إذا قصدت مدينة حمص فلن تستطيع مقاومة سحرها، ولعل أبرز ما يشد انتباهك "أسواقها الأثرية" هذه الأسواق التي خصصت لكل تجارة أو صنف محاله العديدة، وباسم تجارته عرف بها، فمن سوق النوري و البازرباشي والمنسوجات إلى القيساوية والخياطين والقيسارية فالحرير والعطارين والعرب والفرو، جميعها أسواق احتفظت بتاريخها وتراثها لتبث في نفس زائرها عبق التاريخ الذي خلّفه الأجداد، ومن بين هذه الأسواق كان لسوق العطارين وقعٌ خاص لكل من يطأه، هذا السوق الذي يعود بناؤه إلى العهد العثماني حسبما أخبرنا السيد "رضوان عيون السود" صاحب أحد المحال القديمة ويتابع لـ eHoms هذا السوق يعرف باسم المعرض نسبة إلى شارع المعرض أو العطارين نسبة إلى المهنة التي يعمل بها أغلب أصحاب المحال هنا وهي العطارة، ويعود بناؤه بالتحديد إلى أيام نور الدين الزنكي وفي رواية أخرى تقول بأنه يعود إلى عهد أسعد باشا العظم الذي يعود إليه الفضل في تأسيس معظم هذه الأسواق، وهو يبدأ من طلعة سوق النحاسين ويمتد إلى مسافة /80/ متراً باتجاه الشرق، ويتقاطع مع أسواق القيسرية والعبي والخياطين.
ويتميز السوق بواجهات من الحجر الأسود التي تزين محلاته والتي نحت على بعض أجزائها أشكالا هندسية، وطرقه المرصوفة بالحجر الأسود القديم، كما يغطي السوق سقف خشبي سنامي الشكل مزين بثريات وفوانيس مزخرفة وفق الطراز الشرقي القديم بما يتناسب مع عمر السوق.
يتابع السيد "رضوان" هناك عدد من المحلات القديمة ذات الشهرة العالية منها " محل الأتاسي لصاحبه وصفي الأتاسي ومحلات طليمات والطرشة إضافة إلى المحل الذي ورثته عن والدي واسمه روائح الفردوس"
وإذا اتجهنا إلى السوق من ناحية ساحة الحسبة وقصدنا السوق الذي يعرف حالياً بسوق الخياطين تقودنا أجوبة أصحاب المحال بأن هذا السوق أيضاً هو سوق العطارين قديماً إلا أن البلدية أبدلت اسمه بسوق الخياطين لكثرة محلات الخياطة فيه على الرغم من وجود أقدم محلات العطارة فيه والعائدة "للحاج محمود الطرشة" وما يدل على قدم هذا السوق سقفه المصنوع من حجارة الكلس والقنّب على شكل قباب متداخلة يتخللها فتحات تهوية مقابل كل محل تسمح بمرور أشعة الشمس إلى داخل كل محل في وقت محدد من النهار وهذا السوق يرجع بناؤه بالتحديد إلى عهد أسعد باشا العظم الذي حكم عام 1743- 1756 م.
وعن تجارة العطارة يخبرنا السيد "أسامة المبروك" وهو يدير ( محل الأتاسي للعطارة) الذي تأسس عام /1920/ قائلاً: إن أغلب المواد التي يتم بيعها في المحل هي من النباتات الطبيعية كالبابونج والكمون والكزبرة وحبة البركة والشمّر والسماق والزيزفون والزنجبيل والورد الجوري والبنفسج والزعتر البري بأنواعه حيث يضم المحل أكثر من 5 آلاف صنف ما بين أعشاب ونباتات وتوابل وزيوت وعطورات.
أما عن أهمية هذا السوق على الصعيد السياحي فالجواب يأتيك مباشرةً من كثرة السياح الذين يتهافتون إلى محاله لأجل شراء مواد العطارة أو التقاط الصور التذكارية أو ربما كلا الأمرين، وذلك بسبب التراث العريق الذي يحتفظ به السوق من طراز معماري قديم يجمع بين أكثر من عصر كالمملوكي والعثماني، والصبغة الإسلامية التي تعبق به كانتشار أماكن العبادة، إضافة إلى شهرته التجارية الواسعة، كما أن التعديلات التي أجراها مجلس المدينة ودائرة الآثار أعادت إلى السوق قيمته وحافظت على معالمه ليبقى مركزاً يرتاده السياح والتجار والمسافرين، من كافة أنحاء البلاد.