تعود التجربة الفنية للفنان "أديب قدورة" لرحلة تبحر في عقدها الرابع، وتتراوح بين الحضور والغياب ولكن الثابت فيها التألق والرسوخ في ذهن المشاهد العربي.

موقع eSyria حاوره في 13/11/2010 عن تجربته الفنية والتي ورد فيها أنه كان ولفترة طويلة النجم السينمائي الأول في سورية، وعن تراجع هذه المكانة، يوعز الفنان "أديب قدورة" الأمر إلى: «بالنسبة للسينما، جاءت فترة كان القطاع العام والقطاع الخاص يعملان بنشاط معين كبير، لكن حالياً ومنذ أكثر من عشر سنوات تقريباً توقف الإنتاج السينمائي الخاص، والنشاط السينمائي حالياً متوقف على المؤسسة العامة للسينما، التي تعمل فيلماً واحداً أو فيلمين في السنة. بالنسبة للتلفزيون عملت عدداً كبيراً من الأعمال، وما يزال يعرض عليَ عدد من الأعمال ولكن لا أشعر بأن هذه الأدوار مناسبة لي فأرفضها، حالياً أقوم بأعمال قليلة بسبب عدم وجود الأعمال التي أطمح إليها».

الدراما السورية متطورة منذ بداياتها في مجال السينما والتلفزيون وكذلك المسرح، لكنها لم تكن منتشرة كما هي الآن، فالفضائيات والتطور التقني الهائل وكثرة شركات الإنتاج، ساهمت في تفجير الطاقات والمواهب لتوفير النجاح للدراما السورية

وإن كان التأني في اختيار الأعمال أثر على استمرارية التواجد في الساحة الفنية، يقول: «عندما يكون حضور الممثل كثيراً وشبه يومي فالناس قد تمله، غيابي ليس له علاقة بأهمية تواجدي أم لا، أنا لست مهتماً بمسألة غيابي إن كان كثيراً أو قليلاً، أنا لا أبحث عن الحضور الدائم على الشاشة، بل أبحث عن أعمال تليق بمكانتي وطموحي، وأن تكون هذه الأعمال تحوي الأدوار التي أبحث عنها، من حيث النوعية والمضمون. بدأت منذ فترة بقبول عروض كـ"ضيف شرف" في التلفزيون، عملت أكثر من دور ومن ثم توقفت لأنهم تعودوا عليَ هكذا، يقولون لي إنه يهمهم حضوري ووجودي في المسلسل، لكني أريد أدواراً بمستوى معين، العملية التي تحدث الآن أنهم يأتون بالمشاهير ليكونوا موجودين في المسلسل بغض النظر عن طبيعة الدور المختار لهم، المسألة تعود لعملية تجارية بحتة».

مع إغراء في الفهد

أجاب عند تذكره لشخصية "عطّاف" بعد حوالي 30 عاماً من أدائها: «هذا العمل "الحب والشتاء" من الأعمال التي أعتز بها، والتي حققت نجاحاً عظيماً على المستوى الجماهيري والفني والفكري في سورية والوطن العربي، هذه النوعية من الأدوار التي أبحث عنها، ودور "عطّاف" كان يراه من يفهم اللغة العربية ومن لا يفهمها، أذكر أناساً لم يكونوا يعرفوا العربية ولكنهم أعجبوا بالجو العام للعمل، ولاقى العمل جماهيرية كبيرة من الصغير والكبير، وأذكر في حينه أن أناسا كثرا سموا مواليدهم الجدد باسم بطل العمل "عطاف"، وأنا شخصياً أفتخر بذاك العمل وذاك الدور».

وإن كان يبحث عن هذه النوعية من الشخصيات "عطّاف، أبو علي شاهين، جيفارا،.."، يجيب: «لا أبداً، هم رشحوني لهذه الأدوار لأنهم رأوني فيها، فالأستاذ "نبيل المالح" مثلاً رشحني لفيلم "الفهد" ولعبت فيه شخصية "أبو علي شاهين"، وبعد فترة معينة رُشّحت لمسلسل "الحب والشتاء"، فهناك شبه بينهم من حيث نوعية الشخصية التي تتقاطع مع صورة شخصية البطل الشعبي».

بقايا صور...

