بات سلوكنا الاستهلاكي في ظل التغيرات التي نعيشها في العصر الحالي تجاه مختلف حاجاتنا وجوانب حياتنا يتسم بأنماط منبثقها التطبيع الاجتماعي الذي عززته قيم واتجاهات وعادات مكتسبة شكلت لدينا ثقافة استهلاكية انصبت في إطار الضرورة والكمالية واستهلاكنا لهما. وللتعرف إلى هذه العادات الاستهلاكية والتأثيرات الداخلية والخارجية عليها التقى موقع eDaraa خلال جولته في 14/7/2009 عدداً من المواطنين والسيد "احمد الدراجي" الاستشاري الاقتصادي ومدير مكتب دار الدراسات والاستشارات الاقتصادية.

السيدة "عبير الأسعد" من مدينة "درعا" تقول: «للأسف طرقت أبواب حياتنا الاجتماعية عادات وتقاليد استهلاكية دخيلة ابتدعها الغرب وفرضها تيار اقتصادي همه الوحيد تحقيق الكسب على حساب مصلحة الشعوب وهذا ما يؤكد على دورنا كآباء وأفراد مجتمع في الحفاظ على عاداتنا الطيبة، وتنميتها في نفوس أبنائنا، وإن هذه العادات المدخلة تلازمنا في كل سلوك استهلاكي وحتى الضرورة في ظل هذه العادات باتت كمالية ورفاهية مثلاً جهاز الموبايل كتقنية جداً ضروري لكن شبابنا انكب على اتباع الموضة فالتغيير مستمر في الشكل والتقنيات واللون وغير ذلك، والاهم من ذلك عاداتنا الاستهلاكية السيئة في مأكولاتنا مثل إعداد الطعام بكميات قد لا تستهلك الأسرة نصفها، وأود القول أنه بالمقابل ثمة عادات جيدة يحبذ التمسك مثل حفظ المواد الغذائية بطريقة المونة وعلى الأخص بالطرق الطبيعية التي كانت متبعة من قبل ما يساعد على توفير وتأمين المادة الغذائية في غير موسهما من دون أن نضطر لشرائها بأسعار مضاعفة في غير موسمها».

عادات وتقاليد تستهلك العديد من مفردات اقتصاد المجتمع، فالنمط الحياتي من الإسراف والبذخ وبالنزوع المتباهي بالاستهلاك إلى حد التبذير، الذي أصبح من العادات التي تمارس تلقائياً دون كثير من التنظيم لشؤون حاجة البيت ومستقبل الأسرة والمجتمع وهذه العادات مكتسبة

السيدة "تغريد الكور" من مدينة "درعا" قالت: «بالفعل تغيرت عاداتنا الاستهلاكية بتأثير التغير الذي شهدته مجتمعاتنا، وتتفاوت درجة هذا التأثير بين مجتمعاتنا المدنية والريفية، فغلب اقتناء الكمالية على الضرورة وقد أخذ الإعلان دوره في تعزيز هذه العادات وكذلك انتشار ظاهرة التقسيط أخذت دورها والمهم العمل على تنشئة الجيل على العادات الجيدة بدءاً من الأسرة، فأنا كأم لا أعوّد ابني على شراء المشروبات والعصائر الغالبة فيها الملونات والصبغة بإمكاني شراء البرتقال وعصره يدوياً وتقديمه لطفلي بدلاً من ذلك، دائماً أبحث عن الغذاء والمشروب الصحي». كما التقى موقع eDaraa الاستشاري الاقتصادي "أحمد الدراجي" ودار الحوار التالي:

السيد احمد الدراجي

  • ما هو مفهوم العادة الاستهلاكية؟
  • ** «عادات وتقاليد تستهلك العديد من مفردات اقتصاد المجتمع، فالنمط الحياتي من الإسراف والبذخ وبالنزوع المتباهي بالاستهلاك إلى حد التبذير، الذي أصبح من العادات التي تمارس تلقائياً دون كثير من التنظيم لشؤون حاجة البيت ومستقبل الأسرة والمجتمع وهذه العادات مكتسبة».

