"سوق الحبال" هو من أقدم أسواق مدينة "حلب" وقد ارتبط اسمه تاريخياً بفعالية تقليدية قديمة هي عمليات بيع وشراء الحبال فيه ويقع في الجهة الجنوبية من "الجامع الأموي" مباشرة، وما زال إلى اليوم يشهد حركة تجارية جيدة حيث يشكّل أهل البدو والريف النسبة الأكبر من زبائن السوق منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا.

موقع eAleppo قام بجولةٍ في السوق وهناك التقى عددا من أصحاب الفعاليات فيه تحدثوا خلالها عن تاريخ السوق والتطورات التي حدثت فيه عبر الزمن وواقعه الحالي، فكانت البداية مع السيد "عبد الرحمن دوّارة" 45 سنة وهو أحد تجار الحبال الذي حدثنا بالقول: «تجارة الحبال هي تجارة قديمة في السوق فقبل التطور الذي حققه الإنسان في كافة مناحي الحياة ودخوله إلى ما يُسمى الحياة العصرية كانت هذه التجارة مزدهرة حيث كان الناس وخصوصاً في الريف والبادية يقبلون بشكل كبير جداً على شراء الحبال بغية استخدامها في الكثير من أمورهم الحياتية مثل سحب المياه من الآبار وربط المواشي والحمير والخيام والحمولات على الجمال والأحصنة أثناء نقل البضائع وغيرها، وبالتالي كانت تجارة الحبال من الفعاليات الاقتصادية المربحة».

في البداية أود القول بأنّ "سوق الحبال" هو من أقدم أسواق مدينة "حلب" وقد أصبح ضّيقاً بعد توسيع قبلية الجامع بجانبه ويبلغ عدد محلاته حوالي 65 محلاً

ويضيف "دوّارة": «لقد ورثت هذه التجارة عن والدي الذي ورثها بدوره عن آبائه وأجداده فأنا في هذا المحل منذ حوالي ثلاثين سنة، وخلال هذه الفترة تعرض السوق إلى الكثير من التغيرات فقد ترك العديد من أصحاب المحلات عملهم في تجارة الحبال وغيّروا مصلحتهم ومهنتهم القديمة واستبدلو بها مصالح جديدة مواكبين بذلك التطور الاقتصادي والاجتماعي العام في المدينة مثل بيع الأقمشة والألبسة وغيرها مع تراجع الطلب الشعبي على شراء الحبال.

عبد الرحمن دوارة -من تجار السوق

صناعة الحبال قديماً كانت تتم بالطريقة اليدوية في ورشات خاصة خارج الأسواق لحاجتها إلى مساحات واسعة وذلك باستعمال مواد أولية طبيعية 100% مثل "القنب" و"الليف" و"الحرير" وغيرها وبعد انتهائه من العمل كان الحبّال يحمل إنتاجه إلى السوق ليبيعه بالمفرّق، ومع الزمن تدخلت الآلات في صناعتها وتغيّرت المواد الأولية الداخلة في صناعتها جذرياً حيث أصبحت مادة النايلون هي الأساسية في ذلك وبالتالي تراجع الحبل اليدوي في السوق، كما ضعف الإقبال عموماً على شرائه بسبب دخول الكهرباء إلى حياتنا فمثلاً كان الناس قديماً يحتاجون للحبال بشكل أساسي لسحب المياه من الآبار أما اليوم فتلك العملية تتم بكبس زر وهكذا.

ولكن تجارة الحبال في السوق لم تنته إنما تراجعت عن السابق فحالياً يتم شراء الحبال لاستعمالها في بعض الأمور المحدودة كأحزمة لسيارات النقل الصغيرة وللسيارات الشاحنة وغيرها».

يوسف الشامي -من تجار السوق

أما السيد "يوسف الشامي" 42 سنة وهو تاجر أغراض الحمامات ومن الذين غيّروا مهنتهم في السوق فيقول: «في البداية أود القول بأنّ "سوق الحبال" هو من أقدم أسواق مدينة "حلب" وقد أصبح ضّيقاً بعد توسيع قبلية الجامع بجانبه ويبلغ عدد محلاته حوالي 65 محلاً».

ويضيف" متحدثاً عن الأسباب التي دفعته إلى تغيير مصلحته: «في الأصل كان آبائي وأجدادي يتاجرون بالحبال كباقي تجار السوق ولكن بعد تطور الحياة وتراجع دور الحبل في حياة الناس /حتى في الريف والبادية/ قمنا بتغيير مصلحتنا إلى تجارة قريبة منها وهي بيع أكياس وألياف الحمامات باعتبار أنّ تجارة أكياس وألياف الحمام هي اليوم تجارة دارجة وتشهد إقبالاً جيداً وهي في أغلبها صناعة يدوية محلية وتدخل في صناعتها مادة "الليف" التي تستورد من دولة كينيا في إفريقيا».

جانب من سوق الحبال

وحول أنواع الحبال التي كانت تُصنّع في مدينة "حلب" وتًُباع في السوق ومصدر موادها الأولية يقول "الشامي": «كانت هناك أنواع عديدة للحبال وذلك بحسب المواد الداخلة في تركيبها وأهمها: "حبل القنب" و"حبل الكتان" و"حبل الليف" و"حبل الجنفاس" وغيرها، وحالياً يعد "حبل النايلون" من أكثر الأنواع شيوعاً واستعمالاً من قبل الناس، أما عن مصادر تلك المواد الأولية فالقنب كان يُزرع في "دمشق" في "منطقة الغوطة" و"الكتان" كان يُزرع في "دمشق" أو يستورد من مصر و"الجنفاس" كان مصدره الصين، ويُضاف إلى ذلك أنّ العاملين في مهنة صناعة الحبال كانوا يقومون بجلب الحبال البحرية أو أكياس الخيش بغية تفكيكها لإعادة تصنيعها يدوياً».

ويختم "الشامي" حديثه لموقعنا ببعض الاقتراحات التي يراها ضرورية لتنشيط السوق سياحياً وتجارياً بالقول: «المطلوب من الجهات المعنية تحقيق أمرين في السوق أولهما العمل على إزالة الأسلاك الكهربائية الممددة بشكل عشوائي والتي تشوّه المنظر العام في السوق وتؤثر سلباً على الحركة السياحية فيه وثانيهما أن يقوم الأدلاء السياحيون الذين يرافقون السياح أثناء جولاتهم في السوق بشرح وتوضيح البضائع ووظائفها لهم لأنّ تعرّفهم عليها وعلى وظائفها واستعمالاتها يدفعهم نحو شرائها وبالتالي ترويجاً للصناعة المحلية».