بدأت رحلتها مع الهندسة عن طريق الصدفة لتكون أول فتاة دمشقية تحمل إجازة بهندسة العمارة، ومن ثم بدأت مسيرة مهنية مليئة لا يمكن وصفها إلا بالناجحة.
إنها المهندسة "فلك الأبرش" التي تحدث عنها الأستاذ "عدنان الأبرش" شقيقها الأكبر بالقول: «منذ صغرها كانت متميزة بنشاطها وحضورها، وهي المدللة جداً بين أخوتها، شخصيتها قوية، وفي نفس الوقت هي إنسانة مكافحة ونموذج يحتذى به بين فتيات جيلها، استطاعت أن تشق طريقها بنجاح، وعلى الصعيد الاجتماعي تملك "فلك" الكثير من الأصدقاء».
تم تكريمي من العديد من الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات الأهلية لكن أول تكريم لي كان من قبل الهلال الأحمر عام 1974 كأول مهندسة في دمشق
"eSyria" زار المهندسة "فلك الأبرش" في منزلها الواقع في حي "الجسر الأبيض" بتاريخ "2/11/2011" حيث عادت بنا بذاكرتها المتقدة إلى سنوات الشباب، وعنها تحدثت بالقول: «بعد حصولي على الشهادة الثانوية انتسبت لكلية العلوم، ودرست سنتين وفي السنة الثالثة دخلت لكلية "الفنون الجميلة" كان فيها قسم للعمارة لكن بصراحة يعود الفضل بدخولي لقسم العمارة لأحد زميلاتي آنذاك وهي "عفاف العالم" كانت تدرس بكلية الصيدلة وأخبرتني أنه تم افتتاح فرع جديد بالجامعة ويناسب ميولي في الرسم ولاسيما وأنني كنت أدرس الرياضيات.
كنا في ساعات النهار نداوم في مبنى "التكية السليمانية" وليلاً في "مدرسة التطبيقات المسلكية"، بدأت الدوام لسنة دراسية كاملة وكان ذلك أيام الوحدة مع مصر في عام /1958/، وعندما انتهى العام الدراسي ذهبت لعميد الكلية وقلت له أنني لم أنقل أوراقي من كلية العلوم عند ذاك أذكر أنه نادى لأمين السر وطلب منه أن يسجلني بالكلية ومن يومها بدأت رحلتي مع العمارة.
طبعاً دراسة العمارة ليست بالأمر السهل حيث لم يكن عندنا حواسب ولا غيرها من التقنيات كنا نسهر لساعات متأخرة في الكلية، والدي -رحمه الله- كان قد أعطاني حريتي ونبهي بعدم الخطأ في عملي لأن هذا الخطأ مسؤولية كبيرة تمس سلامة أرواح الناس.
كان عددنا بقسم العمارة /22/ طالباً، تقدمنا للتخرج /12/ طالباً نجح /7/ وكنت أنا الفتاة الوحيدة؛ حيث كنا في البداية ثلاث فتيات لكنهن لم يكملن وكنت الوحيدة التي قدمت مشروع التخرج، كان أستاذنا "ريمون غصن" وهو مدرس بقسم العمارة في الجامعة الأميركية وهو الذي درسنا مع الأستاذ "سمير خير الله" وأشرفوا علينا، وأذكر عندما كنا على أبواب التخرج سألنا الأستاذ "ريمون غصن" كيف سنتخرج فنحن لا نعرف كيفية تحضير مشروع التخرج ولاغير ذلك فكان جوابه سأصحبكم معي للجامعة الأميركية لتحضروا مشروع تخرج لأحد الطلاب.
وهذا ما حصل بالفعل وبعد حضورنا مشروع التخرج عدنا لدمشق قال لنا من يستطيع أن يقوم بمثل ما تم عرضه في المشروع الذي حضره فليفعل وحقيقة هو ما حصل فقد بدأنا نحضر لمشاريع ووقتها كان عميد الكلية الأستاذ "عبد الرؤوف الكسم" وعندما سألني عن موضوع مشروعي قلت له "عن تنظيم المقابر في سورية" وأذكر يومها أنه كلمني بعصبية وقال لي أذهبي وفكري بمشروع آخر وعدت بالمرة الثانية لأخبره بعنوان المشروع الجديد بعنوان "تنظيم السجون في سورية" لكنه أجابني سأعطيك مشروعاً وهو "حضانة للأطفال".
في الحقيقة رفضت المشروع لكن أستاذي ريمون غصن طلب مني الموافقة واصطحبني معه للجامعة الأميركية ببيروت لقسم علم نفس الطفل ليطلعني على دراسة الأطفال بعمر /3-5/ سنوات وأنه لابد من أن تكون المسافة بين الروضة والمنزل لا تزيد عن /500/ متر، وطبعاً لم يكن في بيروت سوى حضانة واحدة وهذا كان عام /1964/.
وبالفعل عملت على هذا المشروع وسهرت الليالي وبحثت كثيراً عن مكان لأقيم فيه مشروعي وقد استطعت أن أجد بأحد المخططات لمدينة دمشق مكاناً خصص لمدرسة –وهو يقع اليوم في أحد المناطق القريبة من حي "برزة"- فطلبت أن أقيم مشروعي عليه وتم ذلك فعلاً.
