صناعة تميزت بها "دمشق" منذ القدم، وأبدع فيها الفنان الدمشقي، حيث تمثل حرفة عريقة وركيزة أساسية لها مكانتها الخاصة في "دمشق".

وتدخل منتجاتها كل بيت عبر الأواني المستخدمة في الاحتياجات المنزلية. موقع "eDamascus"، وللحديث عن مهنة صناعة النحاس التي اشتهرت بها "دمشق"، زار سوق النحاسين بالقرب من سوق المناخلية، والتقى السيد "أبو ممدوح كيلاني" أو هكذا عرف عن نفسه، ويعمل في المهنة منذ أكثر من خمس وأربعين سنة، حيث قال: «ظلت هذه المهنة صامدة حتى وقعت في منافسة شديدة مع المنتجات الأخرى المشابهة مثل الألمنيوم والبلاستيك والملومين، وبدأت مهنة النحاس بالتراجع، وأصبح عشقها مقصوراً على السائحين، حيث كانت صناعة الأواني النحاسية من أهم الصناعات في "دمشق"، وكان تجارها يستوردون صفائح النحاس من "أوروبا"، ويطرقونها في حوانيتهم، ويصنعون منها أواني مختلفة الأشكال حسب الحاجة، وبقيت هذه الصنعة رائجة ورابحة، وتدر مالاً وفيراً على أصحابها إلى وقت ليس ببعيد».

إن الظروف الخاصة التي تكتنف اقتناء الأواني النحاسية وطرق تبييضها وتنظيفها تجعل الناس يحجمون عن شرائها باعتبار أن تبييض الآنية النحاسية يكلف أكثر من نصف سعرها ورغم ذلك فإن المهنة بخير وهي قادرة على الاستمرار

يقول السيد "أبو علاء طرقيني" وهو أيضاً ممن مارسوا هذه المهنة: «لم تقتصر صناعة النحاس على الأواني المنزلية، وإنما شملت كذلك لوحات حائطية مزينة بآيات قرآنية، وأخرى مرسوم عليها معالم تاريخية شهيرة في "دمشق" والعالم العربي، إضافة إلى التحف التذكارية والصور والمجسمات النحاسية الكبيرة التي تعكس العنصر الجمالي لهذا الفن الرفيع، لقد فقدت هذه الصنعة مزاياها، إذ أحضر بعض التجار من "أوروبا" تقانات لصنع الأواني النحاسية، كالقدور والصحون والأدوات المنزلية المختلفة، وغير ذلك مما قلّص الحاجة إلى الأيدي العاملة، فترك الكثيرون هذه الصنعة».

أبو ممدوح كيلاني

أما السيد "غازي محاميد" صاحب أحد محال صناعة النحاس، فيقول: «مهنة النحاس مهنة تراثية وفنية أكثر من كونها مهنة صناعية استهلاكية، فصناعة النحاس تمثل موروثاً إسلامياً تناقلته عائلات "دمشق" من زمن بعيد باعتبار أن استخدامها بات يقتصر على المسائل التزيينية والفنية كالسيوف النحاسية ودلال القهوة العربية وبعض الصواني المنقوشة والمزخرفة، وإن عدد العاملين في هذه المهنة أخذ يتراجع لأن المهنة لم تعد تدر أرباحاً مادية كما في السابق ما دفع معظمهم للتحول إلى مهن أخرى ولم يبق فيها إلا بعض كبار السن وأبنائهم الذين توارثوا المهنة أباً عن جد رافضين بيع أو تأجير محلاتهم أو استبدال مهنتهم بمهن أخرى».

وعن سبب عزوف الناس عن شرائها، يضيف السيد "رامز مدرارى" وهو أحد الذين امتهنوا صناعة النحاسيات، قائلاً: «إن الظروف الخاصة التي تكتنف اقتناء الأواني النحاسية وطرق تبييضها وتنظيفها تجعل الناس يحجمون عن شرائها باعتبار أن تبييض الآنية النحاسية يكلف أكثر من نصف سعرها ورغم ذلك فإن المهنة بخير وهي قادرة على الاستمرار».

نحاسيات

فيما حدثنا "أبو موسى عمران" عن أثر التقنيات الحديثة على هذه الصناعة: «الآلة الحديثة ساعدت في هذه المهنة على صناعة الدلال العربية والصواني الصغيرة إلا أن هذه التقنية لا تنفع في صناعة الحلل والطناجر والقدور التي لا يجدي معها سوى المطرقة والسندان والشاكوش النارية الطويلة والقصيرة وأبو الرأسين، وكلها أدوات يدوية قديمة وبسيطة تستخدم في مهنة النحاس، وأنا أطالب أصحاب محال تصنيع النحاس والمسؤولين في المحافظة لاهتمام أكثر بهذه المهنة العريقة التي تشكل إحدى ملامح الهوية الثقافية والحضارية لمدينة "دمشق"».

رامز مدرارى