سورية موطن التاريخ ومهد الحضارات التي ستجد آثارها باقية تحت وطأة كل قدم, فليس مستغرباً أن نسمع في كل يوم خبراً عن اكتشاف "أدلة أثرية" تروي عراقة وأصالة الإنسان الذي قطن سورية, وعلى وجه الخصوص الإنسان الذي عاش في "أفاميا" مدينة الأسرار والخفايا التي تتحفنا كل يوم بأروع ما تركه الإنسان من إرث ثقافي مذهل. وجديد "أفاميا" هو اكتشاف موقع "تل مكسور" الأثري الذي يقع إلى الجنوب من مدينة "أفاميا" بحوالي عشرين كيلو متراً.

موقع eHama زار شعبة آثار "أفاميا" وأجرى حديثاً مطولاً عن هذا التل الأثري مع الأستاذ "عبد الوهاب أبو صالح" رئيس شعبة الأثار.

تؤرخ هذه الأبنية التي ظهرت مع "الفسيفساء" العصر البيزنطي، أي حوالي القرن "الخامس" الميلادي, في حين أن الجدار الذي يرتكز عليه الدرج يعود إلى العصر الروماني

وعن هذا الاكتشاف يقول: «بدأ التنقيب في "تل مكسور" في الأول من شهر آذار في العام 2009 وكشفت البعثات الأثرية في هذا التل عن "غرفة" بداخلها لوحة فسيفسائية كبيرة تزين أرضية هذا البناء وخلال التوسع بالأسبار ظهر بالجهة الشرقية الشمالية جدار الغرفة وهو مبني من حجارة صغيرة، وجدار آخر إلى الغرب موازي له يحيطان بهذه الفسيفسائية التي تصل أطوالها من الداخل/6×3.35 متراً/, وهي تصور بداخلها معينات منها مستطيل أسود اللون بطول/390 سنتيمتراً/ وبوسطه "زخارف هندسية" ضمن "مربعين" الأول من الجهة الجنوبية محاط بثلاثة إطارات بيضاء وحمراء وبيضاء, كما أن بداخله "جدلة" تزينية من بحص أبيض وأسود، وخمسة خطوط كل واحد منها مكون من أربعة "بحصات", أما القسم الشمالي من المستطيل الأسود أطواله/150×120سنتيمتر/ بداخله ستة "معينات" بإطار أسود وبداخلها بحص أحمر، وبين المعينات مربعات، ومعينات مكونة من بحص أبيض وأصفر وبوسط كل مربع إشارة "صليب" صغيرة».

"فسيفسائية" عثر عليها بالغرفة رقم "واحد"

ويكمل: «إلى الغرب من هذه الغرفة عثر على غرفة ثانية كشف فيها عن "لوحة فسيفسائية" أخرى مخربة، وهي مكونة من بحص أبيض بوسطها مربع وبداخله دائرة قطرها ثمانين سنتيمترً، ومحيطها عبارة عن إطار من البحص البرتقالي وبوسطها دائرة صغيرة من البحص الأسود وبمركزها "بحصة بيضاء" وينبثق من الدائرة المركزية إلى المحيط ستة "أوراق نباتية" باللون الأحمر المائل إلى البرتقالي والأصفر، وبوسطها "صليب" مؤلف من أربع بحصات حمراء».

وعن نتائج البحث هذا، يقول: «قمنا بعدة أسبار للتعرف على أثرية الموقع فكانت النتائج على الشكل التالي: السبر الأول أظهر "فسيفسائية" ثالثة مخربة أكعابها بعمق 125 سنتيمتراً تحت الأرض, وفي السبر الثاني كشف عن "درج حجري" وجزء من جدار مبني من أحجار كبيرة والذي بني بين عمودين "عضادتين" عرضه 120 سنتيمتراً، والدرج مؤلف من سبع درجات مبنية بأحجار مختلفة الأحجام، وفي السبر الثالث والرابع لم يتم العثور على أثر لبناء في حين أن السبر الخامس كشف عن بقايا قطع قرميدية لأحد الأسقف، وجدار رئيسي مبني بحجارة كبيرة».

"قطعة نقدية" عثر عليها في تل مكسور

وعن تاريخ هذه الآثار يؤكد شارحاً: «تؤرخ هذه الأبنية التي ظهرت مع "الفسيفساء" العصر البيزنطي، أي حوالي القرن "الخامس" الميلادي, في حين أن الجدار الذي يرتكز عليه الدرج يعود إلى العصر الروماني».

ويضيف: «تضمنت المرحلة الثانية من التنقيب إثبات فيما إذا كانت هذه الفسيفساء والبناء يعودان لبناء ديني أو سكني، لذا تم التنقيب في حفرة طولها/ 24×17 متراً/ ضمن التل, حيث عثر في الجهة الشمالية على جدار مبني من الحجر الكبير مستمر باتجاه الغرب والشرق وعليه "ركائز حجرية" بارزة تبين أنها لتقوية الجدار، أو لتزيينه كما تم العثور على "قناة فخارية" تحت البناء البيزنطي، و"أرضية" غرفة ثالثة من الكلس، و"قدر فخارية", كما عثرنا على ثلاثة "نقود برونزية" إحداها تصور إشارة "صليب" ووجهها الآخر على شكل "سنبله" أما القطعة الثانية فكتب على أحد وجهيها SC ، والقطعة الثالثة يصور على أحد وجهيها "وجه شخص " وعلى الوجه الآخر تصور "شخصين" واقفين يمسك كل منهما بيده اليسرى "عصا" طويلة وبينهما عمود على شكل "قفص"».

"عبد الوهاب أبو صالح" رئيس شعبة أثار أفاميا

وختم قائلاً: «كشفت أعمال السبر أيضاً على تشكيلة من "المسامير الحديدية"، و"كسر فخارية" صغيرة عليها "جسم إنسان" يغطي وسطه برداء، ويحمل بيده اليمنى جزءً من "عصا" لونها أحمر مصقولة بشكل جيد، يعتقد أنها تعود إلى العصر الروماني».