    الهمبرغر

  • ما تأثير ثقافة المجتمع على سلوك المستهلك؟ .
  • ** «إن لكل مجتمع ثقافته وحضارته ذات الطابع الخاص به، وهذه الثقافة تتشكل عبر مئات السنين وتشكل شخصيته بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى، فثقافة وحضارة المجتمع هي مجموعة القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات السائدة، والحضارة تتكون من عنصرين معنوي ويتمثل في قيم المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته والعنصر الآخر مادي يتمثل في الناتج المادي لأفراد المجتمع ويؤدي التفاعل المستمر بين المجتمع والفرد إلى تشكيل تفضيلات الفرد الشرائية والاستهلاكية بصورة تتلاءم مع القيم الجوهرية للمجتمع فتتحدد تبعاً لذلك أنواع المنتجات التي يسمح المجتمع بشرائها واستهلاكها، وتتمتع هذه القيم الجوهرية للمجتمع بالإلزام حيث لا يستطيع أي فرد أن يحيد عنها، فعلى سبيل المثال هناك بعض المجتمعات التي تسمح لها حضارتها بأكل لحم الكلاب، كما تسمح بعض المجتمعات بأكل لحم السمك حياً أو بأكل الضفادع،

    والبيتزا ايضا

    وهذه السلوكيات غير مقبولة في مجتمعات أخرى وخاصة المجتمعات الإسلامية لأن قيمها الجوهرية لا تقر ذلك ولا تسمح به، ولذلك نجد أن مندوبي التسويق الذين يخططون لبيع منتجاتهم في السوق الدولية تتفق برامجهم ومنتجاتهم مع قيم وتقاليد المجتمعات الأجنبية ولا تتعارض معها فتفشل وتتسبب في مقاطعة العملاء الأجانب لبضائعهم. وقد تتغير بعض المفاهيم المجتمعية لتأثير الثقافة، وهكذا نرى أن قيم المجتمع ومعتقداته وعاداته وتقاليده في السلوك العام لأفراده تشكل سلوكهم الشرائي والاستهلاكي من عدة جوانب أهمها:

    التطبيع الاجتماعي للفرد له أثره في تحديد أنماط سلوكه الاستهلاكي, ولهذا كان الاهتمام بمراقبته وتوجيه سلوكه حتى يشارك في تنظيم الاستهلاك, فالتنشئة الاجتماعية من حيث المعلومات والبيانات المتعلقة بترشيد الاستهلاك والمستهلك بالدرجة الأولى ليست فطرية إنما هي مكتسبة, ومن ثم لابد من دراستها وممارستها وربطها بجوانب الحياة اليومية, ثم إن عادات الاستهلاك وتقاليده الموروثة هي التي يعتز بها لأنها تحدد معالم شخصيته ومنها العادات الغذائية التي يتصف بها المجتمع العربي، والتي ينبغي تخليص الأفراد منها كشراء وإعداد كميات كبيرة من الطعام فقد يكون عدد الأسرة خمسة أشخاص ويعدّ الطعام لسبعة أشخاص إلى جانب العادات الخاطئة في الحفلات والمناسبات».

  • ما هو دور الإعلان التجاري في خلق حاجات غير حقيقية وغير ضرورية ؟ (الأثر النفسي للدعاية والإعلان على المستهلك)
  • ** «للدعاية والإعلان تأثير على نفسية المستهلك, فهي تتحكم بعقله الباطن وتدفعه للقيام بسلوكيات استهلاكية غير سليمة, وقد أكدت هذا الدراسات العلمية الحديثة فنسبة 95% من قرارات الشراء تتخذ دون وعي المستهلك وذلك لاستخدام وسائل خداع تصل إلى (سويداء المخ) مركز اتخاذ القرار وهو ما يسمى بالعقل الباطن. كدليل على هذا ومن خلال استطلاع للرأي وجد من مقارنة أقوال المستهلكين بأفعالهم؛ فبينما يدعي هؤلاء تحكيم العقل والمقارنة حين الشراء إلا أنهم عند التسوق يندفعون لأخذ المنتج الذي يريدونه كأنهم ينصاعون لتأثير مسبق ترسخ في أعماقهم، وتؤكد هذا التأثير النفسي بعض الاستطلاعات التي قام بها بعض الباحثين فكان 79% من المستهلكين يعتمدون العشوائية مقابل 14% فقط يعتمدون التخطيط قبل التسوق.

