تعد "الموالح" من الضيافات التي تميزت بها سورية عربياً وعالمياً، وأغلب المحافظات السورية تصنف على رأس المدن التي تصدر هذا النوع من الضيافة في العالم، وتسمية الموالح جاءت من استخدام "الملح" كمنكه رئيسي في هذه الصنعة؛ لكن الاسم نفسه يطلق على "الحمضيات" كما في الدول الأخرى مثل "مصر".

موقع "eSyria" التقى السيد "محمد الداية" صاحب أحد المتاجر التي تبيع "الموالح" في "دمشق"؛ والذي بدأ حديثه عن مواسم بيع "الموالح" وأوقات تقديمها بقوله: «تعد "الموالح" من الضيافات التي تقدم مساءً وفي السهرات؛ ويعد الشتاء الموسم الرئيسي لبيعها، ففي الشتاء يبقى الناس داخل بيوتهم أغلب الأوقات بسبب البرد، ما يساعد على استهلاكها خلال فترة السهرة العائلية التي تكون طويلة نسبياً، ولا تعتبر "الموالح" من الضيافات الرسمية؛ فتجد أنها الغائب الأبرز عن ضيافة العيد والمناسبات عكس "الشوكولا" مثلاً».

هذه ليست الطريقة الوحيدة في تحميص "الموالح"، فطريقة تحميص "القضامة الاسطنبولية"، تختلف عن طريقة تحميص "القضامة المغبرة" إلخ..

السيد "محمد" تحدث عن أشهر أنواع "الموالح" المحلية والمستوردة، حيث قال: «تعتبر "القضامة الدمشقية" أقدم أنواع "الموالح" في "دمشق" فقد دخلت "التراث الدمشقي" وخرجت منه إلى عدد من دول العالم، واشتهرت "دمشق" كذلك بتحميص "الفستق السوداني"، "البزر الأسود"، "البزر الأبيض"، "بزر دوار القمر"، "اللوز البلدي" و"الفستق الحلبي"، وجميع الأنواع السابقة تزرع في المحافظات السورية المختلفة، وتأتي إلى "دمشق" لتحمص بأكثر من طريقة؛ "فالقضامة" مثلاً هي عبارة عن "حمّص مجفف" يُحمّص؛ ويأخذ عدّة أسماء كالقضامة "الاسطنبولية"، "المغبرة"، و"الصفراء"، شأنها بذلك شأن "الفستق السوداني" و"اللوز البلدي"، ولم تقتصر "دمشق" على الموالح المحلية، بل تعدّتها إلى تحميص المكسرات العالمية.

مكدامية أحدى أنواع الموالح الاسترالية

ولفظ "المكسرات" يشير إلى أربعة أنواع هي "الكاجو"، "البندق"، "اللوز"، و"الفستق الحلبي"، ويسمي البعض هذه الأنواع "بالقلوبات" نظراً لأنها تستعمل في تزيين أطباق الطعام بعد أن تقلى بالسمن، كما تستعمل بعد تقطيعها قطعاً صغيرة في تجهيز الحلويات المختلفة».

"الداية" أشار إلى أن "الموالح السورية" مطلوبة بشدة في عدة الدول، وخصوصاً في "الخليج العربي"، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن دولاً أخرى تمنع دخول بعض أصناف "الموالح" إلى أراضيها، وأضاف بقوله: «"البزر الأبيض" مثلاً من الأنواع الممنوعة في أكثر الدول الغربية، والسبب هو جهلهم بهذا النوع من "الموالح"، ولكن في المقابل تجد أن سورية معروفة بزراعة "الفستق الحلبي" وخاصة منطقة "مورك"، وكذا محافظة "حمص" معروفة بزراعة "اللوز البلدي"، مع أن "اللوز" هو "نبتة أميركية" بالأصل.

آلة التحميص وتخرج منها الشبكة المعدنية

وتمتاز "الموالح السورية" بالحجم الكبير نسبياً والنكهة الخاصة اللذين جعلاها مطلوبة في الأسواق العالمية.

كما أننا نستورد أنواعاً كثيرة من الموالح، فإضافة إلى استيراد المكسرات المعروفة قبل "التحميص"، نستورد "مكدامية الاسترالية"، وأنواع الموالح الصينية المتنوعة التي تمتاز بالمذاق الحاد نوعاً ما، وبالنكهات المتعددة؛ "فالصينيون" يستعملون نكهة "الكاتشب"، و"الزعتر" و"الجبنة" في تحضير "الموالح"».

السيد محمد الداية

"التحميص" هي المرحلة الأهم في تحضير "الموالح"، قديماً؛ كان "التحميص" يتم عن طريق وضع "البذور" النية في وعاء نحاسي مسطح يسمى "صاج"، حيث توقد النار أسفل "الصاج"، وتحرك مع "الملح" الساخن عبر فرشاة غليظة، تسمى "المكنسة"، واليوم استبدل "الصاج" القديم "بالمحمصة" أو "آلة التحميص"، التي تتألف من "الحراق" يعمل على "المازوت"؛ والذي يوجد أسفل "المحمصة" المفتوحة من وسطها، بفتحة دائرية تدخل من خلالها "شبكة حديدة" أو "سحابة" كما يطلق عليها، ويخرج من أعلى "المحمصة" مدخنة نحاسية.

