دفعه فضوله لمعرفة ماذا يعني لقب "دكتور في الموسيقا"، اختار آلة البزق لأنها تنسجم مع ما يريد عزفه من أغاني تركية كانت منتشرة في مدينته "القامشلي"، لم يعلم أنها ستحدد ملامح خطه الموسيقي العام عندما سيحترف الموسيقا. تلك هي مقدمات عازف العود الشاب "ميلاد باهي" قبل أن يأخذه حلمه إلى أماكن كثيرة.

بدأ العزف في عمر السابعة عشرة، لدى الدكتور "محمد عزيز ظاظا"، فتوجه إلى معهده الكائن في مدينة "القامشلي" كان ذلك عام/1999/ حيث اختار آلة "البزق" لكن بعد فترة وجيزة، أدرك مطلبه الحقيقي، المعهد العالي للموسيقا "بدمشق" «اخترت آلة العود، وبدأت دراستها إلى أن قُبلت في المعهد فأكملت تلك الدراسة أكاديمياً، والتخلي عن أي عائق يمكن أن يُؤخر ما أُفكر فيه».

اخترت آلة العود، وبدأت دراستها إلى أن قُبلت في المعهد فأكملت تلك الدراسة أكاديمياً، والتخلي عن أي عائق يمكن أن يُؤخر ما أُفكر فيه

أول أمسية عَزَف فيها "ميلاد" كانت في السنة الأولى له بالمعهد عام /2004/ مع طلاب صف العود وكان له وصلة صولو مع "البيانو"، «أذكر وقتها أن خبير آلة العود "عسكر أليكبيروف" حملني مسؤولية نجاحي كموسيقي طوال فترة دراستي في المعهد بأدائي في هذه الأمسية ونظرة الجميع لي وتقييمي المرهون بظهوري الأول هذا، الحمد لله كانت النتائج ايجابية أكثر مما توقعت حينها».

في أحد مسارح تركيا

أحد أهم أنشطة العازف "ميلاد" هو تعلمه على يد كبار أساتذة الآلة في المنطقة من خلال ورشات عمل في تركيا «أضافت لي الكثير على الصعيد المعرفي الموسيقي واكتسبت رؤى جديدة مختلفة نتيجة الاحتكاك بهم عن قرب وملاحظتي لتفاصيل حياتية يومية تُنمي الحس وترتقي به وصولاً إلى درجات عالية من الذوق والثقافة».

ويضيف "ميلاد": «أسعى كي أتعلم لدى أشخاص ربما لا تأتي الحياة بمثلهم إلا بعد قرون ومنهم أساتذتي في تركيا أمثال يوردال توكجان وميهميت بيتماز ونيجاتي تشيليك».

العازف "ميلاد باهي" في إحدى الأمسيات

أما عن الأسلوب التركي فيقول: «أجده الأميّز لأنه ينطلق من تركيبة الجملة الموسيقية بشكلها البسيط واحتمالات تعقيدها إلى حدها الأقصى دون أن تطغى التقنية المطلوبة لذلك على جوهر الفكرة وتُشتتها، بالإضافة إلى توظيف الأبعاد الصوتية الصغيرة "الكومايات" بشكل يناسب طريقة سير الموسيقا التركية كأسلوب مُعتمد لمدرسة موسيقية مهمة على خلاف المدارس الأخرى التي تستخدم نظام "الكومايات" بشكل عشوائي وارتجالي».

ذَهَبَ "ميلاد" خلف حلمه جنوباً أيضاً وتحديداً إلى القاهرة عند الأستاذ "نصير شما" في بيت العود لتلقي الدروس على يديه يتحدث عن شعوره بالعزف أمام الفنان "شما" فيقول: «شعور مُتجدد، إذ يمنحك طاقة دائمة لا تلبث أن يخمد حماسها حتى تتأجج من جديد لمجرد شعورك بنشاطه اللحظي ولو كان قد مضى على البروفا وقت ليس بقليل».

