"المدرسة الأسدية الجوانية" هي إحدى الصروح التاريخية في مدينة "حلب"، وقد بُنيت لتقدم العلوم لطلابها أيام حكم الأيوبيين في "حلب" وهي اليوم تخدم خدماتها لحي "داخل باب قنسرين" وما يجاورها من أحياء في مجال الرعاية الصحية والطبية التي يحتاجونها.

موقع eAleppo سأل بعض المواطنين في "حلب" حول أهمية هذا الموقع التاريخي، والبداية كانت مع السيد "إدريس حسن" الذي قال: «الذي أعرفه حول الموقع أنه من المواقع القديمة في مدينة "حلب" وقد تم إنشاء مدرسةً لتعليم الناس العلوم والمعرفة كالجامعات في أيامنا الحالية.

جرى لهذه المدرسة ترميم خلال العهد العثماني وهناك لوحة وسط الواجهة الشمالية تؤرّخ هذا الترميم في العام 1316 هجرية و1898 ميلادية، وفي العام 1998 أجرى مركز "إحياء حلب القديمة" عمليات ترميم واسعة لها ضمن المشروع الرائد للترميم الذي تناول حي "باب قنسرين" بأكمله

وبالنسبة لأهميته فالموقع كما قلت هو من المواقع القديمة ويمكن للباحثين والطلبة الاستفادة منه كثيراً للتعرّف على ميزات العمارة في الزمن الذي أنشأ فيه، وكذلك فهو يقدم صفحة من صفحات تاريخ مدينة "حلب" العريقة».

القبلية في المدرسة

السيد "سليمان عبدو" قال: «المدرسة تساهم في تنشيط السياحة بحلب من خلال قدوم السياح إليها من مختلف البلدان وهذا يفيد في إنعاش المدينة اقتصادياً من جهة وتعرّف العالم على تاريخنا المشرق من جهة ثانية.

وعن أهميته المعاصرة أيضاً أود القول بأنّ الموقع حالياً هو نقطة رعاية صحية وهذه النقطة تقدم الخدمات الصحية المجانية لأبناء المنطقة من أحياء "حلب" القديمة المجاورة لها».

الممر الطويل عند مدخل المدرسة

وحول تاريخ المدرسة تقول الدكتورة "لمياء الجاسر"*: «أنشأ المدرسة "أسد الدين شيركو بن شادي بن مروان" المتوفى في العام 564 هجرية -1168 ميلادية وليس لدينا معلومات عن تاريخ إنشائها، وقد شاهد المؤرخ "أبو ذر" تاريخ إنشائها مكتوب في رخامة فوق إيوانها ولم يستطع قراءته لعلوه وقد اندثرت تلك الرخامة، وأشار المؤرخ "الغزي" إلى أنها بنيت في حدود العام 600 هجرية إلا أنّ هذا غير صحيح لأنّ بانيها توفي قبل ذلك بفترة طويلة».

وتضيف: «جرى لهذه المدرسة ترميم خلال العهد العثماني وهناك لوحة وسط الواجهة الشمالية تؤرّخ هذا الترميم في العام 1316 هجرية و1898 ميلادية، وفي العام 1998 أجرى مركز "إحياء حلب القديمة" عمليات ترميم واسعة لها ضمن المشروع الرائد للترميم الذي تناول حي "باب قنسرين" بأكمله».

غرف الطلبة

وحول ميزات عمارة "المدرسة الأسدية" تقول "الجاسر": «من حيث التصميم فقد ضمت "المدرسة الأسدية" جميع عناصر المدرسة الأساسية، للقبلية فيها شكل إيوان مستطيل يمتد موازياً لجدار القبلية ومقسماً إلى ثلاثة بلاطات وينفتح على الباحة بقوس كبير مدبب سُدّ لاحقاً في العهد العثماني وأعتقد أنه كان لهذه المدرسة مخطط آخر بإيوانين متقابلين على طرفي الباحة الذي شاع استعماله في مصر خلال الفترة الأيوبية.

أما من حيث الإنشاء فقد اُستخدم في التسقيف القبو المتطاول /طرفي القبلية والمدفن / والمتقاطع /غرف المجاورين/ وأعتقد أنها تعود للعهد العثماني، والقبة المدببة /القبلية/ ورقبة مضلعة اثني عشرية، والانتقال من الشكل المربع للصالة إلى الشكل الدائري للقبة يتم بواسطة المثلثين الهرميين المقلوبين والسقف المستو من جذوع الشجر /المدفن/.

كما اُستخدم في إنشاء الواجهات القوس المدبب /القبلية/ والمجزوء /غرف المجاورين/ والمجزوء المنبطح /بين القبلية والمدفن/ واستعيض عن الأعمدة بالجدران السميكة.

وأخيراً وبالنسبة للزخرفة فقد اُستخدمت فيها نقوش مثلثية بسيطة وشكل يشبه المروحة /الظفرين على طرفي المحراب/».

وحول المدرسة أيضاً تقول الدكتورة المهندسة "نجوى عثمان"** في كتابها "الآثار والأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عنتاب" الذي صدر في إطار برنامج التعاون الإقليمي السوري التركي ما يلي: «تقع "المدرسة الأسدية" داخل "باب قنسرين" وأنشأها "أسد الدين شيركوه" المتوفى في العام 564 هجرية و1168 ميلادية وقد رُمّمت في عهد السلطان العثماني "عبد الحميد الثاني" في العام 1316 هجرية و1898 ميلادية كما تشير نقيشة في الواجهة جنوبي الصحن.

كانت المدرسة تُعرف في كتب التاريخ والتراث باسم "المدرسة الأسدية الجوانية" وذلك لأنه كانت في "حلب" ثلاثة مدارس تحمل هذا الاسم الأولى التي نتكلم عنها والثانية أنشأها "أسد الدين شيركوه" بالقرب من "المدرسة الشعيبية" وقد اندثرت والثالثة أُنشأت في العصر الأيوبي مقابل القلعة وقد اندثرت أيضاً».

وتضيف: «أُجريت عملية ترميم واسعة على المدرسة بكل مكوناتها في العام 1998 وصارت تُستخدم مركزاً للرعاية الصحية في حي "داخل باب قنسرين".

يمكن الولوج إلى صحن المدرسة عبر ممر طويل، وتتوسط الصحن بركة ماء وعلى جوانبه في الشرق والجنوب والشمال غرف الطلبة وقاعات الدراسة بالإضافة إلى إيوان صغير في الزاوية الجنوبية الشرقية من الصحن أما في الجهة الغربية فهناك إيوان كبير فيه محراب بمثابة مسجد للمدرسة وتسقفه قبة في الوسط وعلى جانبيها قبوان مهديان ولا شك أنّ الجدار الذي يغلق الإيوان قد أنشئ آواخر العهد العثماني أو في عشرينيات القرن العشرين».

  • الدكتورة "لمياء الجاسر": البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة "حلب" 1964 والدكتوراه في علم الآثار– قسم العلوم التطبيقية من معهد التراث العلمي العربي بجامعة "حلب" في العام 2007.
  • ** الدكتورة المهندسة "نجوى عثمان": إجازة في الهندسة المدنية من جامعة "حلب" العام 1978 والماجستير في تاريخ العلوم عند العرب في العام 1991 والدكتوراه في دراسة علمية ميدانية أجرتها في مدينة القيروان التونسية بعنوان "دراسة هندسية مقارنة بين المساجد القديمة في حلب والقيروان"، رحلت في العام 2009 إثر حادث سير.