الرواد الأوائل هم من عبّد الطريق بالحلم والأمل بمستقبل إنسانيّ، ترفرف فيه الحرية إبداعاً يسطر حضوره بالكلمة والصورة واللحن. موقع eSyria بتاريخ/10/8/2009/ التقى مع المصور الضوئي والصحفي "علي البرازي" بمنزله "بركن الدين" وكان هذا الحوار:
** أنتمي لعائلة "البرازي" الكبيرة في "حماة"، رأيت النور عام /1934/ والدي كان يمتلك مصنعاً للنسيج اليدوي في "دمشق" ويصدر كامل إنتاجه إلى أوروبا تحت اسم "دامسكو" طبعاً نسبة لمدينة "دمشق". وكنا نسكن في زقاق "نعمة آغا" في "ركن الدين"، بعد هجرة الجد لوالدي من "حماة".
نشأ لديّ الاهتمام بالصورة من خلال حضوري الأفلام السينمائية في دور السينما الشعبية، حيث لفت اهتمامي التكوين الفني للصورة على الشاشة الكبيرة، وطريقة التقاطها من زواياها المختلفة. وأول آلة تصوير ضوئي اقتنيتها كانت من مدخرات مصروفي اليومي "الخرجية" بمبلغ /4/ ليرات سورية وكانت من نوع "كوداك بوكس" ومازلت أحتفظ بها حتى اليوم، ولقد صورت بها عدة أفلام فوتوغرافية أعتبرها ناجحة بالنسبة لزمن تصويرها، وكانت بالأبيض والأسود. ورافقتني هذه الآلة حتى أواخر المرحلة الابتدائية عام /1946/ وبعد الدراسة المتوسطية اقتنيت أول آلة تصوير ضوئي حديثة نوع "ريتينا" صورت بها أفلام أبيض وأسود وملون. وخلال دراستي بدار "المعلمين" اشتريت آلة تصوير حديثة "ألمانية" من نوع "روولفلكس" وحصلت بواسطتها على ما كنت أحلم بتصويره سابقاً من مناظر طبيعية وأماكن عمرانية وشخصيات مهمة، لتوفر المميزات الفنية والتقنية في هذه الآلة، ثم تخرجت في دار المعلمين نهاية عام 1954. حيث مارست مهنة التعليم في ريف "دمشق" ولكن طموحي لمتابعة التحصيل الجامعي دفعني لدراسة الثانوية بشكل حر ونجحت وسجلت في كلية "الحقوق" ثم انتقلت لكلية "الأدب العربي" لكن انغماسي بالعمل الفني والصحفي حالا دون استكمال دراستي الجامعية.
** كان أكثر ما يشدني من مواضيع في التصوير الضوئي "الطبيعة" والوجوه للأفراد من شخصيات مهمة وسواها، وللأسف لم نتلق من الأهل والآخرين التوجيه نحو الأماكن التاريخية والسكنية والعمرانية لأحياء "دمشق" القديمة التي جرت عليها تبديلات كثيرة.
** رغم عملي اليومي في الصحافة والتحقيقات والتصوير، لم يستطع أن يؤثر على استمرار تواصلي مع العائلة الكبيرة في "حماة" فقد كنت أقوم مع عائلتي بزيارة الأهل في "حماة" وللحفاظ على هذا التواصل فقد زوجت اثنين من أولادي من مدينة "حماة" من عائلة "كوجان"، ورغم أنني أعيش في "دمشق" وتزوجت "دمشقية" ولدي ثلاثة أبناء ذكور يعملون بمهن حرة، وأصبح عندي أحفاد، أحن إلى "حماة" وأصوات نواعيرها حاضرة بلحنها الجميل بعقلي وقلبي.
** كان حلمي، مشروعي الخاص منذ دراستي الابتدائية، أن أترجم الكلمات التي كنا نرددها للأناشيد القومية والوطنية إلى أفعال، وعلى صغر سني كنت أحلم بالوحدة العربية والوطن العربي الكبير بلا حواجز أو حدود محققين التكامل الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي، ليكون لنا وجود على الساحة الدولية، وكم كان ولا زال يهزني ما كتبه الشاعر المرحوم "فخري البارودي":
"بلاد العرب أوطاني/ من الشام لبغداني/ ومن نجد إلى يمن/ إلى مصر فتطواني".
هذا الحلم، المشروع، دفعني للعمل في الصحافة والفن والأدب. وما زلت أتابع العمل حتى بعد إحالتي على التقاعد في هذا الميدان، وتفرغت أكثر للكتابة والاستمتاع بالموسيقا العربية والعالمية الأصيلة، والغناء الطربي الأصيل أيضاً للمشاهير من المطربين المحليين والعرب.
** أقمت أكثر من ثلاثين معرضاً في "دمشق" وبقية المحافظات السورية وفي المراكز الثقافية التابعة للسفارات الأجنبية في "دمشق" وحصلت على العديد من الجوائز والبراءات، وشهادات التقدير، التي ما زلت أحتفظ بها حتى اليوم. بعد تأسيس نادي "التصوير الضوئي" تم انتخابي عام /2005/ لأشغل منصب "رئيس مجلس إدارة النادي" على مدار العامين، حيث تعاونت مع "مجلس الإدارة" على تطوير هذا الفن واكتساب المعارف الفنية والتقنية وتعميمها على الأعضاء في النادي. وأقمنا العديد من المعارض الخاصة والمشتركة للأعضاء، وقد استطاع البعض منهم الحصول على شهادات تقدير لمشاركتهم بمعارض عربية دولية، ونسعى للحصول على مقر لنتابع نشاطاتنا في ميدان هذا الفن.
** بعد حصولي على بعض الجوائز، عمدت لنشر بعض الصور الفنية "للطبيعة" و"الأشخاص" المميزين في مختلف ميادين العمل الفني والثقافي والأدبي، في عدة صحف ومجلات محلية. ثم لجأت لكتابة المواد الاجتماعية والتحقيقات المتنوعة في الصحف والمجلات المحلية والعربية، وهكذا قادني هذا الفن لميدان الصحافة، والأدب، فقد نشرت العديد من القصص القصيرة أيضا. والآن ينحصر اهتمامي في المسرح والفن المسرحي، لما له من دور في تهذيب وتثقيف الفرد وتطوير ذائقته الجمالية والفنية وانعكاس ذلك على المجتمع وتطويره، وأكاد أقول أنني لا أفوت عرضاً مسرحياً محلياً أو عربياً أو أجنبياً يعرض في "دمشق" إلا وأحضره، كما أشارك في التغطية الإعلامية للمهرجانات المسرحية، وأكتب في النقد الايجابي الذي يساهم في تطوير الحركة المسرحية. كما أنني أمارس هواية "الأرشفة الصحفية" التي تعتبر عملاً توثيقياً فنياً وأدبياً، كي أكون على صلة بما يجري حولي على كافة الصعد ماضيها وحاضرها. كما أن لدي مكتبة ضخمة تضم أكثر من "عشرة آلاف كتاب" ومجلات وصحف في مختلف العناوين والأبحاث، يضمها القبو في منزلي، مع الأرشيف الذي أشرت له آنفاً، لكن المحزن أنني لا أعرف ماذا سيحل بها بعد رحيلي عن الحياة، لذلك قررت تقديمها مع الأرشيف هدية "للمكتبة الوطنية"، لأكون أكثر هدوءاً في العالم الآخر.