    وقد كشفت دراسة حديثة إلى إن 58% من الأطفال يتأثرون بالإعلانات التلفزيونية في حين 29.5% منهم يتأثر أطفالهم بالإعلانات والدعايات أحياناً، بينما نسبة قليلة من الأسر (12.5%) أفادت بأن أطفالهم لا يتأثرون بالدعايات والإعلانات فيما يختص بمشترياتهم وتناولهم للأغذية.

    ومن نتائج استبيان في محيطي الاجتماعي الصغير سألت فيه عينة الاستبيان بضعة أسئلة عن سلوكهم الاستهلاكي

    1ـ إذا كنت أمام سلعتين واحدة تظهر بالإعلانات وأخرى لا تظهر بالإعلانات أيهما تشتري؟

    2ـ هل تضطر لشراء سلعة تحت ضغط أطفالك فقط لكونها تظهر في الإعلانات؟

    وكانت الإجابات كما يلي:

    ـ أجاب 60% من العينة على السؤال الأول بأنهم يشترون السلعة التي تظهر في الإعلان

    ـ أجاب 85% من العينة على السؤال الثاني بأنهم يشترون السلعة تحت ضغط الأطفال إذا كانت تظهر بالإعلان أحياناً, بينما أكد 10% منهم أنهم لا يخضعون لمثل هذا الضغط. هذا الاستبيان البسيط وهذه النتائج ما هي إلا نموذج يظهر مدى التأثير النفسي الخطير للدعاية والإعلان والذي يؤدي بالمستهلك إلى شراء حاجيات ليس بحاجة حقيقية لها, ولكن التأثير الطاغي للإعلانات يدفعه للتهور الاستهلاكي إذا صح التعبير دون أن يدري».

  • ما هي الكمالية وما هي الضرورة؟
  • ** «بداية كتعريف عام للكماليات من وجهة نظر استهلاكية هي السلع والخدمات التي بالإمكان الاستغناء عنها، ولكن حالياً أصبحت الكماليات جزءاً من الأساسيات بحياتنا، وهذا بالتأكيد يعود لتطور الحياة والاقتصاد وزيادة إنتاجية السلع الكمالية وتدني أسعارها، مع العلم بأن المستهلك تزيد أعباؤه اليومية نتيجة الإنفاق على هذه الكماليات.

    يختلف تعريف السلع الكمالية بين المجتمعات الفقيرة والغنية فما هو كمالي في دولة ما هو أساسي في دول أخرى غنية كالهاتف النقال والنظارة الشمسية مثلاً أو الذهاب في إجازة خارج البلاد، ويقول خبراء إن توالي الأزمات خلال العقود الأربعة الماضية أدت إلى تدني المستوى المعيشي في البلاد إلى حد اختفت معه الطبقة الوسطى وكانت النتيجة أن انخفض الإنفاق على كل ما هو كمالي».

  • كيف نرشد الاستهلاك بدءاً من منازلنا ومن يلعب الدور الأول في هذا الترشيد؟
  • ** «إن الاستهلاك كثقافة تجعل الفرد تابعاً وباحثاً عن الجديد ليستهلكه ويتمتع به فيسقط فريسة لسلطة قهرية استعبادية تعتمد كل الوسائل المغرية لإيقاعه في حبائلها وبالتالي إنتاج فرد فاشل وعالة على مجتمعه بحيث يقتصر وجوده داخل مجتمعه على الاستهلاك والبحث عن إشباع غرائزه المتعددة دون أن ينتج ويبدع ويمارس حياته الإنسانية التي تفترض فيه الشعور بالوجود الإيجابي وخدمة الذات والناس، لا انتظار كرامات الآخرين وإنتاجياتهم التي لا نعلم كيف وصلت إلينا في طبعتها النهائية.

