هناك في أزقة "سوق الحريقة" الدمشقي نشأ مجبولاً بحب سورية وشامها، في منزل وارف الظلال رحب التكايا، منه تنفس الحرية وعرف معناها فصاغها كلمات كلما استمعنا إليها حلت برداً وسلاماً علينا، هي خلاصة لتاريخ سورية العريق وحاضرها المملوء بالنضال هي عنوان الجلاء ورمز الاستقلال، عزفت كلمات شعره لأول مرة كنشيد وطني رسمي للجمهورية العربية السورية صبيحة السابع عشر من نيسان عام 1946م يوم الجلاء الكبير.

اسمه الأساسي هو "إبراهيم الخليل مردم بك" المولود في "دمشق" عام 1895 وهو ابن المرحوم "أحمد مختار مردم بك".

في مثل هذا اليوم قبل 37 سنة أي في شهر تموز 1959 توفي في دمشق الشاعر والدبلوماسي السوري "خليل مردم بك" الذي شغل مناصب سياسية ودبلوماسية رفيعة وكان شاعراً رقيق العبارة جميل الوصف وباحثاً أديباً ضليعاً. دفن بالباب الصغير وكان عند وفاته في الرابعة الستين من العمر

ولد "الخليل" بحسب ما ذكر السيد "تميم مردم بك"* ابن عم الراحل "خليل مردم بك" «في دمشق 1895 وكان من أسرة ذات مجد ويسار ووجاهة ملحوظة في دمشق تسامت به نفسه إلى العصامية فبنى له مجداً طريفاً فوق ما بناه أوائله من المجد التليد، وبذلك جمع بين المزيتين ودل على قوة عقله وكبر نفسه وبعد همته. تلقى "الخليل" ثقافته الأولى في بيت والده فألحقه بمدارس "دمشق" حيث دخل مدرسة "الملك الظاهر" الابتدائية وأخذ الشاب المردمي يجد في تحصيل العلوم مقبلاً على العلوم العربية وثقافتها وآدابها فدرس الحديث على يد المحدث الشيخ "بدر الدين الحسني" ودرس الفقه على يد "قاضي الشام عطاء الله"، ودرس الصرف والنحو على يد الشيخ "عبد القادر الاسكندراني" وغيره من علماء "دمشق" وحفظ الكثير من الآداب العربية وقرأ كتب الأدب والشعر والتراث وأخذ يقرض الشعر وهو دون العشرين.

خليل مردم بك إلى جانب أديب الشيشكلي والملك فيصل

عاش يتيماً إذ ماكاد يبلغ الخامسة عشرة من عمره حتى فقد أباه ثم فقد أمه فبقيت في ذهنه منذ صباه هذه الصورة الحزينة فانطلق ينظم الشعر في رثاء أمه وأبيه ليصور الحزن والأسى، ولما انتهت الحرب العالمية الأولى وخرج الأتراك من دمشق عام 1918 هب المثقفون يدعون إلى الترجمة من التركية إلى العربية والتف حول حركة الترجمة جماعة من صفوة المثقفين تألف منها عام 1919 المجمع العلمي العربي بدمشق».

ألغت الحكومة العربية التعامل بالتركية في دمشق وصار الفتى المردمي فيها بمثابة مدير الإعلام والصحافة وعمل في لجنة ألفت لتصحيح لغة الدواوين وانتهت الحكومة العربية في دمشق ودخل الفرنسيون فيها فترك الوظيفة وأنشأ مع جماعة أصدقائه وزملائه الرابطة الأدبية عام 1921 وأصدرت الرابطة مجلة باسمها صدر العدد الأول منها عام 1921 وكان أول اجتماع للرابطة في آذار 1921 حيث انتخب "خليل مرد بك" رئيساً لها وعمره نحو الستة والعشرين ربيعاً وكان من أعضائها شفيق جبري– فخري البارودي– حيدر مردم بك وغيرهم.

خليل مردم بك وأديب الشيشكلي والملك عبد العزيز آل سعود

وبعد عشرة أشهر أصدرت حكومة الانتداب الفرنسي قراراً بإغلاق المجلة فانكب المردمي مع زملائه على تحقيق التراث فأصدروا كتاب معاني الشعر للأشنانداني عام 1922 وتقدم ببحث عن شعراء الشام في القرن الثالث إلى المجمع العلمي العربي للانضمام إلى حلقاته وقُدر بحثه واختير عضواً عاملاً فيه عام 1925.