السيد "محمد" شرح لنا طريقة تحميص "البزر الأسود" بقوله:

«يعد "البزر" أقدم أنواع "الموالح المحمصة"، وله عدة أنواع؛ "كالبزر الأبيض" الذي يأتينا من "بزر الكوسا" و"بزر اليقطين" أو "القرع" كما يسميه البعض، أما "البزر الأسود" فنأتي به من نبتة "الجبس"، وطريقة إخراج "البزر" من نبتته تتم عن طريق ترك "الجبس" مدة شهر إضافي بعد موعد حصاده، فيجف تحت الشمس وترق الطبقة المحيطة بالبزر الموجود داخله، ما يساعد على نزعها بسرعة ويستخرج "البزر الأسود" من "الجبس" الذي يزرع في محافظات "البادية السورية"؛ مثل "دير الزور" و"القامشلي"، وتأتي المرحلة الثانية وهي "الغربلة" حيث يغربل "البزر" لنتخلص من الشوائب والقشور التي قد ترافقه، و"مرحلة الغربلة" كانت تتم عبر "غربال" بسيط أما اليوم فيستعمل "غربال كهربائي" كبير.

ثم يعبأ "البزر النيء" في أكياس نافذة للماء، ونشتريه نحن نظيفاً خالياً من الأوساخ والقشور، وتأتي المرحلة الثالثة وهي وضع هذه الأكياس في "خلاط" يحوي ماءً ساخناً، ويضاف "الملح" إلى الخلاط أثناء الدوران، ويجب أن تستمر عملية الدوران حوالي الساعتين أو ثلاث ساعات، نقوم خلالهما بإضافة الماء الساخن و"الملح" إلى الأكياس الموجودة بالتدريج، وكلما زادت عملية الدوران كان ذلك أفضل.

وتأتي المرحلة الرابعة التي تسمى "البياتة" وفيها نترك "أكياس البزر" داخل الخلاط مع كمية من الماء المالح لمدة يوم كامل، فيقوم "البزر" بامتصاص الماء الموجود.

وعندما نخرج الأكياس من الخلاط، نفرغ البزر في "آلة التحميص" وتبدأ المرحلة الخامسة والأهم؛ وهي "مرحلة التحميص"، حيث نشعل النار تحت "الصاج" ونضيف الملح إليه، وبعد أن يصل الملح إلى حرارة ولون معين نضيف "البزر النيء" إليه؛ وكنا قديماً نحركه بواسطة "المكنسه"، أما اليوم فنضع "البزر" في "السحابة" وندخلها إلى "آلة التحميص" الحديثة، حيث لا يلبث "البزر" نصف دقيقة حتى يبدأ بالانتفاخ ويصدر صوت "طقطقة"؛ فنخرجه بواسطة "السحابة".

ويشترط في عملية التحميص الجيدة، أن يكون الملح قد اكتسب حرارة جيدة قبل إضافة "البزر النيء" إليه، وكلما انتفخ "البزر الأسود" دل على أن "التحميص" جرى بشكل متقن، وإذا خرج من هذه العملية بلا انتفاخ فيكون ذلك بسبب أن الملح أو "الصاج" لم يصلا إلى الحرارة المطلوبة، ويغدو "البزر" صعب التقشير.

المرحلة الأخيرة في "عملية التحميص"، هي إعادة "البزر المحمص" إلى "الخلاط"؛ لكن مع إضافة القليل من "حمض الليمون" وكمية من الماء و"النشاء"، "فحمض الليمون" يعطي "البزر" نكهة خفيفة من الحموضة تقلل أو تخفف ملوحته القوية، أما "النشاء" فيعطي "البزر الأسود" لوناً داكناً، بعد أن يخرج من "آلة التحميص" بلونه الأسود اللامع»، ويتابع السيد "محمد": «هذه ليست الطريقة الوحيدة في تحميص "الموالح"، فطريقة تحميص "القضامة الاسطنبولية"، تختلف عن طريقة تحميص "القضامة المغبرة" إلخ..».

ويختم السيد "محمد عوض" حديثه بذكر الفرق الذي شعر به خلال الأعوام الأربعين الماضية بقوله: «لا يوجد فرق واضح بين الماضي والحاضر باستثناء دخول آلة التحميص الحديثة، كما أن تشكيلة المكسرات ازدادت، ودخلت أنواع من "الموالح" العالمية المستوردة، وازدادت شهرة "الموالح الدمشقية" بنكهتها المميزة، لكن الملاحظ أن الموالح ابتعدت عن بعض البيوت بفعل أمرين؛ الأول أن بعض أنواع الموالح "كالبزر" يخلف أوساخاً مما ساهم في غيابه عن موائد الضيافة الرسمية، والأمر الثاني أن كثير من الأمهات يخفن على صغارهن من أن تلتصق القشور المالحة بجدار الحلق، وتعتبر بعض الأمهات كذلك أن الموالح تؤثر سلباً على شكل أسنان براعمها الصغار».

الجدير بالذكر أن السيد "محمد الداية" من مواليد "دمشق" /1960/، بدأ العمل مع والده عندما كان عمره عشر سنوات، فوالده السيد "عوض الداية" افتتح عام /1948/ متجراً صغيراً في جادة تسمى "جادة الرئيس" في منطقة "الجسر الأبيض" لبيع "الموالح" "والشوكولا".