    وهنا يأتي دور المجتمع المحلي ودور الجمعيات والمنظمات الشعبية لاسيما الاتحاد النسائي ودور الدولة أيضاً ودور المؤسسات الإعلامية لترشيد استهلاك الحاجات الأساسية وتعريف المستهلك على الأشياء الأساسية والأشياء الكمالية وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، يعني يجب أن نعتاد الابتعاد عن الكماليات ونركز على الضروريات كي تصبح هناك استدامة بحياتنا لنا ولأولادنا ولمستقبل مجتمعنا. نحن هنا ندعو إلى تبني رؤية علمية للخروج من هذا المأزق الخطير الذي جعل شبابنا وأطفالنا عرضة للاستلاب الثقافي والاقتصادي والهوياتي، ومع أن النظرة إلى المستقبل تجعلنا جد متشائمين من خلال ما نراه من لا مبالاة وعدم اهتمام من كل النخب الفاعلة في المجتمع تجاه هذه القضية فإننا نتمنى أن نجد في هذه النخب من بقي يؤمن ببناء الهوية الذاتية والثقافية التي تقاوم الاستلاب والاستغلال والاستعمار بكل أشكاله.

    وإزاء هذه الفجوة بين تزايد الحاجات الاستهلاكية وضعف القدرة الشرائية كيف نستطيع أن نختار أنماطاً استهلاكية صحيحة..‏ المسألة لا تتعلق بضبط الأسعار في الأسواق ولا بتصحيح مسارات الإعلانات ولا بالوقوف في وجه الثقافة الاستهلاكية الوافدة إلينا وحسب.. إنما تكامل الحلول المجتمعية من خلال الارتقاء بما يفكر به ويعمل من أجله المجتمع بجانبيه الرسمي والأهلي، وذلك بوضع نظرة شاملة للتعامل مع هذه القضايا الصعبة الحلول لكنها ليست المستحيلة..‏ وعلى سبيل المثال مشكلة الزواج أو التأخر بالزواج وحل مشكلة الانحراف بين الشباب قد نجد طريقها للحل من خلال الأعراس الجماعية التي تقوم بها الجمعيات الأهلية وبتشجيع الاستثمار بدون عوائق الذي يكفل فرص العمل الحقيقية للشباب..‏ كذلك لابد للمثقفين في المجتمع أن يكونوا القدوة لأبنائهم من خلال اللباس والمأكل والتربية السليمة لتوعيتهم بالنمط الاستهلاكي الصحيح والمفيد، وأيضاً يستطيع رجال الدين التأثير على الأغنياء بالتراجع عن مظاهر البذخ التي لا مبرر لها وما الذي يمنع أن يزوجوا أولادهم بشكل متواضع؟ وما الذي يمنع أن يقوم الرجال الميسورون من رجال أعمال وصناعيين وغيرهم بتبني الشباب الذين يتعلمون داخل وخارج سورية؟ ويصرفون عليهم حتى نهاية دراستهم كما هو حاصل في بعض الدول العربية..».

  • كيف تتم معالجة هذه القضايا؟‏
  • ** «مما سبق فإن الاقتصاديين والاجتماعيين يؤكدون على بعض الأمور لمعالجة غول الاستهلاك الترفي من ذلك: التخلص من القيم الاستهلاكية السيئة السلبية حتى لا يسبب الاستهلاك الترفي الفقر وسط الرخاء – كبح الانفعال العاطفي ومراقبة الاستهلاك والتحكم بكميته ونوعه وسعره.

  • تشجيع الأفراد على الادخار وتيسير فتح قنوات فعالة لاستثمار مدخراتهم.

