مع اقتراب نهاية السنة الميلادية تتزين الموائد وتضاء الشموع لاستقبال العام الجديد على أمل أن يحمل العام القادم المحبة والسلام للبشرية جمعاء ومائدة رأس السنة في "الحسكة" لها شكل مختلف لما تتضمنه من حلويات واكلا شعبية و"فلكلورية" تحلّ ضيفة كل عام في هذه المناسبة حصراً مضفية سمة خاصة للمائدة "الجزراوية" لا نجدها في سواها ومن هذه الحلويات "العقودة" التي تشغل أوقات الكثير من نساء "الحسكة" بتحضيرها وإعدادها.

eHasakeh ولكشف سر هذه الحلوى التقى مع الآنسة "مريم قرياقس" التي تحدثت عن "العقودة" بالقول: «من أشهر حلويات "الحسكة" الموسمية والتي حملها لنا أجدانا وتوارثناها عنهم تصنع خصيصاً في فترة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة وهي تمتاز بطقوس تصنيعها المميزة حيث تجتمع النساء ويتعاونّ في صنعها ولا يخفى على أحد أنها من حلويات الفلكلور "السرياني والآشوري" وتتكون من مادتين رئيستين هما" لب الجوز" و"الحريرة" وهي أي "الحريرة" أيضاً حلوة "جزراوية" خاصة بمحافظتنا».

كنت أسمع من زملائي أبناء "الحسكة" في الجامعة عن "العقودة" حتى أتيحت لي الفرصة أن أتذوقها فهي تتميز بطعم لذيذ وغريب عن الحلويات التي اعتدنا عليها فطعم "الجوز" مع "الحريرة" مميز جداً إضافة إلى طريقة تصنيعها التي أشبه ما تكون إلى احتفال مبكر بقدوم العيد وهذا شيء لا نجده إلا في "الحسكة"

طريقة تصنيع "العقودة" كما تخبرنا عنها الآنسة "مريم": «نحضر "لب الجوز" المجفف ونقوم بلظمه بواسطة "الابرة" و"خيط قماشي" على شكل "عقد" يصل طوله إلى 60 سم ثم نربط طرفي "العقد" على قطعة خشبية ونعلقه على حبل وبعدها نصنع "الحريرة" التي تتألف من مقدار من "طحين القمح" و"الماء" و"السكر" و"دبس العنب" وبعض "التوابل" مثل "القرفة والبهار وعرق الزنجبيل" حيث نأخذ مقدار من "الطحين" مع ثلاثة مقادير من "الماء" نضع كمية من "التوابل" حسب الرغبة ونضيف إليها كأس من "السك"ر وكأس من "دبس العنب" ويجوز أن نستغني عن "الماء ودبس العنب" بأن نضيف عصير "العنب" بدلاً عنهما ثم نمزج المواد حتى تتجانس مع "الماء" البارد أو "عصير العنب" البارد في وعاء معدني ونضع الوعاء على نار متوسطة الحرارة ونبدأ بعملية "التحريك" المتواصل حتى لا تلتصق بأسفل الوعاء نتركها حتى تغلي أي تصبح "الحريرة" جاهزة للاستعمال».

تحريك الحريرة

وتضيف الآنسة "مريم": «بعد أن تنضج "الحريرة" نقوم بتغطيس "الجوز" الملظوم داخل وعاء "الحريرة" واحداً تلو الآخر بواسطة القطعة الخشبية حفاظاً على سلامة اليدين ونعيد عملية التغطيس ثلاث أو أربع مرات حسب الرغبة لتكتسب "العقودة" سماكة أكبر ثم تعلق على "حبل" أو "منشر" حتى تنشف بشكل جيد وبعد اليوم الرابع نضعها في وعاء كبير وننثر فوقها "طحين القمح" ونغطيها بغطاء معدني لمدة 24 ساعة كي لا يبقى فيها رطوبة وبعدها نعلقها ثانية على "حبل" أو "منشر" ونتركها حتى تجف بشكل جيد فنقوم بقطع "الحبل" عن القطع الخشبية ثم نقطع "العقودة" إلى قطع متوسطة الطول ونضعها في "أكياس مونة" ونخزنها في "الثلاجة" كي تؤكل عند الرغبة وتقدّم على مائدة رأس السنة وفي أيام عيد الميلاد المجيد وهي تتحمل فترة تخزين في "الثلاجة" لأكثر من ستة أشهر».

السيد "عبد الكريم العلي" بائع حلويات ومواد غذائية من محافظة "الحسكة" تحدث عن هذه الحلوى بالقول: «يكثر الطب على "العقودة" في فترة رأس السنة حيث نقوم بشرائها من بعض الأسر التي تصنعها في منازلها ونستورد منها أيضاً من" تركيا" وخصوصاً من مدينة "عنتاب" حيث يترواح سعر الكيلو غرام الواحد بين 250 إلى 500 ليرة سورية ولا يمكن أن نحدد كمية إنتاج المحافظة سنوياً لأنها حلوة شعبية تصنع معظمها في المنازل وتتميز بمذاقها اللذيذ حيث يأخذها مغتربوا المحافظة معهم إلى دول اغترابهم حتى أن بعضهم قال لي مداعباً أن نكهة العيد "الجزراوي" تجدها في "العقودة"».

لب الجوز على المنشر

الآنسة "نورا شماس" من محافظة "حمص" وهي مدرّسة في محافظة "الحسكة" تذوقت "العقودة" وقالت عنها: «كنت أسمع من زملائي أبناء "الحسكة" في الجامعة عن "العقودة" حتى أتيحت لي الفرصة أن أتذوقها فهي تتميز بطعم لذيذ وغريب عن الحلويات التي اعتدنا عليها فطعم "الجوز" مع "الحريرة" مميز جداً إضافة إلى طريقة تصنيعها التي أشبه ما تكون إلى احتفال مبكر بقدوم العيد وهذا شيء لا نجده إلا في "الحسكة"».

أما "بسيم شمعون" من أبناء محافظة "الحسكة" قال عن "العقودة": «تعودنا في كل عام أن نرى "العقودة" تتربع على مائدة رأس السنة فلا تكتمل زينة المائدة دونها ليس لطعمها المختلف فحسب بل أيضاً لأنها تذكرنا بتراثنا وطابعنا "الفلكلوري" المميز الذي تتحلى به محافظتنا فرؤية "العقودة" في أي وقت من السنة يوحي لنا بفرحة العيد وبهجة قدوم السنة الجديدة ولازلت أذكر أيام الطفولة عندما كنا نجتمع مع أمهاتنا لنراقبهن أثناء تحضيرها لنستبشر فرحاً بقدوم العيد».

تغطيس الجوز بالحريرة