بعد التخرج بقيت لمدة سبعة أشهر أبحث عن عمل وكنت كلما دخلت لدائرة لطلب وظيفة أقابل بالرفض والسخرية في ذلك الوقت كنت قد تزوجت وحامل بالشهر السابع وذات مرة وأنا أمام وزارة الشؤون البلدية والقروية التقيت أستاذي "منير ونوس" وأخبرته أنني ما زلت أبحث عن عمل فقال لي تعالي واكتبي طلب وأذكر كان ثمنه /50/ قرشاً سورياً وأخذ الورقة وحصل لي على الموافقة من وزير الشؤون القروية والبلدية آنذاك "صالح المحاميد".
وبدأت العمل وكان من زملائي المهندسين "نبيل الخاني" رحمه الله و"اليكسي شكر" وهو الأن في "كندا" كانت معاملتهم معي متميزة وأول مشروع عمل كان هو "مياه دريكيش" عام /1965/ ولكنه بقي حبراً على الورق لم ينفذ لعدم وجود إمكانيات مادية وقتها وبعدها أصبحت أعمل بتخطيط المدن وأذكر أن الأستاذ "منير ونوس" قال لي: "فلك أنت جسر وسيمر عليك الآخرون"
كان أول عقد عمل لي لمدة سنة وأول راتب تقاضيته كان /530/ ليرة سورية وفي الحقيقة نفذت الكثير من المشاريع حيث عملت بتخطيط المدن وبالتأكيد بعد أخذ المخطط الطبوغرافي للبلد كنت أقوم بدراسة المخطط ومن بعض المخططات التي وضعتها أذكر مخطط "يلدا، وببيلا" بريف دمشق وكان ذلك /1970/ وغيرهم ، بقيت أعمل بوزارة الشؤون القروية والبلدية لعام /1988/ حيث انتقلت لوزارة السياحة وبقيت للعام /2000/ حيث أحلت للتقاعد».
وعن التكريم في حياتها تضيف المهندسة "فلك": «تم تكريمي من العديد من الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات الأهلية لكن أول تكريم لي كان من قبل الهلال الأحمر عام 1974 كأول مهندسة في دمشق».
وعن الجانب الاجتماعي بحياتها تتابع القول: «وأنا طفلة كنت متمردة كثيراً وشقية وأحب اللعب بالحجارة مع أولاد الحارة درست الإبتدائية بمدرسة "لبانة" بمنطقة الصالحية وتابعت المرحلة الإعدادية بمدرسة "التجهيز الأولى".
من هواياتي الرسم وأنا مولعة بالألوان وأنا في الصف السادس رسمت خريطة لتشيكوسلوفاكيا ولونتها وعندما شاهدتها مدرستي "ناريمان حسن" قالت من رسمها لك قلت لها: "أنا" قالت سنضع لها إطارا ولنعلقها بالمدرسة.
أحب قراءة الكتب لاسيما الأدبية منها والإستماع للشعر وأذكر أنني عام 1973 كنت بزيارة لواشنطن وحضرت أحد أمسيات "نزار قباني" الشعرية وكم كان إعجابي كبيراً بما قاله يومها كما أحب السياحة وقد زرت العديد من الدول "كمصر، بولونيا، الهند، استراليا، أميركا، وغيرها..".
لي ولع خاص بالخياطة والأشغال اليدوية الفنية "الكروشيه والصوف" أشارك بالنشاطات الإجتماعية والثقافية في المراكز الثقافية وغيرها أحب مشاهدة التلفاز لاسيما المسلسلات الشامية التي تتحدث عن بيئتنا.
كان لأسرتي لاسيما والدي رحمه الله دوراً كبيراً وأساسياً بتميزي ونجاحي في الحياة بكافة المجالات كان المشجع لنا دائماً ولابد أن أقول لك أنه سمح لي وأنا في السنة الجامعية الأولى بالسفر لمدة شهر كامل في رحلة قامت بها الجامعة إلى تركيا واليونان كان عمري 17سنة وطبعا في تلك الفترة من الزمن كان ذلك أمراً كبيراً وما يغلب على أسرتي هو طابع التعليم فجميعنا درس في الجامعة وحتى أقاربنا جميعهم من المتعلمين والمثقفين وهذا كان له كبير الأثر علينا وعن جيل اليوم تقول هو جيل يريد كل شيء جاهز ولايعرف قيمة لأي شيء».
يذكر أن المهندسة "فلك الأبرش" من مواليد "14 شباط 1936" والدها المرحوم "عارف الأبرش" والدتها "بهيرة الطباع"، هي خامس أخوتها البالغ عددهم ستة، ثلاث بنات وثلاثة شباب، أحدهم هو المهندس "محمود الأبرش" –رئيس مجلس الشعب-.
والمهندسة "فلك" متزوجة، ولها ابن يدعى "توفيق" وابنة تدعى "شيرين".
