«لكل مرحلة من حياة الإنسان أفراحها وآلامها… والقدر مسؤول عن تحديد المصير حتى وإن وضع الإنسان هدفه نصب عينيه، الأجدر مواجهة الظروف ثم الوصول ولا بدّ للمثابر من نيل مصيره الذي يرتجيه».

هذا ما بدأه الفنان التشكيلي "منير العيد" في حديثه لموقع eSuweda الذي حاوره بمنزله في "السويداء" ويضيف: «كان مولدي في "صلخد" عام /1962/، تربيت وسط أسرة فاضلة، أبواي ليسا متعلمين لكنهما يملكان من حكمة الحياة وأدبها الكثير، فوالدي قبل رحيله لطالما كان يقول لي: "ليكن حرصك على العلم كحرصك على نفسك في الحياة"، وما زالت والدتي حتى الآن تذكر أمامي هذه الكلمات وتثنيها بالدعاء».

يركز "منير" في عمله التشكيلي على الحالات الإنسانية واللون المدروس فهو متواصل مع الحدث الاجتماعي، وفي كل لوحة له نرى ذاكرة وتراثاً أو قصة جسدت عناصرها حدثاً اجتماعياً جرى في الواقع

وحول هاجسه في أن يكون فناناً تشكيلياً، يقول: «بعد إكمال المرحلة الثانوية قررت الدخول إلى كلية الفنون الجميلة في "دمشق"، وفاجأني فشلي في فحص القبول فالتحقت بالمعهد الصحي وبعد تخرجي صرت مدرساً، لكن طموحي بأن أكون فناناً تشكيلياً كان يشغل هاجسي ويرهق تفكيري، فعمدت مجدداً إلى تقديم البكالوريا الأدبي وبعد نيلي الشهادة التحقت بكلية الفنون مرة أخرى ووفقت، وتخرجي فيها كان في العام /1986/ أما جوها الدراسي فلم أشعر به كما أريد بسبب التزامي بالعمل الوظيفي».

لحن من الحياة

ويضيف: «في العام /1990/ عينت مدرساً في معهد الفنون النسوية في "درعا" وبقيت سنة وإنما داخلي محقون بالغضب والتساؤل، هل أكون فناناً أو أبقى في العمل الوظيفي؟ فقررت السفر إلى "اليمن"، وبقيت هناك /3/ أعوام وعدت إلى "دمشق" في العام /1994/، ثم انتقلت إلى "السويداء" في العام /1995/ كمدرس للفن في معهد الرسم، وانتخبت فيها كعضو مجلس نقابة الفنون الجميلة حيث أقمت بها معرضي الشخصي الأول في العام /2003/، وتلته عدة معارض أقمتها في المركز الثقافي الروسي في "دمشق" ومنها معرض مشترك مع النحاتين "أيمن زغير" و"محمود دباس" وآخرها كان في العام /2008/، والآن أعد نفسي للقيام بمعرض شخصي في المركز الثقافي الفرنسي في "دمشق"، وبالنسبة للجوائز فقد حصلت على جائزة "المزرعة" المرتبة الثانية للإبداع الأدبي والفني».

يذكر "العيد" مقتطفات من المواضيع الفنية التي عمل عليها، ويقول: «اهتممت في البداية بالمائيات وتناولت الطبيعة كموضوع وبحث ثم بدأت برسم البورتريه بأسلوب واقعي دقيق، وقد تناولت في بعض الأعمال وجوهاً لشخصيات بارزة مثل الراحلين: "فاتح المدرس"، و"مصطفى العقاد"، و"مصطفى الحلاج"، وأقل مدة يستغرقها البورتريه حتى أنجزه شهر، فالعمل إذاً دقيق ومرهق وعموماً ما زالت لوحات البورتريه محفوظة لدي لأن رسم بورتريهات لشخصيات حية أو راحلة ليس له ذاك الاستحواذ البصري كما الاستحواذ الذي يفرضه الفن التجريدي أو التعبيري أو السريالي…

مع السيدة أسماء الأسد

من جانب آخر أثار اهتمامي الفن العفوي والبسيط والمعقد لدى الطفل وحرضني إلى توجهات فنية معينة. أما الآن فأركز على تجسيد الحالات الإنسانية المستقاة من الحدث الاجتماعي، متبعاً الأسلوب التكعيبي أي الاعتماد على التقاطعات الهندسية في اللوحة واستخدام اللون الشفيف والهادئ، وأمارس إضافة إلى الفن التشكيلي فن الخط العربي وأبحث في جماليات الزخرفة والنقوش العربية والإسلامية».

