من على تلٍ يرتفع/750/م عن سطح البحر يبسط ماردٌ عتيق جبل من أرواح الرجال سلطته على كل العناصر المحيطة به، بهيئته الضخمة وعيونه المحملقة بكل اتجاه يقف كآلةٍ جبارة استنزفت كل قطرة دمٍ وعرق، لقد هرم لكنه مرعبٌ كجدي، وحكاية جدتي لم تغب عن بالي (كان يا مكان …كان يا مكان) صوتها لازال يأتيني كأسراب الحمام وأصواتهم لازالت في تجاويفه تتردد عالياً كتعاويذ سحرية ينتفض الدم لأثرها.
لاتستعجل وأنت تسير خذ نفساً عميق سيأتيك الزمن وهو يحمل إليك صيحاتهم وتشنج السهام وهي تشد إلى أوتارها، ستراهم وهم يركضون ليأخذ كلُ واحدٍ منهم مكانه على خطوط الدفاع وعلى الأبراج العالية كلٌ يحمل بين يديه مصيره المجهول فإما قاتل أو مقتول، إما منتصراً أو مهزوما.
تعود هذه الأموال إلى وزارة المالية؟؟!! ولمديرية الآثار والمتاحف ميزانية تعمل على توزيعها وفق نسب معينة على المحافظات، ويتم ترميم القلعة سنوياً بشكل دوري وذلك وفق الأموال الممنوحة لنا، حيث يتم ترميم الأكثر خطورة إضافةً إلى إزالة الأعشاب التي تنمو بشكل عشوائي على الجدران
هذه أعقد معادلةٍ خلقها الإنسان لأن حلها الثالث هو الاستسلام الذليل ولم تعتد "قلعة الحصن" يوماً هذا الحل سواء أكان من حكمها غازياً أو صاحب الأرض، لازال هذا المارد يقف إلى يومنا هذا بحجارته الكلسية وأسواره المنيعة وأبراجه العالية المطلة على جبال عكار ووادي النضارة وبرج صافيتا وأطراف حمص وبحيرة قطينة كعجوزٍ أتعبته الأيام وجاء الوقت لينقل لأحفاده قصة الرجال الذين يصنعون التاريخ بأقلامهم وسيوفهم، ليقول لهم أن الرجال مهما كانت عظمتهم يموتون ولا يبقى منهم غير آثارهم التي تخلدهم.
موقعeHoms زار هذه القلعة والتقى مع عدد من المسؤولين عنها وفي البداية كان لنا لقاء مع الأستاذ "فاروق سايس" رئيس وحدة إدارة موقع في قلعة "الحصن" والذي ابتدأ حديثه بالقول: «تقع قلعة" الحصن" على مسافة /60/كم غرب مدينة "حمص"على تل يرتفع /750/م عن سطح البحر ويتوسط المسافة بين "حمص" و"طرابلس" عند نهاية سلسلة جبال الساحل وبالتحديد أكثر فتحة"حمص"- "طرابلس" مما يعطيها موقعاً استراتيجياً يسمح لها التحكم بالطريق الرابط بين الساحل والداخل السوري، وتبلغ مساحة القلعة التي ابتدأ بناؤها في العام/1031/م /3/هكتار».
وعن الأقسام التي تتكون منها القلعة قال"سايس": «تتميز القلعة بقوة تحصينها الدفاعية حيث تتكون من عدة خطوط دفاعية هي خندق الماء الخارجي والسور الخارجي الذي يضم /13/ برج دفاعي فيه فتحات لرمي السهام ومرامي لسكب الزيت واصطبلات الخيول إضافةً إلى الحامية العسكرية، أما السور الداخلي فهو قلعة قائمة بحد ذاتها يفصلها عن السور الخارجي خندق مائي محفور في الصخر حولت إليه أقنية تنقل مياه الأمطار وهي تتكون من طابقين يضمان إسطبلات الخيول ومهاجع الجنود والأقبية والعنابر وقاعات الطعام وغرف الطعام والمئونة.
ويضم كذلك قاعة الفرسان والكنيسة التي تم تحويلها إلى مسجد بإضافة المحراب بعد فتح القلعة على يد الملك "الظاهر بيبرس" في العام/1271م/ حيث كتب على باب الكنيسة أية قرآنية (قل كلٌ يعمل على شاكلته) والمقصود منها هو أن كل عصر له رجاله ومعتقداته وأفكاره».
مضيفاً: «ترتبط القلعة بسلسلة من القلاع والحصون التي تصل إلى القدس مثل ("قلعة المرقب"- "برج صافيتا"- "قلعة صلاح الدين الأيوبي"، وكانت القلعة تضم حامية عسكرية من /3_4/آلاف جندي ويوجد فيها/21/بئر لتجميع مياه الأمطار حيث تم تصميم الأسطح وقنوات التصريف بشكل شبه مائل بحيث تتجه المياه إلى الآبار.
القلعة مبنية على الطراز "القوطي" وهو من أجمل فنون العمارة في القرون الوسطى والشكل الحالي للقلعة ليس نتاج مرحلة زمنية معينة بل هو نتاج فترات زمنية متراكمة، وأول من بدأ ببنائها هو أمير حمص "شبل الدولة نصر بن مرداس" وكان ذلك في العام/1031م/ وأسكن فيها حامية كردية لذلك أطلق عليه تسمية "حصن الأكراد" وذلك لحماية القوافل المتجهة من الساحل السوري إلى الداخل ونظراً لموقعها الهام احتلها الصليبيون في العام/1109م/ حيث كانت تقع على الطريق الذي يسميه الفرنجة "طريق الحج إلى القدس" وعملوا على توسيع القلعة وبناء عدد من الأبراج فيها.
