أتاحت النصوص المعجمية المكتشفة في "إبلا" قرب "سراقب" التعرف على اللغة الإبلائية والتي تعتبر أبكر لغة سامية مكتوبة في التاريخ.

يقول الأستاذ "أحمد خربوطلي" ماجستير لغات قديمة وأحد الأكاديميين القلائل في "سورية" المتخصصين بلغة "إبلا": « تعتبر النصوص القاموسية من المجموعات المهمة في نصوص "إبلا" ما يعرف بالنصوص المعجمية والقوائم المعجمية التي وصفت أسماء المدن والقرى، أو أسماء الحيوانات، أو أسماء المهن مع قوائم بالرموز وطريقة لفظها، وهذه القوائم المعجمية لها نظائر معروفة في جنوب "بلاد الرافدين" نقلت إلى "إبلا" وصارت من تقاليد كتّاب "إبلا"، ويبدو أن كتّاب إبلا ومدرسة الكتّاب في إبلا قامت بإعادة ترتيب لهذه المواد الأجنبية ووضعت لها ترجمات إبلائية لذلك يمكن أن تعتبر هذه الإضافات كأقدم قواميس ثنائية اللغة معروفة حتى الآن، وإن أقدم القوائم المعجمية التي وصلتنا بشكل متقن كانت من عهد "سمسوإلونا"، حيث أرّخ كاتب هذه الموسوعة اللوحة المعجمية التي تحوي 450 سطراً بتاريخ 8 من شهر آب العام 24 من عهد "سمسوإلونا" أي 1725 ق.م، وقد ذكر الكاتب اسمه "شامي واصو"، وكانت تعتبر هذه اللوحة أكمل موسوعة قديمة وصلت حتى الآن، غير أنه تبين لاحقاً أن مثل هذه القوائم المعجمية عُرفت منذ القرن السادس والعشرين قبل الميلاد، حيث تم اكتشاف لوحات معجمية في موقعي "فارا وأبي صلابيخ" في بلاد الرافدين تعود إلى القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، ثم بعد قرن بدأ كتّاب "إبلا" ينسخون لوحات معجمية على منوال لوحات "أبي صلابيخ"، وقد كانت ترتب هذه المعاجم حسب أشكال كتابة الكلمة أو حسب أصواتها ولفظها أو حسب معانيها، وكانت حاجة الكتّاب إلى مثل هذه القوائم المعجمية ملحة لأنهم احتاجوها في مهنتهم، وكانت بالنسبة لهم كالقواميس في عصرنا الحالي، وربما احتاج المعلمون مثل هذه القوائم لتعليم جيل آخر من الكتّاب، لذا فقد قاموا بتصنيف قوائم خاصة بالحجارة أو الأواني الفخارية أو الأسماك أو الحيوانات أو المواقع الجغرافية أو الأسماء، وقد شكلت هذه القوائم مادة كبيرة لدارسي اللغات المسمارية، بحيث بلغ عدد ما بلغ من أسطر هذه القوائم إلى حوالي 7900 سطراً، وظلت تستخدم في معظم المدن الرافدية من "أوروك" إلى "ماري" إلى "تل ليلان وإيمار وأوغاريت"».

تعبر النصوص المعجمية التي تضمنتها الرقم المسمارية المكتشفة في "إبلا" عن ابتكار الإنسان القديم للمعاجم، وخاصة بين اللغة المحكية في "إبلا" واللغة الأكادية، وإن وجود معاجم تربط بين اللغة الأكادية والإبلائية ساهم في الوصول إلى حل رموز اللغة الإبلائية من مقارنة اللغتين، وحيث أن اللغة الأكادية لم تمت تماماً وهناك باحثون متقدمون في هذا المجال ترجموا اللغة الأكادية منذ فترة طويلة تزيد عن مئة عام، وبذلك أصبحت لغة معروفة لدى الباحثين ساهمت في فهم لغة "إبلا" التي كانت مندثرة ولم يتم استخدامها في فترات ازدهار "إبلا" اللاحقة، الأمر الذي جعل من تلك المعاجم قيمة تاريخية كبيرة جداً، ويبلغ عدد الرقم المعجمية المكتشفة في "إبلا" 111 رقيم جميعها ثنائي اللغة إبلاوي- أكادي، ويعرض في متحف "إدلب" ثلاثة قطع من تلك المعاجم

