تتميز آلة المجوز التراثية بأنها قادرة على تحريك مشاعر وأحاسيس ذات شجن خاص في أنواع معزوفاتها، وفي السويداء انتشرت بشكل كبير في استخدام المعزوفات بخلق دبكات خاصة تلاءم نوع وأنغام العزف.

ولمزيد من معلومات عن آلة المجوز واستخدامها أوضح الباحث التاريخي "محمود الجباعي" صاحب كتاب صفحات لم تقرأ في التاريخ لموقع eSwueda قائلاً: «آلة المجوز لها مكانتها في تراثنا العربية عامة وفي جبل العرب خاصة، فهي تستخدم في حالات الفرح، والحزن، وفي المعارك لبث روح الحماس والوطنية، إذ عمد أهل الفن في الجبل بإيجاد دبكات منسجمة مع إيقاع وأنغام آلة المجوز، وغالباً تكون في الأفراح، منها معزوفة ودبكة الأصلية، التي يبدأ بها العازف باستهلال مقامي للوقوف على صفين متقابلين من "الدبيكة"، في جهة شخص يسمونه "الرأس"، وعلى عازف المجوز يحرك مشاعرهم وأحاسيسهم، لأن الأصلية تحتاج إلى هدوء في العزف، حيث يبدأ "الدبيّك" الأول أو الرأس، بحركات محلية في مساحة لا تتجاوز 40×40 سم في مكانه، والأهم في دبكة الأصلية أن لا تستخدم كثيراً الأرجل، بل الخصر والأكتاف بحركات إيقاعية بين صد ورد، تجعل الحماس والأنظار تتجه نحو الدبيك المميز، وقد وجد هذا النوع من الدبكة ملازماً مع طبيعة اللباس العربي، القنباز، أو الجلابية، وغالباً ما يترافق مع أغاني الدلعونة بنوعيها الطويل والقصير، وايضاً، يجري في معظم الافراح نوع من التحدي الإبداعي كأن يبدأ أحد الشعراء ضمن مجموعة الدبكة بغنائها تحمل مضمون من يريد المنازلة الشعرية، يرد الآخر عليه، كما في جوقات الزجل، وبعد كل ردة دلعونة تترافق معزوفة على المجوز حماسية يقوم الرأس بأداء حركات لبضع دقائق، ثم يعود إلى الدلعونة، وتسمى دبكة التحدي، وهناك نوع يسمى بالكرجة، وهي أتي على أنغام يا هويدلك يا هويدلي نارك ولا جنة هلي، وهي إيقاعية بسكتات متعددة».

في كل مرة تعقد حلقات الدبكة على آلة المجوز، نشاهد استعراض مميز من الفن والإبداع والأغاني التراثية خاصة عندما يبدأ الشعراء المناقضة في الدلعونا، تستمع الناس لها بكل إنصات سوى الشعراء الذين يبدعون شعراً وصوتاً، والأجمل عندما تبدأ الرماح والسيوف تنتخي أمام عازفو المجاوز في ساحة المعارك والقتال، تلك الحالات أصبحت نادرة، أما اليوم فالدبكة اقتصرت على الأفراح والمناسبات فقط، لعل تلك العادات والدبكات دخلت التراث لقلة استخدامها، إلا بعد أن أعادت جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث، في سهراتها وأمسياتها بإعادتها مجدداً

وعن معزوفة البيارق أو "الجردة" بين عازف المجوز " معضاد أبو خير" قائلاً: «كان يحادي حامل البيرق عازف "المجوز" التي لها تاريخها في مجتمعنا العربي عامة وفي جبلنا خاصة، أما متى وكيف يتم استخدام آلة المجوز الموسيقية في المعارك، فقد يتقدم الثائرين الذاهبين إلى المعركة عازفو آلة المجوز ويعزفون لهم معزوفة أطلق عليها اسم "الجردة" أو اصطلاحاً بمعزوفة "البيارق" وهذه المعزوفة لها خصوصية فهي إضافة إلى أنها تحرك المشاعر إلا أنها تحمل إشارات وعبارات ودلالات كثيرة منها عندما يبدأ الثوار بالتلاحم فيما بينهم لشن الغارة. يقوم عازفي المجوز بعزف استهلالية لتلك المقطوعة سميت "بالنفير" بأنغام معروفه لدى الثوار وعلى مقامات شرقية كالبيات. فيتجمع الأبطال تحت راية القائد . ثم يعزف لهم المعزوفة "الحربجية" وعندها ينطلقون نحو الأعداء وأصواتهم تتعالى بالنخوات وهتاف بالروح نفدي وطنا، ولو صاح صوت المنادي، بالروح نفدي وطنا، وخلال المعركة يكون عازف المجوز ملازماً للثوار فهو لا يقل أهمية عن أي ثائر ومقاوم في قلب المعركة، وبعد الانتصار يعزف لهم معزوفة النصر التي يتخللها الحداء، والدبكة بالرمح والسيف والترس والاستعراض أمام الناس بهما، وفي حال الهزيمة يعزفون الندبة، وهي تحمل طابع الحزن والشجن لاستشهاد الأبطال في المعركة».

الباحث محمود الجباعي

وعن اللحظات الشعورية التي تكتنف الناس أثناء الدبكة على المجوز أوضح المعمر "هايل عز الدين" الذي تجاوز العقد التاسع من العمر قائلاً: «في كل مرة تعقد حلقات الدبكة على آلة المجوز، نشاهد استعراض مميز من الفن والإبداع والأغاني التراثية خاصة عندما يبدأ الشعراء المناقضة في الدلعونا، تستمع الناس لها بكل إنصات سوى الشعراء الذين يبدعون شعراً وصوتاً، والأجمل عندما تبدأ الرماح والسيوف تنتخي أمام عازفو المجاوز في ساحة المعارك والقتال، تلك الحالات أصبحت نادرة، أما اليوم فالدبكة اقتصرت على الأفراح والمناسبات فقط، لعل تلك العادات والدبكات دخلت التراث لقلة استخدامها، إلا بعد أن أعادت جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث، في سهراتها وأمسياتها بإعادتها مجدداً».

ويبقى السؤال، هل تتبنى المؤسسات الثقافية المعنية بحفظ التراث وصونه من الهجمة المعولمة، خصائصه وتحميه من الوافد المشوه لدلالته ورمزيته التي بها نعتز ونفخر؟...

أحد الشعراء يغني لعازف المجوز
المعمر هايل عز الدين