمر قدره الله وقضاه لعظمة الموت والحق مودعين قامة من قامات الحق والإيمان، الذي قضى نحبه مشفوعاً بسلوك الخير والصلاح وقد أضاء دروبنا، بزاد التقوى ونشر أريجها طهراً، إن والدي الشيخ المرحوم عاش حياته مقتديا بالرسل الكرام أئمة الهدى ومصابيح الظلام ومهتديا بالصحابة الأطهار والسلف الأخيار جامعا للمؤمنين على بساط الحب الإنساني النبيل، بعد أن نهل من مناهل التوحيد ونور كأسلافه الميامين، الذين أشرقت عليهم أنوار السماء وكرمتهم محبة العباد، في بيت من بيوت التقى من هذا البلد العامر بأهله فقد نشأ وترعرع في بلدته "قنوات" ذات الأوابد والتاريخ وتزود واستقام من نور أسلافه لقد كانت لوالدي المرحوم مشاركات فعالة في المؤتمرين العالميين في "بروكسل وأثينا" وانتدابه من جميع المؤتمرين على اختلاف أطيافهم وتلاوينهم لغرس شجرة المحبة والسلام في تلك الأصقاع بعد أن أصبح عضوا دائما في حوار الأديان ومجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية في سورية مع نخبة من السادة العلماء، ومن أقواله في اجتماع تداخل الديانات في "أثينا" قوله: بتاريخ 10/8/2004 "وما هذه الأديان والرسالات السماوية، بعقائدها وطهرها وعفافها، إلا دعوة واحدة للخير والهدى لما فيه سعادة البشرية جمعاء لتظل رايات السلام خفاقة فوق ربوعها، ونحن جميعاً خلق الله سبحانه،لأن الحقيقة الواحدة والجوهر الواحد لا يتغيران، بتغير اللون والأزمنة والأمكنة، والله سبحانه نور السماوات والأرض يأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويدعونا إلى الحق والتسبيح بحمده"، كان مهتماً بشكل خاص ومميزا بأهلنا وإخواننا في الجولان الحبيب وفلسطين العربية حريصا على استقبالهم ومؤازرتهم على صمودهم وتضحياتهم الجسام في سبيل الحق وتحرير الأرض والمقدسات من براثن الظلم والعدوان.،وباسم آل الهجري وأهل قنوات الكرام ومشايخ العقل الأجلاء والسادة الوجهاء والمعنين أعلن على رؤوس الأشهاد بعد التداول والمشورة بين الجميع بأن عمي سماحة الشيخ "حكمت سلمان الهجري" سيكون خلفا لوالدي المرحوم "أحمد سلمان الهجري" شيخ العقل الأول للمسلمين الموحدين متمنين له النجاح والتوفيق»..
يذكر أن سماحة الشيخ المرحوم أحمد الهجري من مواليد عام 1954 تسلم مشيخة العقل عام1989 بعد وفاة والده المرحوم الشيخ "سلمان الهجري " له العديد من المشاركات في المؤتمرات الدينية والوطنية وهو عضو دائم في مؤتمر حوار الأديان العالمي وعضو في مؤتمرات حوار الأديان التي أقيمت في سورية وساهم في تأسيس مشاريع خيرية منها مشروع مشفى "النبي هابيل" في ريف دمشق.
الجدير بالذكر أنه بموكب مهيب حضر التشييع "أحمد الأحمد" عضو القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية الأمين العام لحركة الاشتراكيين العرب والدكتور "بسام جانبيه" عضو القيادة القطرية لحزب البعث والدكتور "محمد عبد الستار السيد" وزير الأوقاف و"منصور عزام" وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والدكتور" مالك علي" محافظ السويداء وعدد من رؤساء المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والفصائل الفلسطينية وعدد من رؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدين بدمشق ومشايخ عقل طائفة المسلمين الموحدين في سورية ووفود شعبية ودينية من سورية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.