نعت الأوساط الفنية والثقافية في سورية الفنان المبدع "أسعد الجابر" الذي توفى صباح يوم الخميس 14/4/2011 في مسقط رأسه مدينة "الرقة" بعد صراع مرير مع المرض.
وقد شيعت جماهير محافظة "الرقة" جثمان فقيدها "الجابر"، الذي أصيب باحتشاء دماغي غادر منذ أربع سنوات ألزمه البيت، وأقعده الفراش إلى مثواه الأخير في مقبرة "تل البيعة" بمدينة "الرقة"، حيث وري الثرى.
وفاة والدي شكلّت صدمة كبيرة لي، فهو الوالد والأخ والصديق، لقد ارتاحت نفسه من العناء والمرض، والشيء الذي خفف من مصابنا الأليم عزاء الناس لنا ومحبتهم على المستويين الشعبي والرسمي، وأشكر كل من تفضل بتقديم واجب العزاء، وعلى رأسهم أهل "الرقة" جميعاً، ومحافظ "الرقة"، ونقابة الفنانين ممثلة بالفنانة "فاديا خطاب"، وفروع النقابة في المحافظات السورية كافة
والفنان "أسعد الجابر" من مواليد الرقة عام /1949/ بدأ مشواره الفني مبكراً بالغناء والعمل في المسرح إعداداً وتمثيلاً وإخراجاً، وأثناء انتقاله إلى "دمشق" توجه للتمثيل فقد كان التمثيل حلم حياته كما يقول وله عشرات الأعمال الدرامية والسهرات التلفزيونية إضافة للعديد من الأعمال الإذاعية.
وكان الفنان "الجابر" قد ولد في بيئة بسيطة حيث كان العمل في مجال الفن شبه مجهول بالنسبة إليها، لكنه كان موهوباً بالفطرة حيث غنى الأغاني التراثية الفراتية التي لاقت استحسان المستمعين.
وحول رحيله الفاجع التقى موقع eRaqqa شقيقته السيدة "أمينة الجابر"، التي كانت آخر من رآها هي وأولادها، فتحدثت والدموع في عينيها، منعية وفاة شقيقها قائلة:
«اليوم فقدت شقيقي وابني وأبي، وعزائي بأبنائه، وما تركه خلفه من إرث فني، لقد كانت لحظة مغادرته من أقسى اللحظات التي صادفتني بحياتي، فقد توفي بين يدي، ولا يمكن أن أنسى هذه اللحظة ما حييت، لقد فاجأني قائلاً إنه يموت، فاحتضنته مع ابنتي "لطفية" التي كانت تشرف على علاجه، وقلت له: بعيد الشر عنك، إن شاء الله يكون يومي قبلك، وقال والدموع تملأ عينيه: أموت قبلك من أجل أن تبكي عليّ، وقبّلني وقبّل ابنتي، وطلب أن نسامحه، وأوصانا برعاية أبنائه، وفارق الحياة بين أيدينا.
ربعك ينادونك ورا البيت/ تراني يا ربعي توفيت
ربعـك ينادونـك تعـلل/ نقد الذهب حجي المدلل
لقعد على درب معبرهم/ وسايل أهل الشام عنهـم
دزيتلك عصبـة جبينـي/ ولزوم يا بن أمي تجيني
دزيتلك مكتوب ما جيت/ وبأرض الخلا بنيت لك بيت
درب الشـام دقدقـو/ واسمك ياخيّ من النقابة محوه».
وتحدث ابنه "باسل الجابر" قائلاً: «لا يمكن وصف حالة الحزن التي نعيشها، فالحزن كبير بفراق والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته، لقد كان والدي رجلاً طيباً، ومحبوباً من الناس، وخاصة أهل "الرقة"، كان عصامياً كافح وجاهد من أجل تربيتنا، وتنشئتنا على حب الناس والوطن، وكان خدوماً ووفياً لبلده، ومخلصاً للوطن، وغنى ومثّل وعمل جاهداً لرفع اسم الوطن عالياً في جميع المحافل الدولية والمهرجانات الفنية، وهو يستحق أن نحزن عليه، وأن نبكيه لأنه مثال الأب والصديق، ونحمد الله على كل شيء».
وتحدث ابنه "مهند الجابر"، قائلاً: «وفاة والدي شكلّت صدمة كبيرة لي، فهو الوالد والأخ والصديق، لقد ارتاحت نفسه من العناء والمرض، والشيء الذي خفف من مصابنا الأليم عزاء الناس لنا ومحبتهم على المستويين الشعبي والرسمي، وأشكر كل من تفضل بتقديم واجب العزاء، وعلى رأسهم أهل "الرقة" جميعاً، ومحافظ "الرقة"، ونقابة الفنانين ممثلة بالفنانة "فاديا خطاب"، وفروع النقابة في المحافظات السورية كافة».
أما صديقه السيد "عبد الله العجيلي"، فيقول:
«الفنان "أسعد الجابر" رحمه الله شكلّ جزءاً مهماً من المشهد الفني في سورية، ولا يمكن إنكار دوره الفني الكبير، الذي بدأ منذ ستينيات القرن العشرين إلى تاريخ توقفه بسبب المرض منذ أربع سنوات.
