أقنعة ووجوه تبحر في عمق الطين لتلوح لك بغد بريء من كل تلك التفاصيل، تفاصيل عجنت بجانب الحديد والبرونز لتشكل لنا خبرة إبداعية ما ملت في أن تنحت في الحجر والطين، إنها أعمال "عاصم الباشا" السوري الذي أتى ليعرض أعماله من جديد في عاصمته "دمشق".
موقع "eSyria" وخلال حضوره افتتاح معرضه بصالة "تجليات" للفنون التقى بعدد من الحضور الذين أبحروا بكلماتهم عن عجينة "عاصم" وروحه النحتية التي تقاوم بالبقاء.
لم أعرف مبدعاً يجاري "عاصم الباشا" في زهده الحقيقي بنتاج شغله الإبداعي سوى الراحل الكبير "سعد الله ونوس"، فرغم تفردهما كل في مجاله سمعت كلاً منهما على انفراد يصف أعماله بأنها "محاولات"، وقد قال لي "عاصم" غير مرة "كما أنا سوى نحات ينتقل من إخفاق إلى آخر". لست سوى أعور في بلد العميان"
هنا يقول الإعلامي "عمار حسن": «في المرحلة الأخيرة من تطور تجربة "الباشا" ركّز على تذويب الكتلة الصلبة لتكون أكثر رشاقة وحيوية في الفراغ أو لنقل لتتحد فيه ومعه كعالم إنساني تؤثر فيه وتتأثر به، وهنا برزت أعماله على خامة الحديد والبرونز، محاولاً عبر تجريدات نحتية الخلاص من جاذبية الأرض أو الواقع مركزاً تعبيرياً على تخليص العمل من ثقالته وكثافته، وهو بكل هذا التنوع كان ينتقل من مرحلة إلى أخرى عبر تسميات يشف منها نزوعه النقدي إلى التصدي لرداءة الواقع العربي، ولقهر الإنسان فهو يتفاعل معه إلى أقصى الحدود لا بل يعيش الخيبة إلى أقصى الحدود أيضاً وفي ذروة تفاعله يختم أعماله النحتية بضربة قاضية على رؤوس هذه المنحوتات، محاولاً قتل استكانتها وبؤسها وعجزها، إنه ينحت واقعاً لا يمكن ترويضه أو التغير فيه، لكنه يعود ليخرج من صلصاله عجينة لتتمرد أو لتفضح هذا النزف الذي نعيشه، لكنه يصطدم من جديد وفي كل مرة بالوجوه المزيفة لذا نحت الأقنعة، وكان قبلها عمل على الطواطم وقبلها أيضاً على الرؤوس الكبيرة الفارغة والمسيطرة، هذا بعد أن أنفق من عمره 12 سنة على موضوع الخصوبة المرأة والأرض، وكان سبق هذه المرحلة كثير من التحولات على صعيد العمل النحتي والفكرة والشكل».
الكاتب السوري "حسن م. يوسف" يقول: «لم أعرف مبدعاً يجاري "عاصم الباشا" في زهده الحقيقي بنتاج شغله الإبداعي سوى الراحل الكبير "سعد الله ونوس"، فرغم تفردهما كل في مجاله سمعت كلاً منهما على انفراد يصف أعماله بأنها "محاولات"، وقد قال لي "عاصم" غير مرة "كما أنا سوى نحات ينتقل من إخفاق إلى آخر". لست سوى أعور في بلد العميان"».
يتابع: «لا يخفي "عاصم" احتقاره للنحت الزخرفي الذي يقف عند الحدود البرانية للكتلة دون أن يستنطقها، فخلال تجربته الطويلة طوّر أسلوباً فريداً في ضغط المسافة بين داخل وخارج الأشخاص والأشياء، بحيث يعبر كل منهما عن حقيقة الآخر الخبيئة، وقد استطاع في أعماله الأخيرة أن يحقق حلمه في "نحن الفراغ" فهو يصوغ الكتلة بحيث يستدرج خيال المشاهد لاستكمال أبعادها الخفية الممتدة في الفراغ، التي لا يكتمل المعنى بدونها».
التشكيلي والخطاط السوري "منير الشعراني" يقول: «ينقلك إلى إلى عالم آخر مختلف، عالم مزدحم بخامات الخلق وأدواته وتفاصيل أخرى كثيرة، تصخب فيه شخوص تنادي مبدعها ليستكمل خلقها ويبعث فيها الحياة، عالم قلق كما يليق بعالم النحات لا يرى في كل ما أنجزه جواباً شافياً على سؤاله.."ما هو النحت"، نعم ما يزال "عاصم" يبحث عن جواب على سؤاله المؤرق هذا، لذا كان عطاؤه مميزاً، متنوعاً، متجدداً، مفاجئً.
أليس السؤال هو الرحم الحاضن للأجوبة التي سرعان ما تتمحض عن أسئلة جديدة؟!».
"سلوي بكر" روائية مصرية: «مخيفة وطيبة ولا تحتمل هي نحوت "عاصم الباشا"، والخوف لا يتأنى من كل هذه الأجساد المترهلة الصدئة، ولا من تلك النظرات الآسنة التي لا تفضي إلا إلى صحروات موحشة، لكن كل ذلك الخواء الهائل المتصاعد من أرواح منحوتاته هو الذي يثقل الصدر حقاً، ويجعل أعماله لا تحتمل ولا يمكن الصمود معها طويلاً في مكان واحد، فرؤيتها ولمرة واحدة ربما تكفي لأن تنطبع بصماتها في الوجدان إلى الأبد بكل ما فيها من تفاصيل موغلة في ملامسة الجرح الإنساني المعاش، إنها أعمال تليق بمتحف حقاً.. مكانٌ نتجرع فيه كل تلك الجرعات الهائلة من الالم والانكسار».