من قرية عانقت السماء بشموخها وارتقت حتى الغيوم برز نسر حلق بنظراته عالياً وارتقى بعلمه فحلق بجسده مدركا هذا الشعور.
فالشهيد الطيار "عطاف فريد درويش" ابن قرية "سربيون" التي ترتفع عن سطح البحر حوالي /500/ متر طالته يد الغدر بتاريخ 26/11/2011 مع نخبة من طياري "سورية" الأشاوس.
قضيت مع الشهيد "عطاف" أجمل أيام حياتي فالأيام الخمسة التي تفصل بين ولادتي وولادته لم تمنع تقارننا واندماجنا في مختلف تفاصيل الحياة
الشاب "رأفت فريد درويش" أخ الشهيد "عطاف" قال خلال لقاء موقع eSyria به بتاريخ 3/1/2012 ضمن حفل تأبين الشهيد: «أحياناً تعجز الكلمات عن الوصف، فلو غالينا في التعبير يقول من لا يعرف الشهيد "عطاف" إنها مجرد كلمات عابرة، ولو اختصرنا الحديث يقول من يدركه بمختلف تفاصيل حياته إننا مقصرون بحقه، لذلك سأتحدث بكلمات بسيطة مقرونة بالشواهد، فمطالعاته الثقافية صقلت نفسيته وروحه الداخلية وأشبعتها بما أحب فحلقت بمشاعره ومكنوناته الداخلية عالياً، فتابع تحصيله العلمي والتحق بالكلية الجوية وأصبح نسراً من نسور "سرب الطيران السوري"».
وعن بدايات الشهيد "عطاف" قال والده السيد "فريد درويش": «ولد الشهيد البطل النقيب الطيار "عطاف" عام /1977/ وتلقى علومه المدرسية في مدرسة "السومرية" بمحافظة "دمشق"، وتابع مراحل التعليم الإعدادية والثانوية في ثانوية "مجد البغدادي" في "المزة"، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية قرر تحقيق حلمه بالانتساب إلى الكلية الجوية، فلم يعارضه أحد من أفراد أسرته علماً أنه حصل على مجموع علامات جيداً جداً.
بعد تخرجه في الكلية انضم إلى سلاح الجو "سرب الطيران السوري" ليحقق حلمه بالتحليق عالياً في سماء "سورية" التي عشقها منذ طفولته، وبحسب ما روى قائد مجموعته الجوية حين التقيته خلال تشييع الشهيد قال لي: إن الشهيد ومجموعة من رفاقه وعند عودتهم بسيارة المبيت المخصصة لنقلهم إلى منازلهم، واجهوا كميناً مسلحاً متربصاً لهم على طريق "الفرنكوس"، وما إن مرت سيارتهم في نقطة الهدف حتى ملأت أصوات الرصاص سماء المنطقة، وسقط الشهيد البطل ومعه عدد من أمهر طياري "سورية" الذين دربوا بشكل رائع وكبير ومتقن على اختراق الأجواء المعادية، وهذا ما جعلهم هدفاً من أهداف المؤامرة التي يزعمها البعض ثورة سلمية، وعندما سمعت هذا الكلام رفعت رأسي حامداً الله على هذا الفخر الذي منحني إياه ولدي البطل».
أما السيد "نايف يوسف" الصديق المقرب من الشهيد الطيار "عطاف" فيقول: «قضيت مع الشهيد "عطاف" أجمل أيام حياتي فالأيام الخمسة التي تفصل بين ولادتي وولادته لم تمنع تقارننا واندماجنا في مختلف تفاصيل الحياة».
الشاب "أمجد يوسف" أحد أقارب الشهيد قال: «خلال تشييع جثمان الشهيد لم أر شخصا إلا هزته الدموع على فراق الشهيد، وخاصة رفاق خدمته العسكرية الذين أسروا لي بأن هذا البطل تميز بدقة مواعيده وتنظيم حياته ورضا قادته عنه على الدوام، ناهيك عن مواقفه الإنسانية معهم والتي لم يذكروها لي لتبقى حسناتها مدونة في سجل حياته الباقية عند الله».
وخلال حفل التأبين قدم العقيد الركن الطيار "شحادة منصور" كلمة قال فيها: «تُذكر النفوس البشرية بعد مغادرة الأرواح منها بقيمها المعنوية والإنسانية التي حققتها على أرض الواقع، فبقدر ما تحققه من صدق وإخلاص في التعامل وسمعة طيبة وعلاقات اجتماعية، تذكر هذه النفس، فكيف وفقيدنا اليوم شهيد ومالك لأغلب هذه القيم الإنسانية والمعنوية التي تسمو بها النفس البشرية، فهو دمعة فقدها سلاح الجو "سرب الطيران"، وأخ أحب الملايين من السوريين فذهب بروحه من أجلهم وبقي بذكره أيضاً من أجلهم لكي لا يحزنوا عليه.
فهو من أبرز طياري سربنا وأكثرهم عدد ساعات طيران، وأسرعهم في بصم الدم للذود عن حمى الوطن والدفاع عن سمائه التي طالما عشقها وتجول فيها، فقد تعانق في صدره حبان حبه لأهله وأسرته وحبه لوطنه ورفاقه، فتعلمنا من تواضعه كيف يكون التواضع، ومن قلبه الذي طالما نبض بالشهادة معنى الشهادة، وكنا نتمنى أن يكون استشهاده خلال اختراقه للأجواء المعادية التي طالما اخترقها وعاد سالماً، وليس على يد أبناء بلده المغرر بهم باسم الدين والحرية».
ويختم حديثه بالقول: «لقد فتحت السماء له أبوابها وشرعت جنان الخلد جنباتها، فرحمة الله عليه وعلينا جميعاً، فنحن رفاقه على وعدنا باقون في الذود عن سماء "سورية" وعن كل شبر من أرضها وليسمع من يسمع وليدرك من يريد، ولا حياة لنا بعد حياة الوطن».