«نحن الذين نصنع الظروف التي تتحكم فينا» هذا ما قاله أحد الفلاسفة راسماً بكلماته هدف كل إنسان يسعى ليحقق حلماً رسم له هو وأهله أعواماً طويلة، وهذا ما حصل مع "منار" التي رسمت طريق كلية الطب ورصفته بعلاماتها التي بلغت 288 من أصل 290 محققة المركز الأول على بلدتها المعضمية (6 كم غرب دمشق) والمركز الثاني على مستوى محافظة "ريف دمشق".
عن تفوقها قالت "منار أحمد الشيخ" لموقع eSyria: «من المهم توافر الأجواء للطالب كي يتفوق، ففي المدرسة إذا سادت المنافسة بين الطلاب يحصل التقدم والتفوق، وفي المنزل يجب التحضير جيداً، وهناك مقومات وعوامل أخرى للتفوق منها الذكاء والمثابرة ووجود الطموح والسعي لتحقيقه بالتصميم والإرادة ولا ننسى التوفيق من الله، كل هذا توافر لي وكنت منذ بدء العام الدراسي أنظم دراستي بدءاً من اليوم الأول للمدرسة، لم أضيع وقتاً أستفيد منه».
لن أنسى تلك اللحظة ما حييت فعندما تبلغت النتيجة قفزت عالياً وصرخت فرحاً، وبقيت غصة في فمي ضياع علامتين واحدة في العلوم وأخرى في التربية الإسلامية، مع أنني كنت خائفة من فقد علامة في اللغة العربية فقط، ولو يتسنى لي إعادة الامتحان لتحقيق العلامة التامة لقبلت
وأضافت: «كنت أقرأ بمعدل أربع ساعات يوميا خلال العام الدراسي، تبدأ بعد صلاة الفجر التي لم أتركها يوماً، وكانت أفضل ساعات قراءتي وأشدها تركيزاً واستفادة بعدها، وفي الانقطاع وبدء الاستعداد للامتحانات زادت ساعات الدراسة وامتدت على مدار اليوم باستثناء فترة الراحة والطعام والصلاة».
وأشادت "منار" بدور ثانوية "المعضمية" وكادرها التدريسي، وخاصة ما كانت توليه المديرة من اهتمام وتفاهم مميز مع الكادر التعليمي لمصلحة الطالبات، وقالت: «ساهمت المدرسة بالارتقاء بمستواي العلمي، وبصراحة حاول أكثر من معهد تعليمي استقطابي ولكنني فضلت المدرسة التي دفعتني إلى الأمام، وأهدي تفوقي لأهلي وللكادر التدريسي دون استثناء، فقد تعبوا معنا ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ونبهونا إليها، وأخص مديرة المدرسة الآنسة "خديجة إدريس" التي لعبت دوراً كبيراً بتفوق طلاب المدرسة منذ استلامها مهام الإدارة إلى الآن».
وحول الدروس الخصوصية وأثرها في التفوق، وهل اعتمدت عليها؟ قالت "منار": «ليست شرطاً أساسياً ولا ثانوياً للتفوق، ولم أعتمد عليها أبداً، ومع أن والدي عرض علي وألح إلا أنني كنت واثقة من نفسي وأقدر ظرف والدي الذي يعيل تسعة أنا أوسطهم، واكتفيت بدورة الصيف في مواد الرياضيات والفيزياء واللغة في معهد تعليمي ولم أكملها حتى نهايتها، وأنصح كل طالب في الشهادة الثانوية أن ينظم وقته ولا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، فالثانوية هي مفترق طرق لمسيرة حياته ولا بد من توظيف كل ما من شأنه أن يحقق التفوق».
وعن لحظة سماعها نبأ تفوقها قالت: «لن أنسى تلك اللحظة ما حييت فعندما تبلغت النتيجة قفزت عالياً وصرخت فرحاً، وبقيت غصة في فمي ضياع علامتين واحدة في العلوم وأخرى في التربية الإسلامية، مع أنني كنت خائفة من فقد علامة في اللغة العربية فقط، ولو يتسنى لي إعادة الامتحان لتحقيق العلامة التامة لقبلت».
