تتميز التجربة الفنية للفنان التشكيلي " فاتح أبو جديع"، والتي امتدت على أربعة عقود بتنوع في الموضيع المتناولة إضافة لتنوع في التقنية الفنية المستخدمة في تنفيذ أعماله.
eSyria حاور هذا الفنان، وكان لنا معه هذا اللقاء، فتفضل قائلاً:
الآن وبعد مضي 31 سنة مع الفن، ما زلت أعتبر نفسي هاويا، لأن كلمة هاو تعني أنك لا تزال تحمل روح البحث والاكتشاف وترسم ما يلامس روحك. أما المحترف فغالباً ما يمارس الفن كمهنة وتجارة ومقاولة
«بداية علاقتي مع الفن كانت في المرحلة الابتدائية وبأبسط الأدوات، فقد نشأت أثناء اللعب باستخدام جدران المنزل للكتابة، الأمر الذي كان يسبب لنا العقوبات من الأهل حيث كنا نستخدم قطع من الجص المنزلي الذي تطلى به جدران المنازل على الإسمنت غير المطلي "زريقة فقط"، ما يسمح بالرسم فنخرج بما نرسمه ولكننا سرعان ما ندفع ثمن هذا العبث غالياً.
أما في المرحلة الإعدادية والثانوية التي كانت في ثانوية الفرات في "دير الزور" فقد كنا نمارس هواية الرسم في مرسم خاص للطلبة في هذه الثانوية، وكان يدرس فيه فنانون لهم اسمهم في الساحة الفنية في المحافظة كالفنانين التشكيليين "خالد الفراتي" و"عبد الجبار ناصيف" و"وليد الشاهر"، ما حول هذا المرسم إلى ورشة عمل فنية خرجت الكثير من الفنانين فيما بعد كالفنانين التشكيليين "هيثم مشعل" و"جمال شطيحي" و"تحسن عزاوي" و"منير هلاط" و"سامر مدلجي"».
كما كان للصحف والمجلات التي تصدر إبان تلك الفترة دوراً كبيراً في بلورة التجربة الفنية "لفاتح أبو جديع" ومن كان في جيله من فناني "دير الزور"، إذ يتابع حديثه موضحاً ذلك بالقول:
«لعبت مجلة "صباح الخير" المصرية التي كان يرسم فيها فنانين كبار أمثال "جمال كامل" و"هبت عنايات" و"مأمون" و"وجورج بهجوري"، وخصوصاً أن إخراج هذه الدورية يعتمد على الرسم أكثر من التصوير الضوئي، فكانت المجلة تحمل روحا فنية عالية وخصوصاً فن الكاريكاتير فيها، وكذلك مجلة "روز اليوسف" وفنانوها "محي الدين لباد" وجورج بهجوري" و"حجازي" فساعدتني أعمال المقالات الفنية لهؤلاء الفنانين المرموقين على فهم ماهية اللوحة التشكيلية، ومعرفة المدرسة الفنية التي تنتمي إليها كل لوحة، وكذلك التنكنيك اللوني للوحة، إضافة للبصمة الفنية لكل من هؤلاء الفنانين في رحاب المدرسة التي ينتمي إليها الأمر الذي خلق لدي ولعا زاد بمحاكاة أعمال هؤلاء الفنانين سواء بالتأثير أو بآرائهم الفنية ومواضيع لوحاتهم».
وللمناخ الثقافي السائد حينها دور مهم في تطوير تجربة "أبو جديع" الفنية، إذ بين لنا الفنان ذلك متابعاً كلامه:
«ساعد المناخ الثقافي الممتد من نهاية السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات وبشكل كبير، على تطوير تجربتي الفنية وخصوصاً الجو الذي خلقه مركز "إسماعيل حسني" للفنون التشكيلية "بدير الزور" ، وما ضم من فنانين ينتمون لأكثر من رعيل».
أما المعارض الفردية والجماعية لتي شارك بها الفنان التشكيلي "فاتح أبو جديع" فهي كثيرة بينها لنا بقوله:
«أثناء خدمتي الإلزامية نفذت معرضاً فردياً في صالة "غسان كنفاني" في "مخيم اليرموك" وكان هذا هو أول معرض فني لي، وكان في سنة 1982 رداً على اجتياح "بيروت".
بعد ذلك أحدثت نقابة الفنون الجميلة فرعاً لها في "دير الزور"، وكنت من مؤسسي هذه النقابة، ونفذنا معرضاً مشتركا أنا والفنان التشكيلي" أسعد فرزات" في المركز الثقافي العربي "بدير الزور" بعنوان "اعترافات للثورة" وكانت لهذه البداية دفعاً كبيراً في تطوير تجربتي الفنية.