ويتابع الأستاذ "أحمد خربوطلي" حديثه بالقول: «حين تم اكتشاف وثائق "إبلا" تبين أن بين هذه الوثائق مجموعات من المعاجم، بعض هذه القوائم سومرية وبعضها كانت نسخاً إبلائية (سامية) عن القوائم السومرية، وقد لاحظ الدارسون أن القوائم المعجمية في "إبلا" تتوافق مع القوائم المعجمية المكتشفة في "أبي صلابيخ" مما جعلهم يعتقدون أن هذه النسخ الإبلائية نقلت عن أصل أقدم عُرف في بلاد الرافدين، لكن لوائح "إبلا" تختلف عن تلك الرافدية، فقد أوضح الباحثان"بيتناتو وسيفيل" أن القوائم المعجمية الإبلائية لا تتطابق مع القوائم المعجمية المكتشفة في "فارا"، بالرغم من أنها تضمنت أسماء مدن عديدة موجودة في بلاد الرافدين، كما أن اللوحات المعجمية الإبلائية تضمنت بعض الخصوصيات، مثل احتوائها على صيغاً فعلية أو لواحق إعرابية وهي تنقسم إلى عدة أصناف: قوائم بالإشارات المسمارية، وقوائم بقراءة الإشارات المسمارية، وموسوعات، وقواميس، وتمارين مدرسية، أما من ناحية لغة هذه القوائم فيمكن تصنيفها إلى نصوص أحادية اللغة (سومرية): منها تمارين الطلاب وقوائم تدريسية ومنها قوائم بالكلمات السومرية، ونصوص رياضية ونصوص متعددة المواضيع، وأهم القوائم التي كتبت ضمن هذا التصنيف قائمة بأسماء المهن وقائمة بأسماء الحيوانات وقائمة الأسماك والطيور والأشخاص وقوائم بأسماء الإشارات، وقوائم بأسماء أعضاء الجسم، نصوص أحادية اللغة (إبلائية): تضم قوائم بأسماء أشخاص وقوائم بأسماء مدن وقوائم بالمفردات منها أسماء الأوعية والحجارة، ونصوص ثنائية اللغة: وهي النصوص التي تشكل بمجموعها القاموس الإبلائي والمؤلف من 1500 كلمة».

ويضيف "خربوطلي": «أما المعجم الإبلائي ثنائي اللغة فيضم مجموعة من الألواح عددها 130 لوحاً منها 32 لوحاً شبه كامل و 91 كسرة كبيرة و 7 كسرات صغيرة، ثلاثة نصوص منها هي من المقاس الكبير 24×26 سم، وتحوي عشرين عموداً على الوجه الأمامي ومثلها تقريباً على الوجه الخلفي وهي من تدوين الكَتبة المحترفين، أما بقية النصوص فهي أصغر حجماً وهي من تدوين الطلبة ومنها خمسة من النصوص لها شكل عدسي ولا تدرج هذه النصوص إلا عدداً محدوداً من الكلمات السومرية مع ترجمتها إلى الإبلائية وبعض منها احتوى على كلمة واحدة فقط، لقد تم ترتيب الكلمات في القاموس حسب المقطع المسماري الأول الذي تبدأ به الكلمات السومرية وهكذا صنف القاموس ضمن مجموعات، كل ذلك يظهر لنا عمق الحضارة السورية وتنوعها وإبداعها لكل ما هو جديد، فهذه القواميس شكلت مفتاحاً هاماً لفهم اللغات القديمة وساعدتنا بشكل أكبر على فهم لغة إبلا، هذه اللغة التي أنارت فترة كانت غامضة من تاريخنا كبشرية وأصلنا كشعوب حضارية قادت مسيرة الحضارة منذ آلاف السنين».

الباحث الأستاذ "فجر حاج محمد" المهتم بتاريخ وآثار "إبلا" قال: «تعبر النصوص المعجمية التي تضمنتها الرقم المسمارية المكتشفة في "إبلا" عن ابتكار الإنسان القديم للمعاجم، وخاصة بين اللغة المحكية في "إبلا" واللغة الأكادية، وإن وجود معاجم تربط بين اللغة الأكادية والإبلائية ساهم في الوصول إلى حل رموز اللغة الإبلائية من مقارنة اللغتين، وحيث أن اللغة الأكادية لم تمت تماماً وهناك باحثون متقدمون في هذا المجال ترجموا اللغة الأكادية منذ فترة طويلة تزيد عن مئة عام، وبذلك أصبحت لغة معروفة لدى الباحثين ساهمت في فهم لغة "إبلا" التي كانت مندثرة ولم يتم استخدامها في فترات ازدهار "إبلا" اللاحقة، الأمر الذي جعل من تلك المعاجم قيمة تاريخية كبيرة جداً، ويبلغ عدد الرقم المعجمية المكتشفة في "إبلا" 111 رقيم جميعها ثنائي اللغة إبلاوي- أكادي، ويعرض في متحف "إدلب" ثلاثة قطع من تلك المعاجم».

ملاحظة: مصدر الصور من أرشيف الأستاذ أحمد خربوطلي.