أينما تجولنا في شوارعها وحاراتها القديمة نشم رائحته الزكية التي تنعش الفؤاد و تعيدنا إلى أيام الأجداد بكل ما عايشوه من تراث عريق وماض مشرق في حنايا هذه الحارات الضيقة و البيوت العربية القديمة، الزعتر يمكننا أن نصفه باختصار بأنه تراث حلبي بامتياز نظراً لشهرة محافظة "حلب" بهذه الصناعة التي تكاد تكون حكراً عليها، وقد اشتهرت عدة عائلات بـ"حلب" منذ عشرات السنين بصناعة الزعتر وذاع صيتها في "حلب" وفي باقي المحافظات، نذكر من هذه العائلات عائلة "الناصر" وعائلة "قبرصي" وعائلة "بازر باشي" وعائلة "كسحة" التي تعتبر من أقدم عائلات "حلب" في مجال صناعة الزعتر.

في حي "باب قنسرين" وفي قلب المدينة القديمة، التقىeAleppo في أحد محلات "قبرصي" لبيع الزعتر "محمود قبرصي" الذي حدثنا أولاً عن تاريخ صناعة الزعتر بـ"حلب" فقال: «يرتبط الزعتر بالتراث الحلبي ارتباطاً وثيقاً، ويعتبر تراثاً حلبياً متميزاً بسبب شهرة "حلب" في هذه الصناعة دون محافظات القطر الأخرى، حتى أن بعض المحافظات لا تعرفه أبداً، أما في خارج سورية فالزعتر على الأغلب غير معروف لديهم، وعندما يأتي سياح إلى هنا يستغربون جداً عندما يشاهدون الزعتر ولا يتذوقون منه سوى السمسم، وقد تطورت صناعة الزعتر حسب معلوماتي من (الدقة)التي كانت معروفة بشكل كبير سابقاً حيث تم إضافة الزعتر الأخضر وغيره من المكونات الأخرى حتى وصل إلى طعمه ومذاقه الحالي».

لم يؤثر ظهور هذه الأنواع من الزعتر المعبأة بشكل آلي على صناعتنا أبداً، لأن زعترنا يسمى زعتر بيتوتي له نكهته الخاصة وطعمه الخاص المحبب لجميع متذوقيه الذين اعتادوا على مذاقه منذ سنوات طويلة

ارتبط اسم عائلة "قبرصي" منذ عشرات السنين بصناعة الزعتر، ويعتبر الزعتر الذي تنتجه هذه العائلة من أشهر و أجود أنواع الزعتر على الإطلاق،عن تاريخ هذه العائلة بصناعة الزعتر،قال "محمود قبرصي": «بدأ والد جدي و اسمه "مصطفى قبرصي" بهذه المهنة منذ أكثر من مئة عام، فمحلنا هنا مثلاً موجود منذ أكثر من ثمانين عاما، وهو ما زال محافظاً على شكله منذ تلك الفترة، و من ثم قام والد جدي بنقل هذه الصناعة إلى أبنائه و أحفاده من بعده و أعتقد أنه كان الأقدم في مجال صناعة الزعتر،وقد نقل الكثيرون من "حلب"عن جدي هذه الصناعة وتعلموها منه».

في محل القبرصي

وعن تركيب الزعتر ومكوناته تابع "محمود قبرصي" حديثه لـ eAleppo قائلاً: «توجد اختلافات طفيفة في تركيب الزعتر بين محل و آخر و هذا ما يكسب أحد المحلات مثلاً شهرة دون غيره، لكنه بشكل عام يتألف من الزعتر الأخضر و السماق و السمسم و القضامة و الكمون و اليانسون و الشمرة، ومعظم هذه المواد تنتج محلياً في بلادنا و هي من خيرات بلدنا المعطاء، وعلى مستوى محافظة "حلب" فالزعتر يعتبر الأكلة الشعبية الأولى».

انتشر منذ عدة سنوات في أسواقنا الزعتر الصناعي المعبأ آلياً، فهل كان له تأثيره على الزعتر اليدوي الذي يصنع بواسطة ورشات صغيرة، عن هذا الموضوع قال "محمود قبرصي": «لم يؤثر ظهور هذه الأنواع من الزعتر المعبأة بشكل آلي على صناعتنا أبداً، لأن زعترنا يسمى زعتر بيتوتي له نكهته الخاصة وطعمه الخاص المحبب لجميع متذوقيه الذين اعتادوا على مذاقه منذ سنوات طويلة».

نذكر أن محلات الزعتر في "حلب" تنتشر بكثرة في حارة "الكلاسة" و"قنسرين" و"باب الفرج" ومحلات أسواق المدينة القديمة.