  • تقديم الكميات المطلوبة والجودة والنوعية».

  • ما تأثير الأسرة على سلوك المستهلك؟
  • ** «يهتم مديرو التسويق بدراسة تأثير الأسرة على سلوك المستهلك فهناك منتجات كثيرة يتم شراؤها بغرض الاستهلاك الأسري كما أن الأفراد يتأثرون بآراء ونصائح باقي أفراد الأسرة في قراراتهم الشرائية وتقسم الأسرة إلى ثلاثة أنواع هي:

    الأسرة النواة: وهي التي تتكون من الأب والأم فقط أو الأب والأم والأولاد ويعيشون جميعاً في نفس المسكن

    -الأسرة الممتدة: تشمل الأسرة النواة بالإضافة إلى بعض الأقارب كالأجداد أو الأعمام أو الأخوال أو العمات أو الخالات وأبنائهم وأبنائهن وبناتهن.

    الوحدة المعيشية: وهي تتكون من فرد واحد أو عدة أفراد يعيشون تحت سقف واحد من الأقارب أو غير الأقارب، فمثلاً قد تشمل الوحدة المعيشية أفراد الأسرة النواة أو الأسرة الممتدة بالإضافة إلى بعض العاملين بالمنزل مثل السائق والطباخة والشغالة. وقد انصب اهتمام الباحثين على مدى تأثير كل من الزوجة والزوج على عملية اتخاذ القرارات الشرائية والاستهلاكية ووجدوا أن هناك أربعة قرارات يتم اتخاذها داخل الأسرة:

    قرارات يغلب رأي الزوج في اتخاذها، قرارات يغلب رأي الزوجة في اتخاذها، قرارات مشتركة، قرارات فردية، ويعتمد التأثير النسبي لكل من الزوجين في اتخاذ القرارات على عوامل عدة منها نوع السلعة أو الخدمة المشتراة وفلسفة الأسرة حول دور كل من الزوجين في اتخاذ قرار الشراء. ويتأثر النمط الاستهلاكي للأسرة بالتغيرات الحادثة في حياة الأسر نتيجة لازدياد نسبة الزوجات العاملات، كما أن للأطفال تأثير على قرارات الأسرة الشرائية تبعاً لعمر الطفل نفسه. وبشكل عام يتأثر السلوك الاستهلاكي والشرائي للأسرة بحسب نوع الأسر وحجمها وخصائصها الديموغرافية ومكانتها الاجتماعية وأسلوبها المعيشي وحجم الإنتاج الداخلي لها، كما يتأثر هذا السلوك بعدد من العوامل الاجتماعية الأخرى مثل درجة التماسك الأسري ودرجة تكيف الأسرة مع البيئة وطبيعة الاتصالات الدائرة بين أفرادها.

    وتمر الأسرة خلال دورة حياتها بخمس مراحل هي: العزوبية والزواج الحديث والعش الكامل والعش الخالي والزوج الباقي على قيد الحياة. ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها المميزة حيث يختلف مستوى الدخل وعدد الأفراد وأعمارهم وطبيعة التركيب الأسري وعمل أفراد الأسرة، كما تتباين الموارد المتاحة للأسرة وكذلك تختلف احتياجاتها من السلع والخدمات في المراحل المختلفة».

  • ما طبيعة العلاقة بين الاستهلاك وثقافة العيب؟
  • ** «العلاقة وثيقة والأمر راجع إلى العادات والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع، لأن الثقافة الاقتصادية لدى أفراد المجتمع ما زالت تعتمد على إرضاء الناس –الخوف - من أن يعاب الشخص لطريقة لباسه أو أكله مهما كانت التكلفة مما جعل الاهتمام بالرفاهية على حساب الأساسيات ظاهرة في المجتمع خوفاً من أن يعاب الإنسان بمظهره وأكله أو طريقة عيشه، بالإضافة إلى أن حرية التجارة وثورة الاتصالات وانتشارها ساعدت على الترويج للسلع بشكل يغري المستهلك حتى لو كانت هامشية».

