العشارية، والعرجاء، والكردية، والشرقية، من أنواع الدبكات في "النبك" وهي معروفة في بلاد سورية ولبنان وفلسطين والعراق، يقوم بها الشباب والشابات أيام الأعراس والأفراح والمواسم، ويشترك فيها من يشاء ممن يحسن القيام بحركاتها وسكناتها ويشارك فيها من له إلمام بجميع أنواعها، إذ للشباب دبكاتهم الخاصة، وللنساء والبنات دبكات.
«كان الشباب قبلاً يتخذون الدبكة مدعاةً للافتخار بأجسامهم وشبابهم وتفننهم وبراعتهم في الرقص الخالي من كل خلاعة وتهتك، أو وسيلةً للرياضة البدنية، وتارة لمباراة الأدباء، والتلذذ بسماع أقوالهم، والنساء يتخذنها رقصاً وغناءً وطرباً وفرحاً ورياضة أيضاً»، الحديث كان للباحث التاريخي الدكتور "خالد الطبجي" لموقع eSyria قائلاً:
اعتمد معظم شبابنا على عادات النبك ذلك لأن آباءنا كانوا يحدثوننا أن الدبكة النبكية وما تحمل من محبة وتكافل اجتماعي جعلت مجتمعنا أكثر تماسكاً وارتباطاً بالبيئة المحلية
«تقسم دبكة الشباب إلى "عشارية، وعرجاء، وكردية، وشرقية، وشمالية، وغربية" وغيرها، ودبكة النساء إلى "هادئة ومستعجلة"، أما طريقتها فيجتمع الشباب في دار العريس الفسيحة الأرجاء، أو في ساحة، ويعقدون حلقة غير كاملة، متماسكين بالأَيدي، متماسين بالأكتاف فيبدؤون من أطولهم قامة، ثم الأقصر فالأقصر حتى الآخر، وعلى رأس هذه الحلقة "السندة"، فيسند الشباب ويقودهم ويضبّط حركتهم وسيرهم كما تقتضيه الأصول، ثم يأتي شاب من المشهورين المشهود لهم بقيادة الدبكة وإتقانهم لجميع أنواعها، وبيده سيف أو عصا أو منديل مطرز الأطراف بحرير ملون، فيترأس هذه الحلقة ويقودها على ما يقتضيه نظام الدبكة وأصولها، وهذا يسمونه "القيدة"، ويقوم في وسط هذه الحلقة شاب يحسن النفخ في المزمار أو الشبَّابة، أو شاب يحمل طبلاً يقرعه عند الاقتضاء، فيطلب "القيدة" من حامل الطبل أن يضربه للدبكة العربية مثلاً، ويفتتحها على التوقيع المطلوب والأصول المتبعة ويتبعه بذلك "السندة" بنقل الرجلين وحركة الجسم بضبط وإتقان ليكون قدوة للشباب الذين بعده، فيتبعونه كلهم كأنهم جسم واحد، يميلون كيفما مال قائدهم يميناً أو يساراً بغاية الإتقان، يتقدمون ويتأخرون بخطوات معدودة ومنتظمة تتجسم فيها الرجولية والقوة والنشاط والفن والنظام بكل معانيها».
وتابع الباحث الدكتور "الطبجي" قوله: «يأخذ "القيدة" يتفنن بحركاته وخطواته الموزونة وتنقلاته المتقنة وقفزاته المضبوطة، لا يخلّ بنظام الدبكة قيد شعرة ولا يتعدى الحركة العامة مطلقاً مهما تقلب وتفنن بحركاته، ويساعده على ذلك "السندة" سانداً الشبان، مؤخراً سيرهم، ليبقى "القيدة" حرّاً بحركاته وكثيراً ما كانت تدوم الدورة الواحدة نحو ساعة قبل أن يرجع "القيدة" إلى المكان الذي بدأ منه الدبكة، وهذا يـُعدّ براعةً وإتقاناً، وهو يلعب بالسيف حيناً، وتارةً يقفز قفزتين بينما الباقون يقفزون قفزة واحدة، وجميعهم يسكنون ويضربون الأرض بأرجلهم ضربةً واحدة في وقت واحد، وتارة تراه كأنه يخالف النظام العام بحركاته وقفزاته ولا تلبث أن تراه عاد إلى النظام وسار قيد الأصول، ويجتمع الناس حول هذه الحلقة بالمئات يتفرجون ويتمتعون بهذا المنظر البهج وهم قيامٌ وقعود يشربون القهوة والنارجيلة، مسرورين بمرأى شبان تتدفق الصحة من وجوههم والنشاط من أجسامهم والابتسامات من ثغورهم وكلٌ منهم يقول في نفسه "يا نفس اشتدّي، وما حدا قدّي" ويضرب الأرض برجله متجبراً عليها بشبابه وهو يميل كالغصن الرطب مع الهواء كيفما مال».
للدبكة فنون وإبداع وهي تدخل ضمن عادات وتقاليد أهالي "النبك" لأنها تتميز بدبكة خاصة وبحركات لها إيقاعها ذلك ما أوضحه الأستاذ "نادر بحبوح" رئيس المركز الثقافي العربي في النبك وتابع بالقول: «عرفت "النبك" بأن لدبكتها خصوصية ما بين الشباب والبنات أو الجنسين معاً، وقد دون ذلك عدد من الباحثين في المنطقة، من حيث إنها تشكل نمطاً اجتماعياً ذا جمالية الأمر الذي دفع المركز الثقافي إلى أن يبقي على هذه العادة الجميلة بتشكيل فرقة للفنون الشعبية مستعينة بخبرات فنية معاصرة».
وتحدثت المغتربة ابنة "النبك" السيدة "هند خنشت" عن البهجة التي تميزت بها الدبكة النبكية بقولها: «كانت النساء يرقصن بفرح ويدبكن بملازمة الشباب الذين كانوا يعبرون عن عادات وتقاليد عربية أصيلة بما يتميز بها الشاب من كرامة وأصالة ومحافظة على قيمهم ومثلهم ولهذا كنا نشعر بقيمة ثقافية اجتماعية في الدبكات النبكية لتي لها إيقاع خاص وطريقة أداء متميزة».
ومن جيل الشباب تحدث السيد "محمد عبد السلام" المهتم بالتراث الشعبي بالقول: «اعتمد معظم شبابنا على عادات النبك ذلك لأن آباءنا كانوا يحدثوننا أن الدبكة النبكية وما تحمل من محبة وتكافل اجتماعي جعلت مجتمعنا أكثر تماسكاً وارتباطاً بالبيئة المحلية».