إلى الغرب من مدينة "صافيتا" بحوالي /8/ كيلومترات وعلى سفوح سلسلة جبلية متصلة بالسهول الخصبة تتربع أقدم قرى زارعي الحمضيات.

فقرية "مجدلون البستان" التي زارها موقع eSyria بتاريخ "15/9/2011" تعتبر من القرى ذات السهول الصغيرة الخصبة جداً والتي انتشرت فيها زراعة أشجار الحمضيات باكراً وبكثرة، ومما زادها أهمية غناها بالكثير من المواقع التاريخية والأثرية الهامة العائدة إلى العهود الفينيقية والبيزنطية، وهذا بحسب كلام الأستاذ "أنيس إبراهيم" من أهالي القرية، مضيفاً عن توضعها الجغرافي وموقعها: «تقع القرية شمال غرب مدينة "صافيتا" بحوالي /8/ كيلومترات، وتبعد عن مدينة "طرطوس" حوالي /25/ كيلومتراً، وأعتقد أن القرية من القرى التي أول من سكنها الفينيقيون في فترة من الفترات الزمنية الموغلة في القدم، والدلالة على ذلك التسمية "مجدلون" ومقاربتها إلى الكثير من التسميات الأخرى في "الساحل السوري" وبعض المناطق اللبنانية.

تتوضع القرية على سفوح سلسلة جبلية مغطاة بالغابات وتنتشر عليها من الشرق إلى الغرب، وهذا طبعاً لوجود العديد من ينابيع المياه العذبة المنتشرة في أسفل هذه السفوح، منها نبع "عين الكرم" الكائن في بداية القرية من الجهة الشرقية، ونبع "عين الكنيسة" الكائن في منتصف القرية تقريباً

أضف إلى ذلك ظهور بعض الآثار الفينيقية القديمة التي وجدت في بعض المناطق من القرية، إضافة إلى بعض الآثار البيزنطية، ومنها المنازل القديمة جداً المغطاة بالتربة التي كونتها وشكلتها عوامل الزمن».

السيد "علي حسن"

ويتابع: «تتوضع القرية على سفوح سلسلة جبلية مغطاة بالغابات وتنتشر عليها من الشرق إلى الغرب، وهذا طبعاً لوجود العديد من ينابيع المياه العذبة المنتشرة في أسفل هذه السفوح، منها نبع "عين الكرم" الكائن في بداية القرية من الجهة الشرقية، ونبع "عين الكنيسة" الكائن في منتصف القرية تقريباً».

أما الأستاذ "يونس إبراهيم" مدرس متقاعد لمادة الجغرافية فيقول موضحاً سبب تسمية القرية وبعض المواقع التاريخية فيها: «ترجع تسمية "مجدلون البستان" إلى كلمة "مجد البستان" وذلك بحسب اللغات القديمة، وهي تعني "جنة البساتين" نظراً لبساتينها الموغلة في القدم والتي تعتبر من أقدم البساتين في المنطقة والمحافظة وخاصة الحمضيات منها، حيث ارتبطت هذه البساتين بوجود مصدرين ثابتين للماء هما "عين الكنيسة" و"عين الكرم" دائمتا الجريان، وبعض الينابيع الأخرى التي تستمر حتى بداية الصيف، إضافة إلى وجود نهر شتوي يستمر حتى نهاية الربيع تقريباً وهو "نهر الغمقة" الذي ينتهي في مدينة "طرطوس".

نبع "عين الكنيسة"

ولم تكن بساتين القرية هي الوحيدة الموغلة في القدم وإنما تعدتها إلى الكثير من المواقع الأثرية التي تتمثل بغرف جاهزة بارتفاع ثلاثة أمتار وأروقة وطرق وحمامات كانت حجارتها مصدراً أساسياً لأبنية العديد من مساكن القرية الحالية دون الحاجة إلى تشذيبها عند إعادة استخدامها، إضافة إلى اكتشاف حجر مستطيل الشكل مكتوب عليه بثلاثة لغات منها اليونانية والرومانية، وذلك عام /1968/ حيث نقل الحجر إلى متحف "طرطوس".

أما في عام /1969/ فقد عثر على حجر بازلتي موشوري الشكل، على وجوهه رسوم منها أفعى منحوتة تقابلها امرأة عارية وعنقود عنب وطفل، ونقل الحجر بجرار زراعي إلى متحف "طرطوس" أيضاً، وشارك في تحميله /12/ رجلاً من رجال القرية، وقد كان هذا الحجر يشبه عتبات المعابد اليونانية، وآخر ما سمعنا عنه أنه كان صندوقاً رصاصياً».