  • ماذا عن تعاليم الديانات السماوية وعاداتنا الاجتماعية وتنشئة الجيل؟
  • ** «إن صفة استهلاك الإنسان في الأديان هي الكفاية لا التبذير، وإن منفعته وإشباعه يتحقق ليس فقط بالإشباع المادي بل من خلال الإشباع الروحي بأداء الواجب نحو الآخرين من مال الله الذي رزقه إياه، وإن منفعته تتحقق حتى في قيامه بواجبه نحو الآخرين، وقبل ذلك أهله وزوجته وولده. ولذا يسعى الإنسان إلى مرضاة الله تعالى فيشكر الله على نعمه ويحمده كلما وفقه إلى استهلاك شيء من رزق ربه. والإنسان ينفق ماله ليحقق منفعة بسد حاجته، وبلوغ متعته والكفاية عن الحرام، وتحقيق مرضاة الله ونيل ثوابه عز وجل، أليس من العيب أن تكون أدياننا السماوية هي من تدعو إلى العمل والإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتدعو إلى طلب العلم بينما الذين ينتمون إليها كسالى فاشلون أمام آلة الصناعة الغربية التي وفرت عليهم الاجتهاد والإبداع والبحث العلمي. ولذلك فكل الخوف يتجلى في هذا النزيف الفكري والثقافي الذي سقط فيه الكثير من شبابنا وأطفالنا الذين أصبح كل همهم هو الاستهلاك والبحث عن الجديد في عالم الموضة في كل مجالات الحياة دون وجود رادع أو رؤية تربوية تثقيفية وتعليمية تقيهم شرور هذه الثقافة الاستعمارية الجديدة التي نجحت نجاحاً باهراً فيما فشلت فيها الآلة العسكرية قبل عقود. فتكاد تنعدم المقاومة ضد هذا الغزو الغربي الجديد الذي اعتمد الثقافة والصناعة سبيلين لغزونا واستعبادنا والتحكم فينا».

  • ما هو دور العولمة وتأثيرها على صميم العلاقات الاجتماعية؟
  • ** «كانت المهمة الأولى للعولمة هي تدويل الاقتصاد وتدويل رأس المال وقوة العمل والإنتاج، وأيضا تدويل أنماط الاستهلاك وتدويل الثقافة كذلك. وقد كان تدويل رأس المال الاقتصادي من خلال خلق سوق مشتركة أو موحدة أي توحيد أسواق الإنتاج والاستهلاك وتدعيم أواصر الصلة بين مصالح الفئات الأكثر اهتماماً ونشاطاً بل والأكثر قوة على إدارة العملية الاقتصادية وتداخلها والموجهة للأنشطة الإنتاجية في الدول المختلفة وهو ما لقي نوعاً من الحراك الاجتماعي أثر على البنى التقليدية في المجتمعات التابعة الأقل تطوراً مما أدى في المرحلة الحالية إلى ظهور متزايد ومضطرد للبطالة واتساع الفجوة إن كان بين الدول ذاتها أو بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة على مستوى الدولة الواحدة، فقد أدت حرية انتقال السلع ورؤوس الأموال عبر الحدود دون أي قيود إلى الإقلال بل الاستغناء عن اليد العاملة ومن ثم ظهور مشكلة العمالة التي أصبحت من أهم العوامل الأساسية لظهور البطالة وتفشيها بصورة واسعة على مستوى العالم كله،

    مما نتج عنه فارق طبقي نتيجة تفاوت توزيع الدخول وتفتيت البنية الاجتماعية. إن المنافسة المعولمة أصبحت تطحن الناس طحناً وتدمر التماسك الاجتماعي وتعمل على تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس، فإذا كانت العولمة تعد رديفاً لتنامي الرأسمالية عبر الأربعة قرون الأخيرة فما الذي استدعى أو استجد راهناً ليستدعي حضورها الطاغي؟