السيد "أحمد الشيخ، أبو وائل" والد المتفوقة "منار" قال لموقعنا: «منذ صغرها كانت هادئة وواثقة من نفسها، وتدهشني طريقة تفكيرها، أنا رب أسرة كبيرة وأعمل أكثر من 14 ساعة في اليوم لأعيل أسرتي، فضلاً عن ذلك لم تسمح ظروف حياتي بمتابعة العلم، لهذا أولادي يعتمدون على أنفسهم ومتابعة والدتهم، والحمد لله كلهم متعلمون وجيدون، لكن منار تجاوزت الجميع بتفوقها واعتمادها على نفسها، ولأنني أثق بقدراتها وأعرف ما تمتلك من ثقافة وعلم واهتمام بدراستها، عاملتها بكل الحب والثقة والحرية بما تفعل، لم أفرض رأيي عليها يوماً، وسعادتي لا توصف لتفوقها وتحقيق هدفها».
أما السيدة "صباح الشيخ، أم وائل" والدة "منار" وهي ربة منزل، فتقول: «"منار" منذ صغرها كانت ذكية ومتميزة بترتيبها وأناقتها وتنظيمها، هادئة تكره الفوضى وتسأل عن كل ما لا تعرفه، ومع أننا نسعى لتأمين كافة مستلزمات ومتطلبات الدراسة لها ولإخوتها، إلا أننا أسرة كبيرة والأمور ميسورة والحمد لله، ولكنني كنت أعاني الكثير لتأمين الطعام والنظافة مع أن البنات يساعدنني كثيراً، وخلال الامتحان لم أستطع النوم شعرت بأنني أنا التي أتقدم للامتحان، كنت أحرص على مساعدتها في توفير الجو المناسب خاصة قبل فترة الامتحان، وأقدم لها التغذية المناسبة».
الأستاذ "محمد الشيخ" قريب "منار" وزوج خالتها، قال عن منار: «أتابعها منذ طفولتها، وأرى أنها تستحق التفوق والتميز، فهي واثقة من نفسها وهادئة ومتّزنة، تعتمد على نفسها وتفكر بأسلوب جميل وتنظم وقتها بنفسها، ومن النادر أن تحتاج لتوجيه ملاحظة لها على أمر ما، ومع أنها خجولة بشكل عام إلا أنها لا تترك سؤالاً لا تعرفه إلا وتسأل عنه، ولعل مواظبتها على صلاتها في مواعيدها زرع في نفسها النظام وتنظيم الوقت واستثماره بالشكل الأمثل، كنت لا أشك لحظة في تفوقها وما فاجأني خسارتها للعلامتين وخاصة في التربية الإسلامية».
الآنسة "خديجة إدريس" مديرة ثانوية "المعضمية للبنات" أشادت بمنار وبأخلاقها وتهذيبها واجتهادها، وقالت عنها: «أكثر ما لفت نظري تنافسها مع ثلاثة من زميلاتها، فكنّ (البنات الأربع) يتسابقن على التحضير والمشاركة في شرح الدروس وحل المسائل، وكانت منافستهن مثار الحديث بين المدرسين والمدرسات، إنها منافسة شريفة وداعمة لهن في التقدم والتفوق، ولعل متابعة الكادر التعليمي الممتاز في المدرسة كان له دور جيد في تفوق الطالبات، ومدرستنا دوماً لها حصة من التفوق على مستوى محافظة "ريف دمشق"، ويوم صدور النتائج لا تتخيل كيف يكون وضعي، أستنفر من الصباح الباكر وعندما أحصل على علامة الأوائل من التربية أسرع إلى الهاتف لأتصل بهن وأزف البشرى للمتفوقات منهن، وإن كنت آمل في تفوق الجميع، ولكن "لكل شيء إذا ما تم نقصان"».
الجدير بالذكر أن أسرة "منار" مكونة من أب يعمل في الأعمال الحرة، وأم ربة منزل، أما أشقاؤها وشقيقاتها فهم: "منال" معلمة صف، "وائل" أعمال حرة، "محمد" أدب عربي، "آمال" تعويضات سنّية، "عبد الرحمن" بكالوريا، "بنان" والتوءم "حنان" و"رزان" طلاب، وأما "منار" وهي من مواليد 1992، فقد اختارت دراسة الطب البشري في جامعة "دمشق".