وخلال الأعوام/1157_1169_1201م/ تعرضت القلعة لعدة هزات أرضية استدعى ذلك إعادة تدعيم القلعة حيث تم بناء السور الخارجي ودعمت الجدران ببناء طبقات جداريه جديدة بشكل مائل لحماية الجدران الداخلية والأبراج من الهزات الأرضية وخلال هذه الفترة تم بناء الأقسام الرئيسية في القلعة و ذلك في عهد "فرسان المشفى" أو "فرسان مالطا" الذين تسلموا قيادة القلعة في العام/1142م/ ونسبةً إليهم سميت "قلعة الفرسان" حيث كان هناك نوعان من الفرسان هم "فرسان المشفى" أو ماكانوا يسمون بفرسان "القديس يوحنا" وكانوا هنا في القلعة و"فرسان المعبد" وكانوا في القدس».
وتعرضت هذه القلعة لعدة محولات لفتحها من قبل المسلمين حيث قام "صلاح الدين الأيوبي" في العام/1188م/ بعد تحريره مدينة "القدس" والقلاع والحصون الساحلية بمحاصرة القلعة لأكثر من شهر لكنه لم يستطع دخول القلعة لمناعة حصونها وأسوارها الضخمة والمؤونة التي كانت تكفي /5/أعوام.
وفي العام/1271م/ تمكن الملك"الظاهر بيبرس" بعد حصار دام حوالي/45/ يوم من اقتحام القلعة بعد فتح عدة ثغرات في الجهة الجنوبية، وهي الجهة التي يمكن اعتبارها الأضعف كون القلعة قائمة في اتجاهاتها الثلاث الأخرى على منحدرات شديدة تجعل اقتحامها من هذه الجهات عملية شبه مستحيلة، وبعد دخول القلعة قام الملك "الظاهر بيبرس" بإعادة ترميم ما تصدع وتهدم من السور الخارجي، وخلال العهد العثماني أهملت القلعة وسكنها الأهالي وبقيت مسكونة حتى العام/1927م/، وابتدأت أعمال الترميم وإخراج الناس من القلعة في العام/1934م/ تحت إشراف مهندسين فرنسيين واستمر الترميم حتى العام /1936م/».
وبلغ عدد زوار القلعة خلال النصف الأول من العام /2009/م /86896/ألف زائر بنسبة إيرادات بلغت/6423425/مليون ل.س، بينما بلغ عدد زوار القلعة خلال النصف الأول من العام/2008/م /115630/ألف زائر بنسبة إيرادات بلغت /6882225/مليون ل.س، وذلك حسب ماقالت السيدة "نعيمة محرطم" مديرة "قلعة الحصن" والتي أضافت: «تعود هذه الأموال إلى وزارة المالية؟؟!! ولمديرية الآثار والمتاحف ميزانية تعمل على توزيعها وفق نسب معينة على المحافظات، ويتم ترميم القلعة سنوياً بشكل دوري وذلك وفق الأموال الممنوحة لنا، حيث يتم ترميم الأكثر خطورة إضافةً إلى إزالة الأعشاب التي تنمو بشكل عشوائي على الجدران».
وكانت الدولة القطرية قد قدمت منحة للجانب السوري لإعادة ترميم "دير مار جرجس" و"قلعة الحصن" وعن هذه المنحة المقدمة قالت"محرطم": «إنها منحة مقدمة من أمير قطر حيث سيتم ترميم حامل الأيقونات والوثيقة العمرية في كنيسة "مار جرجس"، وكان من المخطط أنه بعد الانتهاء من فعاليات مهرجان القلعة والوادي سيتم المباشرة بترميم "قلعة الحصن" لكن لحد الآن لم يتم المباشرة بالتنفيذ.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة "لقلعة الحصن" مقارنةً بباقي القلاع السورية نجد أن هذه القلعة التي تبلغ مساحتها /3/هكتار لايعمل على تنظيفها سوى عاملين، مما يجعل تنظيفها بالكامل أمر شبه مستحيل لذلك تنتشر الأوساخ في بعض الأماكن وبشكل يسيء إلى جمالية القلعة، إضافةً إلى الأولاد الذين يدخلون القلعة ويشحذون على الأبواب بشكل يسيء للسياح وللقلعة وتقول"محرطم":«حاولنا إخراجهم أكثر من مرة لكنهم كانوا يعودون في كل مرة نخرجهم بها واقترحنا أكثر من مرة أن نشغل هؤلاء الأولاد ولو ببيع المياه الباردة على السياح وبشكل منظم بدلاً من بقائهم هكذا لكن لم يكن هناك من رد!!؟؟. والقلعة غير منارة بالليل وهناك أماكن داخل القلعة معتمة في النهار وهي بحاجة إلى إنارة ومن غير المعقول أن تبقى هكذا؟؟!!».
ويتفق "سايس" و"محرطم" على أنه: «من المفروض أن يكون هناك غرفة مخصصة لوضع أمانات السياح مقابل أجر يعود إلى القلعة وأن تقوم المديرية العامة للآثار والمتاحف بإصدار بروشورات خاصة بالقلعة يتم توزيعها على السياح، إضافةً إلى وجود مواقف مأجورة للسيارات ولو بإجور رمزية، وأن يتم عمل أكشاك للمواطنين بدلاً من البيع العشوائي في الخارج، وهناك فكرة لعمل سوق للمهن اليدوية مما يعود بالنفع المادي والمعنوي على الأهالي والقلعة وبذلك نتمكن من ربط المجتمع المحلي بالقلعة ولا يشعر الأهالي بأن القلعة غريبة عنهم بل بيتهم ومصدر رزقهم».