كتب قصائد نظمها في الوطنية والعروبة وطرد الفرنسيين رددتها "دمشق" وتغنت بها فلما نشبت الثورة السورية منذ عام 1925 وقام اللهب والحريق والقتال في جنبات الغوطة أرسل قصيدته المشهوره (يوم الفزع الأكبر)، فتناقلها الناس ونشرتها الصحف العربية فأرسل الفرنسيون على إثرها يلاحقونه ففر إلى لبنان واستخفى في قرية "المروج" ثم هرب إلى الاسكندرية سنة 1926 ونزل عند شقيقته السيدة "فائزة" زوجة المرحوم "أحمد قدري".

مكتب الشاعر خليل مردم بك

عاش "المردمي" في الاسكندرية نحو أربعة أشهر ثم سافر إلى انكلترا ليكمل فيها دراسته فانتسب إلى جامعة لندن ولبث فيها لأربع سنوات درس الآداب وحصل منها على شهادة تعادل الدكتوراه وتأثر بالأدب الانكليزي وشعرائه تأثراً كبيراً. ليعود إلى دمشق سنة 1929 بعد صدور قرار العفو عن الوطنيين وأصدر مجلة الثقافة مع زملائه.

*المناصب التي شغلها

ويذكر السيد "تميم" أن الراحل «عين مساعداً لرئيس الأدب العربي في الكلية العلمية الوطنية في دمشق فظل بها نحو عشرة أعوام من عام 1929 – 1939 أخرج فيها العديد من كتبه ودراساته وبحوثه وسلسلته المشهورة (أئمة الأدب).

شغل وظيفة مميز ديوان الرسائل العام في أواخر 1918إلى أواخر 1919 م مساعد رئيس للأدب العربي في الكلية العلمية الوطنية من سنة 1929 حتى 1938 وانتخب أميناً عاماً للسر في المجمع العلمي العربي عام 1941 وعين وزيراً للمعارف سنة 1942 وأعيد انتخابه أميناً عاماً للسر في المجمع سنة 1946 وانتخب عضوا لمجمع فؤاد الأول في القاهرة سنة 1948 وانتخب عضوا للمجمع العراقي في بغداد 1949 وعين وزيراً للمعارف والصحة عام 1949 وانتخب عضو شرف في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن 1951 وعين وزيراً مفوضاً لسورية في العراق سنة 1951 وانتخب عضواً في مجمع البحر المتوسط في بالرمو سنة 1952 وانتخب عضوا في لجنة تحرير دائرة المعارف الإسلامية التي تولت إعادة طبع كتب جماعة من كبار المستشرقين عام 1951 وعين وزيراً للخارجية في عام 1953.

انتخب رئيسا للمجمع العلمي العربي سنة 1953 وساهم في إصدار مجلة الرابطة الأدبية التي صدرت بدمشق سنة 1921 وكان أحد أصحاب مجلة الثقافة الدمشقية التي صدرت في دمشق 1933. له سلسلة من الملفات– أئمة الأدب صدر منها خمسة أجزاء وله رسالة بعنوان (شعراء الشام في القرن الثالث) حقق ثلاثة دواوين قام بطبعها المجمع العلمي العربي».

*ماذا قيل فيه

ورد في كتاب "شاعر الشام خليل مردم بك" تأليف د. عبد المنعم خفاجي الأستاذ والعميد بجامعة الأزهر بالقاهرة الصادر عن دار الجبل في بيروت عام 1992 الطبعة الأولى في الصفحة الخامسة منه ما يلي: «"خليل مردم بك" شاعر الشام أحد الرواد في العالم العربي في القرن العشرين والشاعر الكبير الذي خلدته روائعه الشعرية في صفحات الشعر الشامي في عصرنا الحالي علماً كبيراً من أعلام الشعر العربي المعاصر. والأديب الصحفي والمفكر الذي أدى دوراً كبيراً في حياتنا المعاصرة من أجل إثراء الفكر العربي واللغة العربية والأدب العربي الحديث إثراء كبير امتد أثره على مرور الأيام»

ورد في جريدة الشرق الأوسط التي تصدر في السعودية ولندن في العدد 6445 الأحد 21/7/1996 تحت عنوان (هذا اليوم في التاريخ) لنجدت فتحي صفوة: «في مثل هذا اليوم قبل 37 سنة أي في شهر تموز 1959 توفي في دمشق الشاعر والدبلوماسي السوري "خليل مردم بك" الذي شغل مناصب سياسية ودبلوماسية رفيعة وكان شاعراً رقيق العبارة جميل الوصف وباحثاً أديباً ضليعاً. دفن بالباب الصغير وكان عند وفاته في الرابعة الستين من العمر».

• الباحث تميم مردم بك ابن عم الراحل خليل مردم بك بك من الدرجة الثانية.