بعد فترة زمنية لا بأس بها من عدم التواجد القوي لـ"أديب قدورة" في الساحة الفنية (سينما، مسرح، تلفزيون)، وإن كان يحمل نفسه المسؤولية عن هذا الغياب، أم المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات، يجيب: «هناك ظروف خاصة حدثت معي، وهناك أسباب أخرى يمكن أن تكون سلبية ضدّي. وسطنا للأسف ليس رائعاً ومثالياً، هناك متسرّبين كثر في الوسط الفني، يرون فناناً لديه عطاء وإبداع، فتكون هوايتهم أن يحاربوه بشكل أو بآخر، هؤلاء متسرّبين بأساليب غريبة وعجيبة ولا أخلاقية وهذا أمر مؤسف، هؤلاء يخربون على أي إنسان معطاء، وهذا موجود في كل المجالات، بدل التعامل على أساس التنافس الشريف، يكون التعامل بالحقد والرغبة بتدمير إمكانيات الطرف الآخر، هؤلاء موجودين وأنا لا أستطيع التعامل بنفس أسلوبهم، لأني أعتبر الفنان شخص أخلاقي وعليه المضي بأخلاقه إلى الأمام، لا أستطيع إتباع الأساليب الملتوية مثلهم».

يعقب الفنان عن الظروف المحيطة بفيلم "الفهد" والتي جعلت منه فيلماً عالمياً: «أي عمل يمكن أن يحقق نجاحاً ويخلد عندما يكون لدى المخرج أدوات فنية ذات مستوى عال. وتفسيري الشخصي لنجاح فيلم "لفهد" يعود إلى أنه تكاملت فيه كل عناصر النجاح من المخرج وكاتب السيناريو المميز "نبيل المالح" وفي انتقائه للقصة التي كتبها الروائي الكبير "حيدر حيدر" كملحمةً شعبية، وكذلك الأهازيج التي كتبها الأديب الراحل "ممدوح عدوان" ولحنها الفنان "سهيل عرفة"، إلى جانب توافر العديد من الفنيين الجيدين، وانتقاء الأستاذ "نبيل المالح" الممثلين وفق رؤية ثاقبة. اجتماع كل هذه العناصر جعل منه عملاً سورياً وعالمياً في آن واحد».

أفيش بقايا صور

أما عن تقييمه لتجربته بعد حوالي أربعة عقود، فيقول: «العمل الجاد والصادق هو عطاء حضاري وإنساني، في السابق عملت مدرساً للفن التشكيلي في إعداديات وثانويات مدينة "حلب"، وكنت أعمل على تطوير مفهوم التدريس الفني، التشكيلي وغيره من الفنون الأخرى، عملت بالمبدأ ذاته عندما انتقلت من التدريس إلى العمل بالديكور للمسرحيات والماكياج وتصميم الأزياء والإضاءة وتصميم الدعاية والإعلان.. إلخ. فقد رشحت لأفلام عالمية للمنتج الفرنسي العالمي "والمان" والممثل الفرنسي "فريدريك دي باسكال"، وعملت فيلماً عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان من إنتاج وإخراج المخرج الإيراني "كاوش" وفيلماً إيطالياً من انتاج وإخراج المخرج الإيطالي "تويني"، كل هذا إضافة للأعمال الأخرى التي قدمتها يشعرني بالرضى النسبي، مع قناعتي بأنني كان من الممكن أن أقدم أكثر في هذه المسيرة».‏

وعن مكانة الدراما السورية بين الدرامات العربية يضيف: «الدراما السورية متطورة منذ بداياتها في مجال السينما والتلفزيون وكذلك المسرح، لكنها لم تكن منتشرة كما هي الآن، فالفضائيات والتطور التقني الهائل وكثرة شركات الإنتاج، ساهمت في تفجير الطاقات والمواهب لتوفير النجاح للدراما السورية».

المحامي "أحمد عمر الرفاعي" يقول: «رغم أن الفنان "أديب قدورة" لعب أدواراً جريئة، إلا أن ما رسخ من أدواره في الذهن هي الأدوار التي حارب فيها الظلم وقاوم دفاعاً عن قيم الخير، كما في شخصية "عطاف" التي حركت الوجدان العربي لرجل قاوم الظلم واستشهد نتيجة الخيانة، وكذلك "أبو علي شاهين، ودوره في "بقايا صور"».

السيدة "هنادي سليطن" تضيف: «في منتصف السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات، بقي الفنان "أديب قدورة" النجم الأول في سورية وكثيرات من فتنّ به لأنه كان يمثل صورة الرجل بهيئته ورخامة صوته، والأدوار التي لعبها كثيراً ما كانت جميلة، وكان ينجح دائماً في كل البيئات التي لعبها "الساحلي، البدوي، المدني"».