بساتين الحمضيات

في حين أن السيد "علي حسن" موظف متقاعد حدثنا عن أهم ميزات القرية فقال: «تميزت القرية بالنهضة العلمية العالية، حيث إن جميع أبنائها تقريباً من حملة الشهادات الجامعية أو المعاهد المتوسطة، وهذا الأمر ليس بحديث فهي معروفة منذ القدم بمحبة أبنائها للتعليم والتحصيل العلمي ويمكن اعتبارها وعلى يقين من جميع أبناء المنطقة بأنها من أكثر القرى وأقدمها بنسبة تحصيل أبنائها علمياً.

وهذا ناتج عن ميزة هامة جداً هي أن أبناءها وسكانها القدامى لم يخضعوا وأراضيهم بشكل مباشر للإقطاع، فمنذ البداية والقرية تمتلك أراضيها رغم الكثير من المحاولات لإخضاعها للإقطاع، وهذا انعكس على طبيعة أبنائها وحفزهم للتحصيل العلمي منذ بداية خمسينيات القرن الماضي».

الأستاذ المتقاعد "سعد الدين عباس" يؤكد أن أبناء القرية وفق الأحاديث المتناقلة جاؤوا إلى هذه المنطقة نتيجة لهجرات داخلية كثيرة عبر مختلف العصور والأزمان البعيدة والقريبة وخاصة في العهد الروماني، وذلك نتيجة لتوافر المياه وخصوبة التربة التي كانت أساس الحياة في تلك الأوقات، حيث انتشرت الزراعة وخاصة زراعة الحمضيات وكانت القرية أولى القرى التي تزرعها في المنطقة والمحافظة تقريباً، وذلك بالقرب من نبع الماء في بداية القرية والذي سمي فيما بعد نبع "عين الكرم" نسبة لكروم الحمضيات في المنطقة القريبة منه».

السيدة "هيفاء سعيد" تروي لنا قصص العلاقات الإنسانية التي كانت تربط أبناء القرية بعضهم ببعض: «لقد اعتمد أهالي القرية على الزراعة وكانت مصدر رزقهم الوحيد فما كان منهم إلا توظيف أوقاتهم بما يخدمهم ليتقدم كل منهم بالمساعدة للآخر وخاصة خلال عمليات قطاف الحمضيات والزيتون التي تحتاج إلى أعداد جيدة من اليد العاملة لتقوم بعمل جيد خلال اليوم، حيث أصبحت هذه المساعدة عادة يتميز بها أبناء القرية، أما النساء فكانت من المشجعات الأساسيات للأبناء على التحصيل العلمي الجيد، ومن أمهر مربيات دودة الحرير وصانعات المناديل الحريرية منها، وذلك بسبب توافر المرعى المناسب لتربيتها وهي أشجار التوت المحبة للمياه».

وفي حديث مع السيد "أحمد منصور" مختار القرية أوضح الحدود الجغرافية للقرية وعدد سكانها، حيث قال: «تميزت القرية بانتشارها على سلسلة جبلية تبدأ من الشرق وتنتهي بالغرب على مسافة حوالي /10/ كيلومترات كأبنية سكنية فقط، ناهيك عن الأراضي الزراعية الخصبة التي تقع في أسفل الجبال وتمتد كسهول بمساحة حوالي /20/ هكتاراً تروى من ينابيع القرية المتعددة، ومن هنا يمكن القول إن القرية يحدها من الجهة الشرقية قرية "بونياح" ومن الجهة الغربية قرية "الحداديات" ومن الجهة الجنوبية قرية "رأس الخشوفة" ومن الجهة الشمالية السلسلة الجبلية، وتتبع القرية إدارياً لبلدية "رأس الخشوفة" ويبلغ عدد سكانها حوالي /3000/ نسمة، وترتفع عن سطح البحر حوالي /300/ متر.

القرية عبارة عن عدة حارات ينفصل بعضها عن بعض بمسيلات نهرية منها ما هو جاف ومنها ما تسير فيه المياه وهذا بحكم توضعها على السلسلة الجبلية، وهذه الحارات تمتد أيضاً من الشرق إلى الغرب وهي حارة "عين الكرم" وحارة "الخربة" وحارة "الأوضا" وحارة "بيت إحسان" وحارة "بيت ليلى" وحارة "بيت سكرية" وحارة "بيت حربا"، وتعود تسمية هذه الحارات إلى العائلات التي تقطن فيها وهي من أبرز عائلات القرية».