مع العازف التريك "يوردال توكان"

يعمل "ميلاد" مدرسا مساعدا لمادة الغناء في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق إضافة لتعليمه العزف على العود لعدد من الراغبين بذلك ومُدرس في معهد شبيبة الأسد للموسيقا، يتحدث عن عملية الانتقال من دارس للموسيقا إلى مدرّس لها فيقول: «بعد انتهاء المرحلة الأكاديمية من الدراسة يمتلك الشخص آليات الفكر الصحيحة التي تُمكنه من معرفة التعامل مع طالب العلم لضمان وصول المعلومة له على الأقل».

يعتقد "ميلاد" أن سبب شعبية آلة العود في منطقتنا يعود لكونها رافقت الإنسان منذ /2350/ ق.م حسب المكتشفات الأثرية «مع الأخذ بعين الاعتبار تغيّرها شكلاُ ومضموناً وصناعةً مروراً بكل مرحلة ووعيها الثقافي، فأغلب الموسيقا والغناء والنظريات الموسيقية كانت تُدرّس وتُدْرَسْ على آلة العود لكونها آلة وترية يسهل تحديد النسب الرياضية الصوتية عليها بدقة كتلك التي تركها لنا فيثاغورث وتجاربه "الصندوق الصوتي+ وتر" فكل هذه الأمور رجّحت كفة آلة العود وجعلتها المُفضلة لوجودها المشروط بالعلم الموسيقي وانتشارها بين عامة الناس لتأدية موسيقاهم والشعبية منها».

يقول "ميلاد" إن آلة العود تطورت كثيرا ولا تزال تتطور بشكل سريع «بفضل التجارب التي يقوم بها العازفون المخضرمون من الأساتذة في كل أنحاء العالم وهذا واضح في التسجيلات الموجودة اذ يشكل قاعدة أساسية لنا ولغيرنا لإكمال هذا التطور بنفس السوية».

أما بخصوص المناهج في وطننا العربي فيتحدث قائلاً: «للأسف ذلك يتم عن طريق اجتهادات شخصية لعازفين مهمين دفعهم حبهم لآلة العود لتأليف مناهج تعتمد خبرتهم الشخصية، فإذا حالف الحظ أحدهم ولقي الدعم المادي والمعنوي من قبل المعنيين ربما اعتُمد منهجه للدراسة في المعاهد العليا أو الكليات الموسيقية في بلده، وإذا لم يحالفه بقي داخل مكتبته لا يبصر النور».

إحدى أهم الأفكار الموسيقية التي يعمل عليها "ميلاد"، هي الموسيقا السريانية حيث يُقدّم مع أصدقائه التراث السرياني السوري القديم إلى جانب التراث العربي «إيمانا منا بأن هذا التراث هو تراث سوري الهوية بقدمه وهي محاولات نضفي عليه طابعنا الخاص كفرقة مكونة من أصدقاء (فرقة حلم) تُقدم النادر موسيقياً كالتراث بمختلف أشكاله ومؤلفات لموسيقيين القدامى والجدد».

جاء في تقرير الخبير التركي "ميهميت بيتماز" mehmet bitmezعندما استمع "لميلاد" في "دمشق" ضمن ورشة العمل التي أقامها عام /2006/: «أسلوبه في التقسيم والتكنيك يشبه أسلوبي الى حد كبير، حيث عزف تقسيم من مقام النهوند وسماعي نهوند لـ "مسعود جميل"، وإصداره لصوت العود يتم بتقنية عالية الجودة على صعيد النغمة، أتوقع أن يصبح من العازفين المهمين مستقبلاً».

يذكر أن الفنان "ميلاد باهي" مواليد "الحسكة" /1982/ خريج المعهد العالي للموسيقا بدمشق /2008/ شارك في عدد الأمسيات الموسيقية في دار الأوبرا بدمشق ومسارح أخرى بمختلف المحافظات السورية كما شارك في أمسية موسيقية في "بروكسل" بلجيكا /2008/، وفي مهرجان الشرق الأوسط في "مونتريال" كندا /2009/.