"للميجانا والعتابا" تاريخ لدى أهالي الريف الساحلي في بلاد الشام، إذ إن الناس في افراحها واتراحها تستمتع إليها، وكأن ذلك النوع من الغناء من خلال المواويل والآهات والُعرب الخاصة بها يعبر عن الإنسان الريفي البسيط الذي ما إن يُطرب يؤدي "العتابا والميجانا".
وللوقوف على مدى ارتباط ابناء مدينة "اللاذقية" بهذا النوع من الغناء موقع eLatakia التقى "مأمون محمد" في أحد الأعراس والذي حدثنا قائلاً: «نحن تربينا على أصول الميجانا والعتابا، إذ لم يكن متوافرا لدينا بسبب الظروف المادية الراديو أو التلفاز نستمع من خلاله إلى الأنواع الأخرى من الموسيقا، وبدلاً من ذلك كنا نجتمع في حفلات ليلية في القرية أو في قرية أخرى مجاورة ونغني العتابا سوية. الأمر الذي جعلها بمثابة الآكل والشراب بالنسبة لأبناء مدينة "اللاذقية" خصوصاً الريف الذي لا يمكن لأحد من ابنائه أن يقيم حفلة زفاف أو أية مناسبة أخرى من دون "العتابا"».
هذا النوع من الغناء يحكي عن الأرض والشجر والبشر بطريقة بسيطة وعفوية ومؤثرة بنفس الوقت، فلا أحد يستطيع أن يتكلم عن الأرض ويجعل الآخرين يتأثرون بقيمتها إلا "العتابا والميجانا"، إذ إنها تعطي لكل شيء في الطبيعة والقرية وما يدور حولها حقه"
وعن سبب التعلق الحالي لأبناء الريف في "اللاذقية" بهذا النوع من الغناء رغم توافر التجهيزات السمعية وظهور كم كبير من الأنواع الغنائية الأخرى يقول "كفاح سلطان": «هذا النوع من الغناء يحكي عن الأرض والشجر والبشر بطريقة بسيطة وعفوية ومؤثرة بنفس الوقت، فلا أحد يستطيع أن يتكلم عن الأرض ويجعل الآخرين يتأثرون بقيمتها إلا "العتابا والميجانا"، إذ إنها تعطي لكل شيء في الطبيعة والقرية وما يدور حولها حقه"».
وللتعرف على تمكن هذا الفن الغنائي من الاستمرار والانتشار المحلي والعربي، موقع eLatakia التقى الشاعر والفنان "شادي ياسمين" المعروف في "اللاذقية" بغناء "العتابا والميجانا"، والذي حدثنا عن أهمية "الميجانا والعتابا" في انطلاق أي فنان من بيئته المحلية؛ وبدأ بالقول: «لا يمكن للفنان الشعبي أن ينجح أو ينطلق من بيئته المحلية ما لم يؤد "العتابا والميجانا" فهي قادرة على كشف محاسن الصوت ومساوئه، كما أن "للميجانا والعتابا" دورا كبيرا في كشف نبرة صوت الفنان وجمالها ومدى قدرة هذا الفنان على الاستمرار بالمشوار الفني، لا بل إنها برهان واضح على موهبة الفنان».
وعن تجربته مع هذا النوع من الغناء: «لقد انطلقت من محاورات "الميجانا والعتابا" مع فنانين من نفس البيئة المحلية، وقد لاقت هذه المحاورات محبة الجمهور لا بل إن علاقاتي بالجمهور توطدت من هذه اللقاءات مع فنانين نتحاور فيما بيننا "بالعتابا" عن مواضيع كالصدق والعدل والبيئة والنظافة واحترام الآخر. ومن يستطيع تأدية الميجانا والعتابا فهو بلا شك سيحجز لنفسه مكانا في قلوب المستمعين والمحبين للفن الأصيل، إذ يطلب مني "مواويل وزجل" أكثر مما يطلب مني تأدية أغنية خاصة بي، بدليل ان العتابا هي من تلهب الجمهور لكونها تظهر خامات الفنان ومظاهر القوة والضعف في صوته"».
وعن الدور الذي لعبته الأغنية الساحلية في لفت الأنظار إلى "العتابا والميجانا" يقول "شادي ياسمين": «مما لا شلك فيه أن ابتكار مفردات ذات حس شاعري وصور واقعية أضفى على "الأغنية الساحلية" رونقا خاصا، إذ إنه حتى العتابا الخاصة بتلك الأغنية فيها صور شعرية وابتكارات جديدة للقافية وكذلك التلاعب باللغة مع المحافظة على الكلمة ذات المعنى البسيط والمعبر».
وأضاف: «نحن كشعراء وفنانين حريصين على تأليف كلمات ذات حس شعبي وريفي بسيط ضمن قالب عصري مفهوم وسهل التعبير. وأنا كشاعر عدا كوني فنانا اسعى دائماً لابتكار الجديد، حيث قمت بإضفاء ثوب جديد على بيت العتابا من خلال استخدام قافية مركبة، فعندما تتعدد القافية يصبح الموضوع زجلا والذي هو عبارة عن لون جديد للعتابا لكن ضمن حدوده الشعبية».
وبفضل "العتابا والميجانا" تميز فنانون في ريف "اللاذقية" ووصلوا إلى مختلف انحاء العالم، الأمر الذي جعل لهم مكانة كبيرة في بيئتهم المحلية وخارجها، وعن المبادئ التي يجب اتباعها في "الميجانا والعتابا" يقول "علي آغا" مهندس صوت: «يوجد فنانون شعبيون أدوا أغاني خليجية وغيرها ولم ينجحوا، لأنه لا أحد يستطيع أن يعبر عن الواقع الذي يعيشه الآخر إلا من خلال تجربته، لذا لا داعي للتغيير إلى الكلاسيكي وغيره، بل على الفنان الشعبي أن يهتم بلونه فقط لكونه لونا غنيا وزاخرا بالجمال.
وكما الشعر غني بالتفعيلة والكلاسيك، كذلك العتابا فيها موازين قد ترفع من يؤديها إلى أعلى الدرجات إذا أحسن تأديتها، وهذا ما نلمسه لدى فنانين شعبيين أمثال "علي الديك" و"وفيق حبيب" ومؤخراً "شادي ياسمين" الذي تميز في أداء العتابا والميجانا أكثر من غيره».
وعما تفتقد له "الميجانا والعتابا" السورية لتصبح عالمية على غرار الأغنية الساحلية مثل "سمرا وانا الحاصودي" يقول الشاعر "سليم ياسمين": «تفتقد إلى التوثيق والاهتمام أكثر من قبل وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، بحيث لا يكون هناك محسوبيات لدى البعض، كما يجب أن يكون هناك لجنه رقابية خاصة تراقب الأغاني والعتابا والميجانا، بحيث لا يكون هناك مواويل مبتذلة تلصق بهذا النوع من الغناء الأصيل».