    قيل إذا زكّمت "أميركا" يعطس العالم، وها هي الآثار المدمّرة لذيول وتداعيات القروض من "ليمان براذرز" وغيرها ترخي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي مذكّرة بكساد ثلاثينيات القرن المنصرم، وبالعودة إلى العادات الاستهلاكية الغذائية لكون الغذاء – حسب تقرير صدر مؤخراً – يشكل نسبة 40-55% من مصروف العائلة "السورية" التقليدية. تغيرت عاداتنا الاستهلاكية بشكل واضح وبتنا نرى أطعمة كان مجرّد ذكر اسمها بالماضي القريب يثير الاستغراب ولا أقول الاستنكار وصارت تعتمد على مواد أولية نستورد أغلبها، والقليل الذي يطهى بمواد محلية يعتمد على أسرار الخلطة (know how) المستوردة، وكأنها سر مكنون! وقفت "فرنسا" بمطبخها التقليدي ضد الغزو "الأميركي" المعولم وحاربت محال الوجبات السريعة ومعها حاولت الإبقاء على هويتها الثقافية بفرض العقوبات على استخدام التعابير "الأميركية" في الحياة اليومية أو تسمية المحال والماركات أضحت اللقمة لا تنبلع إلا إذا أرفقناها بجرعة من السائل الأسود ولكم كامل الخيار بين العملاقين: كوكا كولا أو بيبسي كولا.. البيتزا كانت مجرّد بقايا أطعمة وضعها فلاح "إيطالي" من "توسكانا" على رغيفه وأدخلها إلى الفرن قبل انطلاقه لحقل الزيتون وأضحت الطعام "الأميركي" رقم (1) تلاها الهمبرغر بأشكاله وأنواعه.. علكة التشيكلتس ومظهرها في فم الأغلبية العظمى من "الأميركيين" وهي كانت الحركة السحرية التي يستهل بها في السابق أي سائح حديثه مع حسناء في بلاد حلف "وارسو".. "مازولا" والزيت الصحي عظيم الفوائد لكون الذرة هي الفائض الكبير للزراعة "الأميركية" ولما بدأت حقول الزيتون في "فلوريدا" و"نيوجيرسي" تعطي ثمارها تعدّلت فتاوى دهاقنة الغذاء هناك وفي كل العالم وبقدرة قادر لمصلحة زيت الزيتون.. "مارلبورو" هو اللفافة التي يدخنها الرجل الواثق من رجولته ومدخنها ذو النفس المتوثبة للمغامرة وركوب الصعاب وما تخلفه الدعاية من أوهام في ذهن مراهقنا ولا بأس في هذا السياق الحديث عن زي معين هو الجينز الذي كان طموح كل صبية في دول الستار الحديدي وهو الزي الذي يرتديه كل "أميركي" في حياته اليومية وصار الرمز العالمي للانطلاق وروح المغامرة والشباب.

    وتتوالى السلسلة من مواد ومنتجات مطلقة رسالة بين الأسطر لغسل دماغ المستهلك، وبنفس الوقت مدمرة أي انتماء لبلده بعاداتها والكثير من قيمها، وإذا استمرت الأمور بهذا المنوال فسنرى العالم مجرّد نسخة «فوتوكوبي» لبلدة "أميركية" بزيها، ولكنتها، وماركاتها، وأطعمتها، وعاداتها الاستهلاكية. سبقنا "الأتراك" بطرح هذه التساؤلات فمنع "أتاتورك" استهلاك المستوردات من شاي وقهوة تستنزف العملة الصعبة لبلده، وبدأ بنفسه فأضحت الضيافة التقليدية هناك التين والزبيب والمشمش الطازج أو المجفف محشواً بالجوز والبندق وكلها من عطايا أرض "الأناضول" هل نعود لمحاصيلنا ببساطة ونستمتع بنتاج أرضنا الطيبة؟ أم نبقى أسرى المستورد (لكون كل فرنجي برنجي)؟..».