السلام اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى, وقد حث عليه رسول الله (ص) بقوله: «افشوا السلام بينكم». ويقول الشاعر "لبيد":
إلى الحول, ثم اسم السلام عليكما/ ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وهو كمعناه، إشارة للسلم بين المتلاقين، ليأمن كل منهما الآخر، وهو رمز المحبة والتواصل بين المتراسلين، وفي السلام رموز عديدة، حيث يرسل بعضهم هذه المفردة بقصد التذكير بموضوع معين، لكن الغالب يقصد فيه المحبة واستمرارها، وقد لا يستطيع البعض إبلاغه للآخر، خشية النمام، أو اللائم بشكل صريح، فيستعيض عنه بحركات العيون أو الحواجب، تقول الأغنية الشعبية العراقية:
سلم عليّ بطارف عينه وحاجبه/ أدى التحية وزين يعرف واجبه
وتقول أخرى:
أرسل سلامي عجل بجناح الخضيري/ وربيتهم من زغر صارم ولف غيري
وإذا ما بحثنا عن هذه المفردة، ومعانيها، وأساليبها، وإيحاءاتها في الشعر الشعبي الرقي، لوجدناها كثيرة، ولا سيما في لون الموليّا.
حيث يبدأ به الشاعر رسالته إلى "الملاّ" معلم القراءة والكتابة، ليخبره عن أوصاف الحبيبة فهي ليست بالغة الطول، وإنما بطول مناسب:
أول ما خـط القلـم سـلام للملاّ/ ما هي طويلة بحر ومناسبة ملاّ
دورت نزل الحمد لمن عطلت منّه/ وما لقى تواصيفها ببلادكم ذيـّه
ويخص عيون الأحبة في سلامه، ويخبرهم بأن قلبه وفكره. يذكرّانه دائماً بينما تذرف عيناه الدموع بشكل متكرر:
أول ما خط القلم سـلام لعيونج/ وان جاد, ليلى صدقت لا صيد مجنونج
اثنين غصبن علي, دايم يذكرونج/ واثنين بس تهشل حروفهن ميّـــه
ويرسل سلامه مكتوباً على ورق أبيض، ويضعه في مغلف حتى يأمن أن لا يلمسه شيء، أو يعبث به، ليخبر الأحبة أن قلبه قد تكوّى لأنهم نسوه، وعيناه تذرفان دمعاً يملأ مساحات من البراري.
أرسل سلامي بورق وبظرف مضموني/ أبو جعود شقر لا حن عالمتوني
قلبي كـواه الهوى, وانتـم نسـيتوني/ العين تذرف دمع غدران بريّـه
ويا مبلغ السلام بلغ الأحباب سلامي، بعد ما قطعت المودة بيننا، ولم نكن نحن سبباً في ذلك، بل هم الذين أساؤوا لنا، ولا تقتصر على نقل السلام فقط، بل بلغهم عتاباً أيضاً.
يا طارش أحبابنا بلغ سـلام لهم/ حبل الوداد انقطع من يمنا ويمهم
ما بان منا ردى بان الردى منهم/ حملك سلام وعتب ولراشد النيّـه
واذهب إليهم قاصدهم فقط، وبلغهم سلامي أولئك الذين كانت كلماتهم عذبة، سأبكي وأعن عليهم لشدة ألمي، كما يعن الجمل الذي فقد أحبته مساءً.
يا طارش احبابنا ون جيتهم عاني/ اسلم وسلم على حلوين المعاني
لابكي عليهـم توال الليـل واعنّي/ مثل مفرودٍ فقد ولفو عشاوية
ولم يقتصر ذكر السلام على لون "الموليّا" فحسب، بل ورد ذكره في "النايل" أيضاً فها هو شاعر "النايل" يرسل إلى الأحبة سلامه، ويطلب من ناقله أن يزيده ويسألهم لماذا الصدود؟
سلم وزيد السلام ان جيت لغوالينا/ قلهم عليش الزعل و الناس تشنينا
وهو يلقي بالسلام إلى الأحبة، لكنهم لم يردوه له، وهو يجهل سبب ذلك.
اسلم عليكم يا غوالي سلامي ما تردونه/ مدري زعل من قبل لولا البلا دونه
ويرحب بالنسيم القادم من فوق "الفرات"، لأنه يحمل سلام الأحبة:
ريم العذيمي اللفى من فوق شط مراد/ شايل سلام الحلو هليت بيه من قاد
وفي لون "اللكاحي"، يرحب بالنسيم الذي لا يمكنه الإمساك به، والذي جاء بسلام الأحبة من تلك البلاد البعيدة:
يا مرحبا بالغربي ما ينقضب باليدي/ شايل سلام الغالي من بلادٍ بعيد