افتتح وزير الثقافة الدكتور "رياض نعسان آغا" عرض المسرحية الغنائية "واسطة العقد" بقوله أن تحرير القدس ينبغي أن يبدأ بتحريرها في الوجدان العربي، وإنقاذها من حملة التهويد الفاضحة والكاذبة التي يقوم بها الاحتلال، وأن ذلك يكون بدايةً عبر الثقافة التي تعمق حضور القدس في الذاكرة.
وأعلن "نعسان آغا" أن لا نهاية لاحتفالنا بالقدس عاصمة للثقافة العربية، وأنها ستبقى محافظة على جذورها العربية الأصيلة، وسترفض أن تلغى المسيحية وأن يقتلع الإسلام منها، لأن ما يجمع أهالي القدس رباط مقدس، يضع المحتلين أمام سؤال وجودهم، مبيناً أن وجه إسرائيل هو دائماً باتجاه الحائط الذي بنوه بأنفسهم.
كنت سأستمتع أكثر لو أن العرض كان ضمن سيرورة متماسكة أكثر، بدون التقطيعات المستمرة للتصاعد الدرامي الذي كان عليه
وأضاف أن إسرائيل لم تعد تملك سوى الهمجية بعدما سقطت في امتحان السلام، لأنها تخاف من تحقيقه ولأن بُنيتها عدوانية، لافتاً أن مقاومتها تتم عبر الحفاظ على التراث غير المادي للقدس من أغانٍ وأشعار ومكونات ثقافية أخرى.
من جانبه قال الدكتور "رفيق الحسيني" رئيس المجلس الإداري لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009: «إن هوية القدس بحاجة لحمايتها من الهجمة البربرية الشرسة التي يقودها الاحتلال، عبر محاولاته المستمرة لطمس الثقافة الإسلامية المسيحية العربية، واستبدالها بما يلائم أهدافهم التي بدؤوها منذ عام 1948».
وبين "الحسيني" أن احتفالية القدس جاءت لتوحد صفوف الفلسطينيين في القدس، ولتربطها مع الناصرة وغزة والمخيمات، فضلاً عن تعزيز ثقافة المقاومة في وجه الثقافة الهمجية الإسرائيلية.
وأضاف "الحسيني" رئيس ديوان الرئاسة أن تسلم "الدوحة" لراية الثقافة العربية هو انتهاء لفعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية، لكنه لا يلغي كونها عاصمة أدبية للثقافة العربية.
لتبدأ بعدها "واسطة العقد" ضمن مناخات متجددة من الفرجة المسرحية، زاوجت بين ثلاثة فنون هي: الرقص والغناء والتمثيل على خلفية موسيقية للمؤلف "حسين نازك"، وبالتعاون مع "إيمار" للمسرح الراقص.
وأوضح المؤلف والمخرج "محمد العمر" أن هذا العمل كان بمثابة ترجمة لشوقه إلى زهرة المدائن وحنينه إلى تلك المدينة التي لم تهجره ولم يهجرها في أي يوم من أيام حياته، وأنه يحاول من خلال "واسطة العقد" أن يرسم ملامح حقيقية للقدس يؤمن أنها ستبقى حية لأجيال وأجيال، وأن الاحتلال لن يكون قادراً على محوها على مدى الأيام.
تضمن العرض اثني عشر مشهداً غنائياً راقصاً عناوينها "الأيقونة، برج اللقلق، الجلجلة، صورة على جدار، بنات نعش، الحبة الأولى، البحث عن فارس، بئر الأرواح، أرض الانتظار، كل شبر، المدن النائمة، رحلة العودة" يربط هذه المشاهد راوٍ أدى دوره الفنان "زيناتي قدسية" لترسم هذه المسرحية بلغتها الفنية الفريدة شتى أنواع القهر التي يتعرض لها الفلسطيني منذ عام 1967، وذلك من خلال نقل تفاصيل حية وحقيقية من حياة القدس الكنعانية العربية، تحملها أغنية متمردة ترفض الواقع الذي يحاول المحتل فرضها، والتي تشوه صورة القدس الناصعة كأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
ولعب الديكور الذي حققه "عمرو السعدي" والأزياء التي صممها "وسام صبح" دوراً رئيساً بالتعريف بالهوية الفلسطينية من خلال الاعتماد على تفاصيل جميلة تأخذ من الواقع الفلسطيني المقدسي مادتها وتنوع عليه، مسجلةً هوية للعرض تضاف إلى الهوية التي حققتها موسيقا العرض، المنسوجة من الجمل التراثية الفلسطينية مع العمل على تطويرها.
وأضفت فرقة "إيمار" الراقصة لوناً آخر على المشهد البصري الذي حققته الفرقة، بحيث أن الناقد الفني "سليمان المصري" رأى في العرض بشكل عام عبارة عن مجموعة لوحات تتحرك تكويناتها من ديكورات وراقصين مع تغييرات في الإضاءة مما أدى إلى فرجة مسرحية باهرة في جمالها وتلويناتها.
هذا التنوع ذاته رأت فيه "سماح فتال" إحدى الحاضرات خروجاً عن النسق الدرامي الذي ينبغي أن تجمع من خلاله المشاهد الاثني عشر، وقالت: «كنت سأستمتع أكثر لو أن العرض كان ضمن سيرورة متماسكة أكثر، بدون التقطيعات المستمرة للتصاعد الدرامي الذي كان عليه».
من جانبه أبدى "مازن السباك" ستة وثلاثون عاماً إعجابه الكبير بأداء الفنان "زيناتي قدسية" لافتاً إلى أن هذا الفنان بالنسبة إليه بات تعبيراً عن فلسطين ككل، وأن أداءه المسرحي كان من الاتقان لدرجة أن "السباك" لا يستطيع أن يتخيل العرض دونه، واصفاً "قدسية" بأنه حجر الأساس لهذا العرض.
ومن الحضور أيضاً قال "نبيل سفروني": «كان العرض جميلاً بتوليفاته المتنوعة بين الشعر والموسيقا والأزياء والديكور، بحيث أنه كان تعبيراً عن غنى التراث المقدسي والفن الفلسطيني عموماً وتنوعه».
بطاقة العرض:
"واسطة العقد" بطولة: "محمود خليلي، فاتن مصطفى، ريما اليوسف، إيمان كيالي، محمد تميم، منال هلال". وأداء راقص: "علاء الدين بكر، غسان المغربي، رامز محمود، نميرة سبارانوفا، رؤى العنزي، علي خضر". وبالاشتراك مع جوقة ألوان الغنائية بقيادة الفنان "حسام بريمو" وهو من إنتاج اللجنة الوطنية الفلسطينية العليا لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية 2009.