كما نفذت معرضاً فنياً فردياً عام 1986 تناولت فيه بموضوعاتي "أساطير وادي الفرات" وكذلك بعض أسفار التوراة، وذلك بتنفيذ إسقاطات فكرية على الواقع الحالي».
وقد تناول الفنان "فاتح أبو جديع" محاور معينة في لوحاته، كالمدلول الحسي للفضاء الفراتي، وكذلك الحكايا الشعبية، وحول ذلك أضاف قائلاً:
«ثم بدأت برسم الفضاء الفراتي كمدلول حسي بكل ما يحمل من حنين بالاستفادة من تقنية، وأسلوب المنمنمة الإسلامية بطريقة معاصرة.
ثم انتقلت لتجربة رسم الحكايا الشعبية، وقدمت في معرض للعاديات بالاعتماد على كتاب "عبد القادر عياش" الحكايا الشعبية في وادي الفرات.
وأخيراً عملت على فكرة الإنسان المعاصر وتشييئه ونفذت معرضاً بالاشتراك مع الفنانين العزيزتين "رزان المصطفى" و"مرح العكلة"، وكان المعرض بعنوان "أزمة الإنسان وتشوهاته الداخلية" مهداة إلى الشاعر "رياض صالح الحسين".
كما نفذت معرضاً فردياً في المركز الثقافي الروسي في التسعينيات.
ونفذت معرضاً مشتركاً مع الفنان "منير اسماعيل" كانت أعمالي فيه من رسوم الكاريكاتير، وذلك في الساحة العامة في "دير الزور" "ساحة الباسل"، وهي تجربة الأولى من نوعها ليس في "دير الزور"، وإنما في سورية "على ما أعتقد" وكان هذا المعرض رداً على الغزو الأمريكي للعراق.
ونفذت معرضاً آخر على الكورنيش المقابل لمقهى "عصمان بيك" قدمت فيها لوحة بانورامية كبيرة بقياس 171×90 سم.
أشارك بشكل دائم في كافة نشاطات فرع اتحاد الفنانين التشكيليين "بدير الزور" داخل وخارج "دير الزور"».
واختتم الفنان "أبو جديع" حديثه بالقول: «الآن وبعد مضي 31 سنة مع الفن، ما زلت أعتبر نفسي هاويا، لأن كلمة هاو تعني أنك لا تزال تحمل روح البحث والاكتشاف وترسم ما يلامس روحك.
أما المحترف فغالباً ما يمارس الفن كمهنة وتجارة ومقاولة».
ومن زملاء الفنان "فاتح أبو جديع" الذين عايشوا تجربته الفنية منذ عقود، التقينا الفنان التشكيلي "جمال شطيحي" فلخص رأيه في ما قدمه هذا الفنان بالقول: «الفنان "أبو جديع" فنان عصامي، يعتمد على نفسه في تطوير تجربته الفنية، يميل إلى المدرسة التعبيرية في أعماله الأخيرة، واستخدم مادة "الغواش" (وهو عبارة عن ألوان تحل بالماء وتعطي مساحة لونية، وليس شفافية لونية كالألوان المائية التقليدية)، كما تناول في فترة سابقة التراث في لوحاته، وقد وفق في ذلك».
كما التقينا الفنان التشكيلي "وليد الشاهر" الذي شرح لنا النفسية الفنية التي يتمتع بها الفنان "أبو جديع" وتنوع التقنيات الفنية التي استخدمها في رسم أعماله، إذ يقول:
«الفنان "أبو جديع" من الفنانين النشيطين الدؤوبين الذي يمتاز بروح عذبة في عالم الفن التشكيلي، وله تجارب متنوعة ومتعددة، فهو يرسم تارة بألوان "الباستيل" وأخرى "بالغواش"، كما نفذ أعمال فنية استخدم فيها مواد تخدم موضوع اللوحة كالملصقات، وأعقاب السجائر.
كما أنه فنان معطاء إذ ساهم في بناء الحركة التشكيلية في "دير الزور"، وله آمال وطموحات كبيرة. علاقاته بزملائه في الوسط الفني جيدة، وقوية، وهو شخص محبوب من زملائه».
ومن الأشخاص الذين عرفوا الفنان التشكيلي "فاتح أبو جديع"، التقينا الآنسة "سهام ذياب" مسؤولة صالة العرض في فرع اتحاد الفنانين التشكيليين "بدير الزور"، وهي بحكم عملها كانت شاهداً على مشاركات هذا الفنان على مدى سنوات عديدة، فكلمتنا عنه قائلة: «"فاتح أبو جديع" فنان مخلص للفنان، ومثابر فيه، تميز بحرصه الدائم على التواجد والمشاركة في الساحة الفنية في "دير الزور"، كما أنه يتميز بثقافة وخلق عاليين ما جعل له مكانة لدى زملائه في الوسط الفني».