لقد اشتغل "الجابر" بالفن في الوقت الذي كان الناس يستنكرون عليه ذلك بسبب العادات والتقاليد، ومع ذلك تحدى هذا الموروث، وكان قدوة لغيره من الفنانين، وامتداداً للحركة الفنية في محافظة "الرقة" التي بدأت بواكيرها منذ أربعينيات القرن العشرين، واعتبر نفسه استمراراً لهذه المسيرة الناجحة، وعلى هذا الأساس استمرت عطاءاته الفنية تلحيناً وغناءً وتمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً، الأمر الذي فتح له لاحقاً نافذة باتجاه المركز.
ومن المعروف أنه ذهب إلى "دمشق"، حاملاً طابعه ولونه الخاص بالمنطقة الشرقية، و"الرقة" على وجه الخصوص، وهناك شكل حالة فنية متقدمة جسدت اللون الفراتي، ولقي تشجيعاً كبيراً من المهتمين والنقاد، لأنه يمتلك مقومات النجاح، حيث استمر بتقديم لونه الخاص بنكهة المنطقة الفراتية.
أيضاً شكل حالة بنى عليها كثير من الفنانين لونهم الغنائي، وهنا لا يمكن إنكار موهبته في التمثيل من خلال مشاركته بأعمال فنية مهمة على صعيد التلفزيون والسينما، ورحيله بكل تأكيد انتكاسة على مستوى المحافظة والقطر، لكن عزاءنا أن أجيالاً ظهرت فيما بعد وأسست على موروث الراحل الفني، والأسماء أكثر من أن تعد.
بالنسبة لي كان "أسعد" مثال الصديق، على الصعيدين الفني والشخصي، فقد جمعتني به إضافة للصداقة علاقتنا بالموسيقى، وقد شكل برحيله صدمة كبيرة لي، والعزاء بما ترك من إرث فني وحضور متميز».
وحول تجربة الراحل الفنية، تحدث لموقعنا صديقه الفنان "فواز جدوع" قائلاً:
«في بداياته كان للفنان الراحل تجارب في المسرح حيث اشتغل مسرحيات عدة في "الرقة" إخراجاً وإعداداً وتمثيلاً، وكانت من نوع المسرح الشعبي الذي يطرح قضايا وهموم الناس البسطاء، ويستطيع من خلالها أن يرسم الابتسامة على شفاه الحضور، ثم ما لبث أن انتقل في ثمانينيات القرن الماضي إلى "دمشق" بعد تشجيع الفنان الكبير "دريد لحام" له، وكان الإعلامي الكاتب "عمار مصارع" قد قدمه له حين كان يعرض إحدى مسرحياته في "الرقة"، فأعجب بصوته كثيراً وشجعه على احتراف الغناء.
غنى "أسعد الجابر" أغنية تريد "تروح وتنسانا" فلاقت نجاحاً متميزاً من الجمهور والنقاد والمتابعين، ما دفعه لتسجيل مجموعة من الأغنيات المتلاحقة مثل "تذكريني"، و"لو الآه"، و"يا طير يا طاير"، وعدد كبير من الأغنيات التراثية الفراتية، إضافة إلى أغنية "جنة جنة سورية يا وطنا" التي شكلّت حضوراً لافتاً وتغييراً في مسيرة حياته الفنية، وهي الأغنية الوطنية الوحيدة التي غناها، وكانت من أجمل الأغاني على الساحة الفنية في سورية.
وبعد أن تطورت علاقة الفنان "الجابر" بالوسط الفني تعرف على كبار الممثلين واستطاع توثيق أواصر الصداقة معهم فاتجه للتمثيل الذي طالما اعتبره هوايته الأولى والمفضلة، وحلم حياته، فكان أول أدواره على شاشة التلفزيون مع المخرج "سالم الكردي" بمسلسلات درامية عدّة، ومنها "خلف الجدران" للكاتب "هاني السعدي"، وتتالت الأعمال الدرامية التي احتضنت الفنان "الجابر"، خاصة التي تدور أحداثها في البادية أو الصحراء أو البيئة الفراتية ولاسيما أنه نجح في أداء اللهجة وأتقنها وعرف دقائقها ومصطلحاتها لكونه ابن هذه البيئة، وقد عايشها على أرض الواقع، إضافة إلى موهبته الفطرية المتميزة على مستوى التمثيل والغناء، والتي أكدتها قدرته على تجسيد الأدوار المسندة إليه، إضافة إلى تقديمه عدد كبير من الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية التي حقق فيها الفنان الراحل حضوراً مميزاً، فقد شارك في عدد من الأفلام السينمائية والسهرات التلفزيونية».
يذكر أن شخصية "الجابر" النبيلة التي كونها على مدى مسيرته الفنية الطويلة لم تبتعد في أعماله الفنية عن شخصيته الحقيقية، فقد كان صاحب قلب كبير قريب من نفوس جمهوره ومحبيه يؤيده في ذلك مزاجه الرائق والمرح وحسه الإنساني العفوي والصادق.