في حي "العزيزية" بمحافظة "الحسكة"، وفي مكانٍ الحركة فيه، لأولئك الذين ترتبط أفئدتهم بالعروج إلى خالق الكون، في صلوات خمس داخل بيت من بيوت الله حيث أقام مرسمه المجاور لتلك الهالة العظيمة، ليستشف من ذلك الألق الخيط الرفيع الذي يربط المسجد بالحضارة والفن والتاريخ...

موقع eHasakeh زار الخطاط "معصوم محمد خلف" في مرسمه المتواضع وحدثنا عن علاقته بالخط العربي حيث قال: «منذ أكثر من عقدين وأنا أحاول بشتى الوسائل الوصول إلى النشوة التي تتحقق معها حوارية الفن بالكمال فلكل أمةٍ في التاريخ مرآة عاكسة لعقلها وذوقها في عالم الفكر والثقافة، وكلما كان العقل والإبداع أكثر تألقاً وعطاءً، كانت المرآة أكثر صفاءً وجلاءً فلا قيمة لأمة، لا تمتلك إرثاً فنياً وإبداعياً وحضارياً لأنها أمة بلا جذور وبلا هوية».

أطمح إلى أن تحذو "الحسكة" حذو محافظة "الرقة"، وغيرها من المحافظات لقطع أشواط متقدمة في تكريم المبدعين وتشجيع الموهوبين، كما أطمح إلى أن تكون هناك صالة دائمة للخط العربي يتبارى فيه الخطاطون بتقديم كل جديد لديهم

يضيف "خلف": «بدأت في شوق إلى الخط العربي عندما أحسست أن هناك تآلفاً يشدني نحو صميمية الحرف، وفي داخلي تناغم بين ما أكتبه وبين فن الخط، فتطورت تلك المحاورة وذلك التآلف إلى محاكاة حقيقية ما بين التدريب والإحساس بالتطوير، ما جعلني أذوب في متاهات شاسعة من القاعدة الأصلية للحرف والكلمة، فالخط هو فن الكتابة الجميلة التي تزين النص وتضيف إليه قيمة تأويلية مميزة، ولقد كان للقرآن الكريم دور كبير في تطور الخط، والذي أصبح رمزاً للحضارة العربية والإسلامية».

الجلي الديواني

يضيف "معصوم": «الخط هو المعبّر عن روح صاحبه وشخصيته وفكره، فالتأنق في كتابة كلمة أو جملة والحرص على توضيحها ما هو إلا دليل على احتفاء الكاتب بمضمون تلك الجملة، فالخط والفكرة يؤازر كل منهما الآخر ويحفزه على المزيد من الأناقة وعمق الدلالة وروعة التعبير، فأبرز ما يميّز الحروف العربية أنها تكتب متصلة أكثر الأحيان، وهذا يعطي للحروف إمكانيات تشكيلية كبيرة دون أن يخرج عن الهيكل الأساسي لها».

أما عن مسيرة الخط العربي فيقول: «ازدهر الخط العربي في عهد بني أمية وظهر بعض الكتبة والخطاطين، منهم "خشنام" و"خالد الهياج" و"قطبة المحرر"، وغيرهم من الذين جودوا في كتابة النسخي القديم فظهرت أنواع أربعة هي: الجليل والطومار والثلث والنصف ويعتقد أن "قطبة المحرر" هو أول من أبدع في تطوير الخط العربي».

الخط الثلث

يضيف "خلف": «للخط العربي أنواع عديدة منها البسيط الواضح ومنها الصعب المعقد، وللخط ثلاثة عشر نوعاً هي: الثلث والنسخي الفني والنسخي الدفتري والرقعي والفارسي والديواني الجلي والديواني الشاهاني والريحاني والكوفي المشرقي والكوفي الأندلسي والقيرواني والمغربي المسماري، غير أن المتداول عند الخطاطين المشارقة اليوم سبعة أنواع مثل، الخط الكوفي والخط النسخي والخط الثلث والخط الفارسي والخط الديواني والجلي ديواني والخط الرقعي وخط الإجازة، أما أصعب أنواع الخطوط فهو خط الثلث ومن يتقن هذا الخط الصعب جدير بلقب الخطاط المحترف وصعوبة هذا الخط في دقة مقاييس الحرف عبر طوله وسعته وامتداده».

وعن الأثر الذي أحدثه الكمبيوتر يقول خلف": «بعد أن كان الخط العربي حكراً على الفنان الذي يمتلك موهبة كتابته، يسر الحاسوب لأي شخص أن يكتب بخط جميل، ولكن على الرغم من كل أنواع الخطوط التي توجد في هذه الأجهزة، يبقى فن الخط سيّد الموقف في جميع الأحوال، فالروحانية التي تتمتع بها لوحة الخطاط تختلف اختلافاً كبيراً عن خط الكمبيوتر، ولكن تبقى آمالنا معقودة على الكمبيوتر، في مساعدة الخطاط نحو ابتكار نماذج مترادفة للوحة القصب».

الخط الفارسي

والجدير بالذكر أن للفنان عدة مشاركات داخل القطر وخارجه يقول عنها: «- معرض للخط العربي بالحسكة في آذار 2005م. - معرض في مدينة تل رفعت التابعة لمحافظة حلب عام 2006م. - أشارك في مسابقات استانبول لفن الخط منذ أكثر من عشر سنوات. - أشارك في مسابقة جائزة البردة في الإمارات العربية المتحدة لعام 2009م. - أُحضّر حالياً لإقامة معرض "الحروفية العربية وأقوال العظماء" في بيروت أواخر شهر أيار 2010م».

وقد حصل الخطاط معصوم على عدة جوائز منها: «- الجائزة الأولى لمسابقة فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة دورة 2004م. - الجائزة الأولى لنقابة المعلمين على مستوى القطر لعام 2005م. - الجائزة الثانية لمسابقة نادي الطائف الأدبي بالمملكة العربية السعودية لعام 2005م».

ويختم "خلف" حديثه بالقول: «أطمح إلى أن تحذو "الحسكة" حذو محافظة "الرقة"، وغيرها من المحافظات لقطع أشواط متقدمة في تكريم المبدعين وتشجيع الموهوبين، كما أطمح إلى أن تكون هناك صالة دائمة للخط العربي يتبارى فيه الخطاطون بتقديم كل جديد لديهم».

الخطاط "محمد طاووس" يقول: «"معصوم" فنان متألق فعلاوة على خطه الجميل إلا أن لديه فكراً متقداً، فقصبته التي تكتب على الورق تستمد حنانها وتمايلها بين ثنايا الحروف من صاحبها، ففي المطلق هو فنان يجيد كل أنواع الخطوط، وله في الخط لون جميل فلوحاته معروفة حتى وإن لم تذيل بتوقيعه، له العديد من المشاركات والتي حصد فيها العديد من الجوائز، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تمكنه من تطويع الحروف، وفي الحقيقة لا ينقصه إلا تسليط الأضواء حتى يرتقي في الصعود إلى من سبقه من كبار الخطاطين العرب».