خلفت والدها في مهنة إنسانيّة، وحافظت على تقاليد عمل والدها النبيل، والذي بدوره ورثه عن والده أيضاً، فالعائلة امتهنت العلاج بالطب العربي دون مقابل، فكانت ل"مهيدية سليمان " سنوات طويلة وما تزال في ذلك الواجب الإنساني.
لم تهتم بسنوات عمرها، وتعبها في الحياة، بل كانت تستقبل المريض بابتسامة وبشاشة، وبصدر رحب في جميع الأوقات وكل الأزمان تجد سعادتها بنزع الألم من زائرها، إنّها امرأة قلت نظائرها في المنطقة
"مهيدية " رحلت عن الحياة، تاركة خلفها إرثاً كبيراً في منطقتها، ورصيداً اجتماعياً وإنسانياً لا يمحوه الزمن، الأهم أن تلك المهمة الإنسانيّة لم تمت مع موت "مهيدية"، بل تقلدها ابنها البكر علي حسّو
"علي فرحان حسو" يتحدث عن عمل والدته في الطب العربي قائلاً: «من المتعارف عليه في عائلتنا أن علاج الطب العربي، موروث يجب الحفاظ عليه من الاندثار ويجب ألا ينتهي ضمن أسرتنا، لذلك استلمت الأمانة والدتي "مهيدية" وقبل ذلك كان جدي قد نقل خبرته من والده أيضاً، ويضيف: وبعد وفاة والدتي تصديت للمهمة وتابعت عملها في معالجة الناس، أمّا بالنسبة لوالدتي فقد سخرت عشرات السنين من عمرها في ممارسة الطب العربي، بعد أن أخذت خبرة كافية ووافية من والدها وجدها، لم يكن يمر يوم واحد إلا والمرضى في منزلنا، وأحياناً كثيرة يأتي مرضى في منتصف الليل أو مع الفجر الباكر، لم تكن تمل أو تكل أو تبدي أي انزعاج، بل على العكس تماماً تستقبلهم بابتسامة، وتودعهم بمثل ما استقبلتهم، تعطي بكل صدق ما تعلمته من الخبرة والممارسة لكل من يراجعها في مرض، كثيرة هي الأسماء التي نالت العلاج على يديها، ومن كل الأعمار والفئات، طبعاً كل ما قدمته كان خالصاً لوجه الله تعالى.
ويتابع حسو حديثه: لم تكتف والدتي باستقبال المرضى في منزلها، فأحياناً كثيرة كانت تذهب إلى منازلهم أو أماكن عملهم عندما تكون هناك حالات معينة، رغم كبر عمرها، فالأهم عندها ألّا يكون هناك مريض يحتاج خبرتها، مهما كانت بعد المسافات.
الراحلة "مهيدية" كانت تعالج جميع الأمراض التي صُنفت تحت عنوان العلاج بالطب العربي، وقد استفادت من الخبرة الواسعة لديها، يضيف "علي حسو" قائلاً: «كان اسمها معروفاً في جميع القرى والبلدات والمدن المجاورة؛ نتيجة عملها في تقديم الخدمات الطبية والصحية المجانية، وهي تركت لنا سمعة طيبة نفتخر بها أنا وأبنائي وحتّى أحفادي ولم تكن تعرف معنى الراحة والهدوء طالما هناك مريض يحتاجها، وتكبر سعادتي عند أجد أحد أطفال أسرتنا يأتي مبتسماً ليقول بأن شيخاً أو امرأة أو شاباً تلقى علاجه من قبل جدته "مهيدية"، هذه السمعة والمكانة لها، لا تقدر بأي ثمن، وهي كانت أمّاً لكل من يطرق بابها، فمعاملتها للمراجعين تميزت بالحنان والعطف، طبعاً لم تكن تتردد بتعليم المهنة لمن يحتاجها، فأنا اليوم عمري ستين عاماًـ ورثت طرق وأساليب العلاج بالطب العربي بشكل كامل منها ومن خلالها، واليوم أتابع مسيرة والدتي، ومشوار والدي وجدي، واعتبرها أمانة ثقيلة يجب الحفاظ عليها.
أمّا "بندر التمياطي" من أهالي ريف بلدة "تل حميس" فقد وصف الراحلة بأم الأيتام والفقراء، مؤكداً أن اسمها لا يفارق أهالي المنطقة، وأضاف: «العمل الإنساني الذي قدمته على مدار سنوات طويلة عظيم وذو قيمة كبيرة، نحن كأهالي المنطقة، نحتفظ بتلك القيمة ولا يمكن نسيانها، تلك السيدة الراحلة كانت تعالج وتداوي حتّى لو كانت مريضة أو مرهقة، ما ترددت في يوم من الأيام بالتوجه نحو مريض في نقطة بعيدة عن منزلها، كل ذلك دون مقابل حتى سميت بأم الفقراء
وشارك عدد كبير من أهالي تل حميس وقراها عائلة المرحومة مهيدية مصابهم عبر الحضور وتقديم التعزية في وسائل التواصل الاجتماعي وعبروا عن حزنهم لرحيلها فكتب حاج صالح الشدادي إنا لله وإنا اليه راجعون عظم الله أجركم وأحسن الله عزاءكم ورحم الله ميتكم وأسكنها فسيح جناته مرحومة إن شاء الله طبيبة الفقراء وخادمه بيت الله
"مهيدية سليمان" ولدت عام 1925 وتوفيت في 5/11/ 2024 في ريف بلدة "تل حميس