تعتبر قلعة "صلاح الدين الأيوبي"، أو قلعة "صهيون" التي تتربع فوق قمة صخرية مرتفعة، من أكبر وأهم قلاع الحقبة "الصليبية" الموجودة في "سورية" و"جبال الساحل السوري"، كما أنها حاضرة أبدية بقيت من بقايا القرون الوسطى لتبقى إلى اليوم بين ربوع جبلية خلابة تحصر بينها الجمال الطبيعي والإبداع العمراني المميز معاً.
تقع شرق مدينة "اللاذقية" على بعد33 كم، قرب بلدة "الحفة" منتصبة على ارتفاع 450 متر عن سطح البحر، وهي في منظرها العام أشبه ما تكون بمثلث متساوي الساقين متطاول الشكل ترتكز قاعدته في الجهة الشرقية، كما يبلغ طولها 740م، أما مساحتها فتزيد عن 5 هكتار. لقد مرت القلعة بأحداث تاريخية مهمة خلال "القرون الوسطى"، ورغم أننا لا نرى أي أثر من "عهد الحمدانيين" في القلعة، إلا أن التاريخ يشير إلى أن "سيف الدولة الحمداني" استولى على القلعة واتخذ منها حصناً من حصونه.
استولى على أهلها الرعب واستشرى بهم الكرب وصاحوا الأمان ونزلوا الإذعان فأعطاهم السلطان الأمان
يقول الأستاذ "جمال حيدر" مدير دائرة آثار "اللاذقية" عن الأحداث التي شهدتها القلعة في "القرون الوسطى"، وذلك في حديثه لموقع eLatakia: «إن الإمبراطور البيزنطي "يوحنا تزمسكس" استولى على القلعة من "الحمدانيين"، خلال حملة قام بها في شمال سورية عام 975م. وفي أوائل "القرن الثاني عشر" استولى "الفرنجة" على القلعة في وقت غير محدود تماماً، وربما بعد أن استولوا على "اللاذقية" في العام1108م، وبعد ذلك شرعوا ببناء تحصيناتها ولا سيما في القسم المرتفع والمنخفض ومكثوا فيها زهاء سبعين عاماً. بقيت القلعة منيعة بيد "الفرنجة" طيلة "ثمانين عاماً" حتى قدوم "صلاح الدين الأيوبي" إليها عام 1188م وقام بتحريرها من "الفرنجة"».
أما عن طريقة تحرير القلعة من قبل "صلاح الدين" يضيف: «لقد ذكرتها مؤلفات "ابن الأثير" و"عماد الدين الأصفهاني" و"ابن شداد"، الذين كانوا يرافقون جيش السلطان "الأيوبي"، وذلك في يوم الثلاثاء الواقع في 26تموز عام 1188م عندما وصل "صلاح الدين" وابنه "الظاهر غازي" وخيّما مع جيشهما بالقرب من القلعة، كما أخذ السلطان "صلاح الدين" مع ابنه "الظاهر" يتأملان القلعة ويدرسان تحصيناتها ليضعا أفضل الخطط لمهاجمتها وتحريرها».
ويشير "حيدر" قائلاً: «في صباح الأربعاء الواقع في 27 تموز1188م تحرك الجيش العربي حسب الخطة المرسومة، حيث قاموا بنصب المنجنيقات مقابل الواجهة الشرقية والشمالية، ثم استمر رمي حجارة المجانيق طيلة يوم 28 تموز حتى أطل صباح يوم الجمعة 29 تموز 1188م، فرأى "صلاح الدين" أن الأضرار التي ألحقتها الآليات الحربية بالأسوار والنفوس قد سهلت احتلال القلعة فأمر بالهجوم».
ويصف "عماد الدين الأصفهاني" حالة "الفرنجة" في القلعة عندما هاجمها "صلاح الدين" بالقول: «استولى على أهلها الرعب واستشرى بهم الكرب وصاحوا الأمان ونزلوا الإذعان فأعطاهم السلطان الأمان».
كما يقول "ابن شداد" في مؤلفاته واصفاً تسامح "صلاح الدين"، «أنعم عليهم السلطان على أن يسلموا بأنفسهم وأموالهم ويؤخذ من الرجال عشرة دنانير ومن المرأة خمسة ومن الصغير ديناران وهكذا سلمت القلعة».
مازالت قلعة "صلاح الدين" إلى يومنا هذا تشمخ بكل جلالة بروعة الماضي متأهبة لاستقبال زوارها والرحالة والسياح الأجانب بشكل مستمر»
