«العرب الشماليون نمّو الخط النبطي وطوروه إلى خطهم العربي منذ أوائل الجاهلية حيث وجدت نقوش مختلفة تشهد بذلك ونرى شعراءهم يشبهون الأطلال ورسوم الديار بالكتابة ونقوشها حيث يقول "المرقَّش الأكبر":

الدار قفرٌ والرسوم كما رقَّشَ في ظهر الأديم قلم»

رواية الشعر في العصر الجاهلي كانت هي الأداة الطيعة لنشره وذيوعه، فكانت هناك طبقة الشعراء التي تحترف الرواية احترافاً، ومن كان يريد نظم الشعر وصوغه، يلزمه شاعراً يروي عنه شعره، وقد نص صاحب كتاب الأغاني "أبو الفرج الأصبهاني" على سلسلة من هؤلاء الشعراء الرواة الذين يأخذ بعضهم عن بعض، فنحن هنا بإزاء مدرسة تامة من الشعر المتسلسل في طبقات أو حلقات، وكل حلقة تأخذ عن سابقتها وتسلم إلى لاحقتها، ومن أهم ما يلاحظ في هذه المدرسة أن شعراءها أو رواتها كانوا من قبائل مختلفة في الجزيرة العربية، أما في العصر العباسي فقد نشأ فيها طبقة من الرواة المحترفين الذين يتخذون من الشعر الجاهلي عملاً أساسياً لهم، وتختلط في هذه الطبقة أسماء عرب وموال وأسماء قراء للقرآن الكريم، وهم جميعاً حضريون عاشوا غالباً في "البصرة" و"الكوفة" حيث كانوا يتخذون لأنفسهم حلقات في المسجد يحاضرون في الطلاب، أمثال "أبو عمرو بن العلاء" و"حماد الراوية" و"المفضل الضبي" و"محمد الكلبي" فهؤلاء استقوا رواياتهم من القبائل والأعراب البدو، وقد قسموا إلى مدرستين للرواية، الأولى المدرسة البصرية نسبة إلى مدينة "البصرة" والثانية المدرسة الكوفية نسبة إلى مدينة "الكوفة"، فقد كانت المدرسة البصرية تتقدم على الكوفية في الرواية لأنها كانت أمينة على نقل الرواية وتقصي مصدرها وعلى رأسهم "أبو عمرو بن العلاء" وهو من القراء السبعة الذين أخذت عنهم تلاوة الذكر الحكيم

بهذا الحديث بدأ الأديب "يوسف حنا" حديثه لموقع eHasakeh عندما التقاه بتاريخ 14/8/2009 عند سؤاله عن بداية الأدب في العصر الجاهلي والإسلامي.

الأديب يوسف حنا في ضيافة الأديبة كفى مراد

أما عن الرواية في الشعر الجاهلي فقال: «لقد جاء في السيرة النبوية أن رسول الله عليه السلام جعل فداء القرشيين الكاتبين في غزوة "بدر" أن يعلم كل أسير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة، وليس بين أيدينا أي دليل مادي على أن الجاهليين اتخذوا الكتابة وسيلة لحفظ أشعارهم ربما كتبوا بها بعض قطعٍ أو بعض قصائد، ولكنهم لم يتحولوا من ذلك إلى استخدامها أداةً في نقل دواوينهم إلى الأجيال التالية، لأن وسائلها الصعبة كانت من الحجارة والجلود والعظام وسعف النخل، الأمر الذي جعل من العسير أن يتداولها الشعراء في حفظ دواوينهم.

ولكن ذلك حدث في الإسلام بفضل القرآن الكريم وما أشاعه من كتابة آياته حيث تحول جمهور العرب من أميتهم الكبيرة إلى قارئين يتلون القرآن، ولا نكاد نمضي طويلاً في العصر الإسلامي حتى تتحول العربية من لغة مسموعة إلى لغة مسموعة مكتوبة، وكل ما بين أيدينا من روايات عن كتابة بعض الأشعار في الجاهلية إنما يدل على أن الكتابة كانت معروفة وخاصة في البيئات الحضرية، مثل مكة والمدينة والحيرة، ولكنه لا يدل على أنها اتخذت أداة لحفظ الشعر الجاهلي ودواوينه، فإذا كان القرآن الكريم على قداسته لم يجمع في مصحف واحد إلا بعد وفاة الرسول فذلك وحده كافٍ لبيان أن العرب لم تنشأ عندهم في الجاهلية فكرة جمع شعرهم في كتاب إنما نشأ ذلك في الإسلام وبمرور الزمن، أما في الجاهلية فكانوا يعتمدون على الرواية، فالشاعر كان ينشد قصيدته ويتلقاها عنه الناس، والنهر الكبير الذي فاض بالشعر الجاهلي إنما هو الرواية الشفوية، والتي ظلت أزماناً متتالية في الإسلام ويدل على ذلك أقوى دلالة أن الحديث النبوي في أغلب أحواله يعتمد على الرواية والمشافهة إلى نهاية القرن الأول للهجرة، ومن الرجوع لأشعارهم نجد شعراءهم يذكرون دائماً الرواية، وأنها وسيلة انتشار الشعر بين القبائل ومن خلالها نفذ شعرهم إلى آفاق الجزيرة العربية كلها».

وعن كيفية نقل الرواية الشعرية يقول السيد "حنا": «رواية الشعر في العصر الجاهلي كانت هي الأداة الطيعة لنشره وذيوعه، فكانت هناك طبقة الشعراء التي تحترف الرواية احترافاً، ومن كان يريد نظم الشعر وصوغه، يلزمه شاعراً يروي عنه شعره، وقد نص صاحب كتاب الأغاني "أبو الفرج الأصبهاني" على سلسلة من هؤلاء الشعراء الرواة الذين يأخذ بعضهم عن بعض، فنحن هنا بإزاء مدرسة تامة من الشعر المتسلسل في طبقات أو حلقات، وكل حلقة تأخذ عن سابقتها وتسلم إلى لاحقتها، ومن أهم ما يلاحظ في هذه المدرسة أن شعراءها أو رواتها كانوا من قبائل مختلفة في الجزيرة العربية، أما في العصر العباسي فقد نشأ فيها طبقة من الرواة المحترفين الذين يتخذون من الشعر الجاهلي عملاً أساسياً لهم، وتختلط في هذه الطبقة أسماء عرب وموال وأسماء قراء للقرآن الكريم، وهم جميعاً حضريون عاشوا غالباً في "البصرة" و"الكوفة" حيث كانوا يتخذون لأنفسهم حلقات في المسجد يحاضرون في الطلاب، أمثال "أبو عمرو بن العلاء" و"حماد الراوية" و"المفضل الضبي" و"محمد الكلبي" فهؤلاء استقوا رواياتهم من القبائل والأعراب البدو، وقد قسموا إلى مدرستين للرواية، الأولى المدرسة البصرية نسبة إلى مدينة "البصرة" والثانية المدرسة الكوفية نسبة إلى مدينة "الكوفة"، فقد كانت المدرسة البصرية تتقدم على الكوفية في الرواية لأنها كانت أمينة على نقل الرواية وتقصي مصدرها وعلى رأسهم "أبو عمرو بن العلاء" وهو من القراء السبعة الذين أخذت عنهم تلاوة الذكر الحكيم».

يذكر أن الأديب "يوسف حنا" من مواليد قرية "برك" عام 1949، يحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1980 من جامعة "حلب" وأهلية التعليم الابتدائي نظام أربع السنوات عام 1968، يشغل حالياً منصب مدير "ثانوية الطليعة العربية" للبنات في "المالكية" منذ عام 1987.