بدأت أعمال التنقيب في تل "العشارة" الأثري "ترقا" في نهايات الربع الأول من القرن الماضي، وتتالت عليها العديد من البعثات الأثرية من عدة دول ما يؤكد لنا أهمية هذا الموقع، وغناه الحضاري.
eSyria التقى الباحث الآثاري "يعرب العبد الله" ليعطينا فكرة مفصلة لتاريخ التنقيب في هذا التل المهم، فتفضل قائلاً: «بدأ التنقيب الأثري في تل العشارة "ترقا" في سنة 1923م عندما جاء الفرنسيان "ب. دورم" و"ف. تورو-دنجان" إلى تل "العشارة"، وقاما بأعمال تنقيب سريعة ومحدودة، واستطاعا بفضل نتائج هذه الأعمال كشف النقاب عن فترة زمنية محدودة من تاريخ الموقع، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد».
بدأ التنقيب الأثري في تل العشارة "ترقا" في سنة 1923م عندما جاء الفرنسيان "ب. دورم" و"ف. تورو-دنجان" إلى تل "العشارة"، وقاما بأعمال تنقيب سريعة ومحدودة، واستطاعا بفضل نتائج هذه الأعمال كشف النقاب عن فترة زمنية محدودة من تاريخ الموقع، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد
وكان لاكتشاف مملكة "ماري" دوراً إيجابياً للعمل الأثري في مدينة "ترقا" الأثرية من حيث ورود ذكر الأخيرة في الرقم المكتشفة في مملكة "ماري" ما يؤكد على الأهمية التاريخية لها، ولكن أيضاً لعب اكتشاف "ماري" دوراً سلبياً من حيث صرف أنظار الباحثين عن التنقيب في "ترقا"، إذ يلخص لنا الباحث "العبد الله" ذلك بقوله: «بعد عدة أعوام من هذه التنقيبات حدث اكتشاف أثري هام في المنطقة المجاورة، حيث تمّ اكتشاف موقع تل الحريري "ماري"، وهذا ما أدى إلى تحول اهتمام الباحثين الفرنسيين إلى التنقيب هناك، وعلى الرغم من العثور في ماري على عدد من الرسائل المكتوبة بالمسمارية، والتي ذُكِر فيها اسـم "ترقا"، والعثور في تل العشارة سنة 1948م أيضاً على لوحة فنية آشورية– آرامية من القرن الثامن قبل الميلاد، فإن ذلك لم يحرك الاهتمام بتل العشارة، وظل الاهتمام منصباً على "ماري"».
استمر هذا الانقطاع بالعمل الأثري في موقع "ترقا" من أربعينيات القرن الماضي وحتى عام 1974 حتى نشط التنقيب من جديد على يد الباحثين والعلماء الأمريكيين، فيتابع "العبد الله" شارحاً ذلك بقوله: «بقيت الأمور على ما هي عليه حتى عام 1974م عندما حصل باحث اسمه "كارتر" من جامعة "جون هوبكنز" على ترخيص للتنقيب في موقع "ترقا"، فأجرى بعض الأعمال التمهيدية في الموقع لمدة عشرة أيام فقط، ثم استمر العمل سنة 1975م ولكن بإدارة "هيليرس"، وكان هذا الموسم هو بداية أعمال التنقيب الممنهجة في الموقع.
أصبحت البعثة في سنة 1976م مشتركة تضم باحثين من عدة جامعات، وكانت بإدارة عالم الآثار الشهير "جورجيو بوتشـيلاتي" وزوجته "مارلين- كلّي بوتشـيلاتي"، وبدأت أعمال تنقيب منظمة متواصلة كل سنة، وكانت أهم الجامعات والمعاهد التي شاركت في البعثة هي: المعهد الدولـي لدراسات منطقة بلاد الرافدين، وثـلاث جامعات أمريكية هي: جامعة "كاليفورنيا- لوس أنجلوس"، جامعة "هوبكنز"، وجامعة "أريزونا"، إضافة إلى جامعة "روما" الإيطالية.