وفيما يتعلق بحياته الأسرية، يقول: «رزقت بأسرة كريمة فزوجتي طبيبة اختصاصية بالأنف والحنجرة ولها فضل كبير في نجاحي، وذلك لإدراكها البعيد وتذوقها للعمل الفني ورأيها النقدي البناء الذي نقلني من جموح الخيال إلى الواقع وخاصة رفضها أو قبولها للعمل الفني ورأيها الحكيم في المنحى الحياتي، وقد أكرمت بابنين "رامي" في الرابعة من عمره و"رشا" في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية ولديها موهبة الرسم، وقد نالت عليها مراتب تقديرية… جائزة مسابقة (مرأة وتربية) في العام /2003/، وتم تكريمها من قبل السيدة الأولى بميدالية ذهبية، كما حصلت على الجائزة الأولى في مسابقة "زكريا تامر"، والجائزة الثانية في مسابقة (عالم جديد للأطفال)، وذهبت إلى أوكرانيا مع مجموعة من الأطفال لمدة عشرة أيام كتكريم لها من قبل الدولة نتيجة فوزها بالمسابقة، وحصلت على جائزتين في الرسم من المملكة العربية السعودية».

من أعماله المائية

إن الإكثار من معرفة الناس قد يسيء أحياناً إلى الهدف الذي يأمله المرء من حياته، وهنا يقول: «إن الأشخاص الذين نتعرف عليهم ونتخذهم أصدقاء لنا ممكن أن يكونوا سبباً في إبعادنا عن الهدف النموذجي الذي رسمنا مستقبلنا عليه، وهذا ما حصل معي بيئة غير صحيحة اجتماعياً أبعدتني عن هدفي النموذجي الذي حددته لمصيري، ليأتي العمل الوظيفي مكملاً لذلك فهو لا يحرض على الإبداع بقدر ما يقتله، وجراء هذه الأمور انقطعت حوالي خمسة عشر عاماً عن الفن وأدركت بعد عودتي مدى التأخر الذي لحق بي، وجعلني هذا أفكر بالانطلاق السريع ما دفعني إلى أن أحرق مراحل فنية كان يجب أن تأخذ حقها من النضج في ذاكرتي».

ويضيف: «رغم ظروفي إلا أنني مررت خلال حياتي الفنية بشخصيات مختلفة… بعضها كان له الأثر في تغيير بعض الجوانب الفكرية لدي من هؤلاء: الراحل "فاتح المدرس" الذي أشرف على مشروع تخرجي في كلية الفنون في "دمشق"، والفنان "شبلي سليم" نقيب الفنانين التشكيليين في "السويداء"، والفنانين "فضل رضوان" و"حكمت نعيم" والنحات "شفيق نوفل" الذي قال لي مرة: "ابتعادك الطويل عن التشكيل سبب في ظهور أعمال مثالية بعد عودتك"».

ويصف لنا الفنان خلال حديثه مشاهدات جمالية من الدول التي زارها بقوله: «سفري الأول كان إلى "لبنان" عام /1987/ في بلدة "بعلبك" ـ مدينة "الشمس" وهناك كنت أطيل الجلوس داخل معبد "الزهرة" متأملاً أسلوب البناء والآثار… من أعمال صخرية رائعة وخاصة منها نحت الطبيعية، وفي العام /1991/ استقرت رحلتي الثانية في "اليمن" في منطقة "حضرموت" المشتهرة بناطحات السحاب فتأثرت بشكل العمارة وبصور الزخرفة لديهم وفي العام /2006/ سافرت إلى المملكة العربية السعودية، وهناك اهتممت بالحدث الاجتماعي ولكني لم أكن راضياً عن زيارتي».

الطريف في رحلته موقف حدث معه في "اليمن"، يقول فيه: «حدث الموقف عندما كنت أخطط لافتة افتتاحية لأحد المعارض المقامة حديثاً، قدم إلي بضعة أطفال يحملون لعبة على شكل هرة صغيرة، فرسمتها لهم على الجدار بأسلوب كاريكاتوري مضحك حتى يتمتعوا بصرياً برؤيتها، في اليوم التالي قدم صاحب المعرض وثار علي بالصراخ الحاد وهو يلح بالسؤال، ما غايتي من رسمها؟ وكم دفع لي حتى أرسمها؟ وبقي هذا اللغز حتى عرفت لاحقاً أن لقب العائلة الاستفزازي لديهم هو الهرة».

خلال الحوار تحدث موقعنا إلى زوجة الفنان "منير العيد" الطبيبة "مي"، التي قالت حول سمات زوجها: «"منير" إنسان عميق ومرح، منذ بداياته أحب الفن وارتأى في مستقبله أن يكون فناناً، ربما أوقفته الظروف لمرحلة ما لكنه سرعان ما عاد إلى بحثه في التشكيل ولكون سلسلة معارضه الشخصية، وما المرح الذي يتسم به إلا متنفس له عن حزن عميق يشعر به جراء سوداوية الواقع الذي يحيطنا وعبر أعماله يخفيه باللون الحار والجميل».

وتضيف: «يركز "منير" في عمله التشكيلي على الحالات الإنسانية واللون المدروس فهو متواصل مع الحدث الاجتماعي، وفي كل لوحة له نرى ذاكرة وتراثاً أو قصة جسدت عناصرها حدثاً اجتماعياً جرى في الواقع».

أما "رشا" فتقول: «لقد منحني والدي منذ الطفولة جلّ اهتمامه ورعايته، فهو مثلي الأعلى، وما تأسس لدي من ثقافة بصرية كان هو سببها، فكلما جلس لرسم لوحة علمني مفردات الشكل واللون والبعد، وزاد في ذلك تحريضه المستمر لي على العمل بجرأة واتزان».