ربما لا يمكن للعيون الضعيفة البصر أن تمنع الإنسان من النظر إلى مستقبله نظرة تدفعه للسير إليه بسرعة وثبات متحدياً كل ما يمكن أن يعيقه في طريقه، وذلك حتى لو لم تساعده أقدامه قصيرة الأوتار على التوازن الصحيح، فقد يستعيض عنها بإيقاعات موسيقية تهبه ذلك التوازن بين الضجة والهدوء، هذا هو وضع صديقنا "عباس"، ولا أقصد "عباس بن فرناس" أو فناننا الجميل "عباس النوري" بل "عباس عيسى" الطفل الذي يحلم أن يدرج اسمه بين هؤلاء المشاهير لكن في مجال الموسيقا.
"عباس" عمره تسع سنوات يحب الموسيقا، ويضع قدمه في بداية مشوارها الفني.
أقمت حفلة موسيقية في المدرسة أعجبت الإدارة، وسنقوم بتقديم هذا الحفل في المركز الثقافي، وأتمنى أن أصبح موسيقياً مشهوراً في المستقبل
هذا ما علمه موقع eSyria حين التقاه مع والديه في مدينة "سلمية" حيث يقيم، فقد حدثنا والده السيد "علي عيسى" عن هواية ابنه اللافتة فقال: «منذ أن كان عمره ثلاث سنوات يحب الموسيقا، وينشدّ لها، حتى إنه يطلب سماع الأغاني، ومما يلفت الانتباه أنه يركز على الأغاني القديمة ورفيعة المستوى كأغاني "فيروز" و"ماجدة الرومي"، و"طوني حنا" وسواهم، بالإضافة إلى قدرته العالية على التقليد والتشبيه، ومنذ عامه الرابع توضحت لديه القدرة على حفظ الأغاني مع اللحن وعن طريق سماعها فقط، في البداية كان يدندن به على الإيقاع، واليوم باستخدام الأورغ وأحيانا العود».
ثم تحدث السيد "علي" عن مشاكل "عباس" الصحية والتي أثّرت بشكل كبير في حياته وحياة الأسرة، حيث قال: «خُلق "عباس" ومعه قصر وتر في ساقه الأيسر،نتيجة نقص أوكسجين أثناء الولادة، وأجرينا له ثلاث عمليات، الأخيرة منها بالإضافة للمعالجة الفيزيائية هي التي جعلت عباس يتحسن، هذا بالإضافة إلى أنه يعاني من إصابة بمرض عيني "ساد" ولادي، وقد احتاج لذلك إلى عمليتين جراحيتين، أي منذ أن كان عمره سنتين وشهرين إلى خمس سنوات ونحن نجري له العمليات المتتالية واحدة تلو الأخرى، وفي الحقيقة هذا ما جعلنا نهمل موهبته لبعض الوقت، لكننا الآن حريصون على أن نثبت أقدامه في مجال العزف فقد تراجع كثيراً في دراسته نتيجة وضعه الصحي، لكنه يحتاج إلى من يتبناه في هذا المجال إذ إن وضعنا المادي المتواضع قد يقف عائقا آخر أمام موهبته فتأمين الآلات والمعدات الموسيقية التي يرغبها لن يكون أمراً سهلاً بالنسبة لنا».
ويضيف الأب: «"عباس" كما قلت يعزف سماعياً على العود والأورغ لكني أرغب في أن يتقن العزف عليهما أكاديمياً بالإضافة للإيقاع، فالإيقاع فيه صخب ويكسب الشخصية نوعاً من الضجة أما العود فهو هادئ ويساهم إلى حد ما في ضبطها».
آلة الإيقاع "الدربكة" كانت طوال الوقت بين يدي "عباس" الذي يحتضنها كطفلة صغيرة يعطيها الكثير من حبه للموسيقا، الشيء الذي سألناه عنه فأجاب: «أحب أن أعزف على كل الآلات ولكني أحب أن أقلد أي لحن باستخدام الإيقاع وقبل أن يحضروا لي هذه "الدربكة" و"الأورغ" كنت أدق على الطاولة أو على أي وعاء، وأنا أتمنى أن أعزف على "الكمان" وأن أتدرب على يد أستاذ موسيقي لأتابع وأتمكن جيداً من عزفي على "العود" و"الأورغ"، أما الأغاني التي أحب عزفها فهي لكثير من المطربين مثل "عبد الحليم" و"ماجدة الرومي" و"نجاة الصغيرة" و"نجوى" و"كاظم" و"إليسا"».
وعن نشاطاته يضيف "عباس": «أقمت حفلة موسيقية في المدرسة أعجبت الإدارة، وسنقوم بتقديم هذا الحفل في المركز الثقافي، وأتمنى أن أصبح موسيقياً مشهوراً في المستقبل».
أما والدة "عباس" فتتحدث عن موهبة موهبة ابنها، فتقول: «عندما يكون هناك أغنية في التلفزيون ويعزف "عباس" معها تشعر أنك تنسى الأغنية وتنشدّ لعزفه وتركز معه، حتى تلك الأغاني الصعبة، فإنه قادر على استيعابها وعزفها من جديد، وكم أتمنى أن يكون له مستقبل باهر في هذا المجال، حتى إن مدرّسته دائماً تقول له: «أنت قطعة نادرة يا "عباس"»، وأعتقد أن ما قالته المدرِّسة صحيح».