إلى الشرق من مدينة "حمص" تقبع قراها متناثرة على مد النظر في طبيعة شبه صحراوية استطاع أهالي تلك المناطق التغلب على طبيعتها بزراعة أصنافٍ من أشجار اللوز والزيتون والكرمة (هذه الأنواع المتميزة بمقاومتها للجفاف). وما يميز تلك القرى اعتماد أهلها قديماً على السكن في بيوتٍ من طين, تلك البيوت التي بناها الأجداد وما يزال البعض منها موجوداً إلى اليوم.

موقع eHoms زار إحدى تلك القرى واسمها "الأعور" التي تبعد حوالي /20/ كم شرق مدينة "حمص", وفي القرية التقينا السيد "يوسف ديوب" من مواليد عام /1920/ وهو يعد أكبر أهالي القرية عمراً, والذي يسكن في بيته الطيني الذي بناه بيديه وحافظ عليه إلى اليوم خلافاً عن باقي أهالي القرية الذين أهملوا بيوتهم الطينية واتجهوا إلى الإسمنت فلم يبق منها إلا آثار متهدمة.

بنيته في عام /1940/م عندما كنت في العشرين من عمري لذلك فله في قلبي مكانة خاصة ولا أنوي التفريط به, ولو أنَّ أهل القرية حافظوا على بيوتهم الطينية لكانت اليوم مقصداً سياحياً مهماً, فبيوت الطين تجمع بين البساطة والتراث والجمال الطبيعي

وعن بيوت الطين المنتشرة في القرية يخبرنا السيد "ديوب" بالقول: «يتألف البيت الطيني من عدة غرف (أربعة أو خمسة) بمساحة 20– 25 م لكل واحدة تتوزع حول ساحة كبيرة, وتخصص الغرف حسب حاجة استخدامها فغرفة للمؤونة وأخرى للنوم وثالثة تستخدم كمضافة, إضافةً لهذا كان يضم قسماً للماشية نطلق عليه (البايكة) وهي بطول سبعة أمتار وعرض ثلاثة, وبرج للحمام, وقن للدجاج, وغرفة خاصة لتخزين التبن والأعلاف والحبوب, هذا كله يغلفه سور طيني بارتفاع مترين, يشمل كل أقسام البيت الذي غالباً ما كان يضم بئر مياه عربي ( وهو البئر المحفور يدوياً ) وزاوية خاصة يبنى فيها التنور لصناعة الخبز».

السيد يوسف ديوب

أما عن كيفية البناء يقول السيد "ديوب": «لكي نبني بيتاً طينياً علينا القيام بخطوات ضرورية لدعم أساس البيت وأول شيء نقوم به هو وضع رام حجر( كمية من الحجارة ليبنى جدار الطين فوقها) من أسفل البناء وذلك يعطي البناء متانة وقوة في تحمّل وزن الجدار الطيني الذي سيبنى عليه, ثم نحيط "الرام" بقالب خشب من الجهتين بارتفاع متر وعرض نصف المتر, نضع في القالب مزيج طيني مكون من تراب وحصى ومياه ومن المهم هنا تفريغ المزيج من الهواء عن طريق دقه بأداة خاصة تسمى (الطبّاشة) وليكتمل الجدار نبني ثلاث طبقات بارتفاع متر لكل واحدة وهنا يصبح الجدار جاهزاً.

وبعد أن تكتمل الجدران نقوم ببناء السقف حيث يُقبى بخشب الزان (وهنا يراعى انتقاء سماكة جيدة للخشب) والقصب وبعدها يتم طلي السقف والجدران بمزيج التراب والتبن. وما يتميز به بيت الطين دفئه في الشتاء وبرودته في الصيف ويكسبه هذه الميزات سماكة جدرانه وتكوينها العائد للتربة.

بئر ماء عربي

أما بالنسبة للفرش الذي كان يوضع في البيت فهو بسيط جداً يتكون من بعض فرش الصوف وبساط مشغول يدوياً وحصر مصنوعة من أوراق نبات الذرة, كما يوجد صناديق خشب خاصة لوضع اللباس فيها إضافة إلى بناء خزانة طينية في جدار البيت تسمى (اليوك)».

يضيف السيد "ديوب": «قديماً كنا نعيد تطيين السقف كل سنة بسبب الأمطار التي تأكل من التربة أما حالياً فاستعضنا عن ذلك بألواح من التوتياء. وبحكم طبيعة المنطقة القليلة الأمطار كنا نحفر الآبار للحصول على المياه وبئري هذا حفرته بيدي حيث نبدأ بحفر مساحة متر وفي كل عمق متر نحفر حفرتين قبالة بعضهما في جدار التربة لتساعدنا في النزول والاستمرار بالحفر, أما التراب الذي ينشأ عن الحفر فنخرجه إلى سطح الأرض عن طريق وعاء ممدود بحبل من خارج البئر, وكانت المياه تخرج بعد حفر ثلاثين متر تقريباً. أما في أيامنا هذه فتحتاج إلى حفر مئات الأمتار كي تجد المياه».

برج لتربية الحمام

أما عن تاريخ بناء هذا البيت فيقول "ديوب": «بنيته في عام /1940/م عندما كنت في العشرين من عمري لذلك فله في قلبي مكانة خاصة ولا أنوي التفريط به, ولو أنَّ أهل القرية حافظوا على بيوتهم الطينية لكانت اليوم مقصداً سياحياً مهماً, فبيوت الطين تجمع بين البساطة والتراث والجمال الطبيعي».