استمر "بوتشيلاتي" بإدارة أعمال البحث الأثري في الموقع حتى عام 1987م، ثم تابعت العمل من بعد ذلك في موقع تل "العشـارة" لبعثة "فرنسـية" بإدارة "أوليفييه روو" من جامعة "ليون" الثانية، ثم التحقت بها بعثة إيطالية من جامعة "بافيا" برئاسة زوجته "ماريا غراسيا ماسيتي-روو"، وتوسعت أعمال التنقيب بدءاً من سنة 2000م لتشمل موقع "المصايخ" المجاور لتل "العشارة" أيضاً».
ويعتبر عام 2005 انعطافة مهمة بالنسبة للتنقيب بهذا التل، بسبب تشكيل بعثة سورية- فرنسية مشتركة، إذ يتابع "العبد الله" شارحاً ذلك بالقول: «في عام 2005م تم تشكيل بعثة سورية- فرنسية مشتركة يترأسها من الجانب الفرنسي "روو"، ومن الجانب السوري مدير دائرة آثار دير الزور الأسبق الآثاري "ياسر شوحان"، وتم التوسع في أعمال التنقيب لتشمل موقعي "المشتلة" و"المروانية" المجاورين لتل "العشارة"، والغاية من هذا التوسع في التنقيب هو البحث عن شواهد أثرية تعود إلى الألف الأول ق.م، عندما كانت ترقا عاصمة لإمارة "لاقي" الآرامية، حيث لم يتم العثور على الكثير من الشواهد الأثرية العائدة إلى هذه الفترة الزمنية خلال التنقيبات السابقة في تل العشارة».
كما بينت عمليات التنقيب وجود خمس سويات أثرية، لخصها المهندس "أمير حيو" المدير السابق لدائرة الآثار والمتاحف في "دير الزور" بالقول: «بلغت أعمال التنقيب- حتى عام "2006م"- خمسة وعشرين موسماً، وبات من الواضح وجود خمس سويات أثرية تمثل مراحل الاستيطان البشري في الموقع، وتمتد بين الألف الثالث ق.م والقرن الثاني عشر الميلادي، تتخللها انقطاعات تدل على هجر الموقع وهذه السويات هي:
السوية الأولى: تعود إلى الألف الثالث ق.م، وضمت السور الدفاعي المحيط بالمدينة القديمة، ولم يتم العثور في الموقع ومحيطه على أية شواهد تدل على استيطان الموقع في العصور التاريخية الأقدم وفي عصور ما قبل التاريخ، ولكن هناك بعض الشواهد من موقع "القوريّة" المجاور توضح الاستيطان البشري في المنطقة.
السوية الثانية: تعود إلى النصف الأول من الألف الثاني ق.م، وضمت أهم المكتشفات الأثرية، وهي معبد الإلهة "نين كرَّك" وبيت "بوزوروم"، وأحياء سكنية، كما تم العثور على أجزاء من السور الدفاعي المحيط بالمدينة تعود إلى هذه الحقبة، بالإضافة إلى اكتشاف أرشيف كامل من الرقم المسمارية في بيت "بوزوروم" يعود إلى فترة "خانا"، وتم العثور أيضاً على لقى متنوعة من أختام وأوانٍ فخارية وبعض الدمى المصنوعة من الطين.
السوية الثالثة: تعود إلى العصر الحديدي "الألف الأول ق.م"، وقد ضـمت بعض القبور واللقى الفخارية، ولوحة مسمارية آشورية- أرامية تعود إلى عهد الملك الآشوري "توكولتي نينورتا" الثاني.
السوية الرابعة: تعود إلى الألف الأول الميلادي، ولم يُكشف عن شواهد أثرية هامة من هذه الحقبة باستثناء بعض المنشآت المعمارية التي تهدم معظمها.
السوية الخامسة: تعود إلى العصور الإسـلامية "الفترة الأيوبية في القرن الثاني عشر الميلادي" واللقى فيها عبارة عن بعض المدافن، واللقى الفخارية"».